أهداف إفريقية في شبكة الجهل!

في القترة الأخيرة سجّلت دولٌ إفريقية أهدافا عظيمة في شبكة الجهل. والجهل بمعناه الحقيقي والمجازي؛ هو سبب المصائب التي تفتك بالشعوب والأوطان، لأنه يصنع الاستبداد والطغيان، ويشجع على العنف وسفك الدماء، ويجعل القوة الغشوم بديلا للتفكير العاقل، فيدفع الناس ثمنا باهظا من وجودهم وأمنهم وتفاعلهم المثمر والمنتج.

سددت إفريقيا مجموعة أهداف في ثلاث دول مهمة:

أولا- في ليبريا، قررت أول امرأة ترأسها عدم الترشح لولاية رئاسية جديدة "التزاما بالعملية الديمقراطية". وعبرت عن سعادتها بإنجازاتها.

ثانيا- في الحبشة قرر هيلي مريم ديسالين رئيس الوزراء، ورئيس الحزب الحاكم الاستقالة ليتيح فرصة أفضل لحل المشكلات المستعصية المزمنة في بلاده.

ثالثا- في جنوب إفريقية قبل رئيسها التنازل عن الحكم والخضوع لمشيئة حزبه بعد أن أثيرت حوله مجموعة من القضايا التي طالت نزاهته وعلاقته ببعض القوى السياسية والاجتماعية.

من قبل هؤلاء بشهور قليلة تراضخ روبرت موجابي رئيس زيمبابوي المزمن، وبطل التحرير، لإرادة الشعب، وترك الحكم سلميا في اتفاق مع قادة حزبه وجيشه، من أجل مصلحة البلاد.

مقابل هذه الأهداف فإن العالم العربي البائس النكد يقدم صورة معكوسة. فالحكام والمسئولون يرون أن الحكم حق إلهي مقدس، لا يجوز لأحد ولو كان الشعب أو المصلحة العامة أن تنزعه منهم، وفي سبيل ذلك ترتكب السلطة المجازر والمذابح والتهجير والنزوح ولو طال ذلك معظم الشعب، وتضحي باستقلال البلاد وكرامتها وهويتها وثرواتها واقتصادها، ولو احتلت جيوش الشرق والغرب، وميليشيات الطوائف من كل فج عميق بلادهم؛ فالسلطة الغشوم والكرسي المشئوم حق لهم!

زعماء إفريقيا يتحاورون ويتفاوضون، ويساومون، دون أن يكون صندوق الذخيرة، أو ماسورة الدبابة، أو دانة المدفع أو قصف الطائرة هو الحكم والفيصل والمرجعية العليا!

العالم الإنساني ينظر إلى ما يجري في إفريقية المتفاهمة باحترام وتقدير، وينظر إلى العرب الدمويين بازدراء واحتقار، ويجد العالم الغربي المتوحش في العرب فريسة سهلة المنال لتحقيق أهدافه وغاياته الهمجية، فقد أعطاه العرب الفرصة السانحة بامتياز، وإن كان له دور لا ينكر في تهيئتها وتغذيتها بمكره ودهائه وأفكاره الشيطانية. 

في ليبريا كانوا يسمون إلين جونسون سيرليف؛ الرئيسة التي رفضت الترشح ثانية بالمرأة الحديدية الإفريقية، وقالت سيرليف لبي بي سي البريطانية : "أشعر بالرضا. أعتقد أنني تمكنت من تحقيق أهدافي إلى حد بعيد. هدفي استرجاع ليبيريا؛ وإعادة الخدمات الأساسية؛ ونشر الديمقراطية والمحافظة على السلم". وأضافت: "أنا ملتزمة أيضا بالعملية الديمقراطية التي تنص على انتهاء الولاية (الرئاسية) بعد فترتين. يسعدني أن أقوم بذلك، وأعتقد أنني أرسل بذلك رسالة واضحة للقادة في كل أنحاء العالم. كما أن الوقت قد حان كي يستلم الجيل الجديد زمام الأمور". وتعتقد رئيسة ليبيريا السابقة أن القارة الأفريقية ستشهد انتخاب رئيسة أخرى خلال السنوات الخمس القادمة. وقد لاقت إلين إشادة دولية واسعة لعملها وإعادة إعمار ليبيريا.

 ويخلف سيرليف في حكم ليبريا نجم كرة القدم السابق جورج ويا، البالغ من العمر 51 عاما، وهو واحد من أفضل اللاعبين الأفارقة في التاريخ.

أما في الحبشة فإن هيلي مريم ديسالين حكم بلاده بعد وفاة ميليس زيناوي، وحقق نجاحا ملحوظا في المجالين الاقتصادي والعلاقات الدبلوماسية، واستطاع أن يقيم سد النهضة بتعطيش المصريين وحرمانهم من حصتهم المائية التي قررتها الاتفاقات الدولية، ولم يتزحزح عن موقفه أمام الموقف المصري المتهافت قيد أنملة مما خلق موقفا شعبيا متعاطفا معه. بيد أن الحزب الحاكم الذي يقوده ينتمي لقبائل التيجراي التي تمثل أقلية أمام أغلبية الأورومو والأمهرا، ولأن الحزب حقق إنجازا بالإطاحة بالديكتاتور الشيوعي مانجستو هيلا ميريام، فإن الأغلبية الشعبية عانت من المظالم الكثيرة التي حاول ديسالين حلها بالإفراج عن كثير من المعتقلين، ومحاولة إشراك عناصر من غير التيجراي في الحكم، إلا إن الحلول لم تكن كافية حيث استمرت المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات التي قابلتها الحكومة بالعنف والطوارئ، وهو ما جعله يفسح الطريق أمام غيره ديمقراطيا من أجل مصلحة بلاده قائلا: "إنني أعد استقالتي حيوية في محاولة تنفيذ إصلاحات من شأنها أن تؤدي إلى سلام وديمقراطية دائمين". وهو موقف لقي استحسانا على مستوى العالم الحر.

وفي جنوب إفريقية عزل المؤتمر الوطني الحاكم في جنوب أفريقيا، الرئيس جاكوب زوما بعد اجتماع مطول، ومناقشات مكثفة إثر اجتماع مباشر بين زوما ونائبه سيريل راما فوسا الذي خلفه في منصبه. كان زوما يرفض ترك منصبه، ويتحدى الحزب الحاكم، ويرى أنه ضحية مؤامرة من الغرب. ومع أنه يملك شعبية هائلة في وسط الفقراء الذين يشكلون الأغلبية الساحقة. فقد امتثل لقرار الحزب، وترك السلطة.

لقد شهد اقتصاد جنوب أفريقيا، الأكثر تقدما في القارة، ركودا طوال تسعة أعوام قضاها زوما في السلطة مع عزوف البنوك وشركات التعدين عن الاستثمار بسبب الشكوك السياسية وتفشي الفساد.

لقد طالته بعض المحاكمات، وبرأته المحكمة العليا في جوهانسبورغ في عام 2006 من تهمة اغتصاب امرأة تبلغ من العمر 31 سنة. وفي عام 2007 أعلنت سلطة الادعاء الوطني في جنوب إفريقية أن لديها أدلة كافية لتوجيه تهمة الفساد له على خلفية صفقة أسلحة تابعة للدولة. كما طالته تهم أخرى تتعلق بإسرافه في إجراء إصلاحات بمنزله في ضاحية نكوندلا على حساب دافع الضرائب بتكلفة 24 مليون دولار. وعلاقة مشبوهة بأسرة ثرية علي حساب المصلحة العامة. وعرقلة العدالة القضائية بعدم تنفيذ قرار محكمة الاستئناف العليا في البلاد بخصوص الرئيس السوداني (2015م). ومازال ملاحقا قضائيا، ولكنه آثر أن يقدم مصلحة بلاده واحترام القانون، على مصالحه الشخصية، وهيبته الذاتية.

هذه الدول الإفريقية تمثل حالة مبشرة يجب الاقتداء بها في العالم العربي، فالشعوب هي الباقية والسلطات زائلة ومتغيرة، والذين يظنون أنهم مؤبدون في الحكم والجبروت يجهلون حقائق التاريخ والجغرافيا، لأن الطغاة يذهبون، لا يرثي لهم أحد. خدامهم يتجاهلونهم، وأحذيتهم الرخيصة تتبرأ منهم، وتزعم أنها لا تعرفهم. وخير لأمتنا أن تحل مشكلاتها وانقساماتها وخلافاتها بيديها، بدلا من أن تحلها بأسنانها كما يقول المثل الشعبي، فالحل الثاني مكلف ودام وكريه!

الله مولانا، اللهم فرّج كرب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم! 

وسوم: العدد 765