تحالف إقليمي ودولي ضد إيران

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

قبل أكثر من سنتين تقريباً، وفي هذه الزاوية تحديداً، تحدثنا بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ عن ضرورة تشكيل عاصفة حزم جديدة، ولكن هذه المرة بهدف وأد "المشروع الإيراني".

فإنّ كلّ من أميركا وأوروبا والصين وروسيا وصفوا الاتفاق النووي بصفقة “الرابح-رابح”، ولا ندري إن كانت تقصد هذه الدول بالرابح "إيران ومحورها" أم لا؟ ولكن أمريكا اليوم تحدث استدارة كاملة وتنسحب من الاتفاق، بينما يتحدّث الغرب _دون خجل أو وجل_ عن عيوبٍ في الاتفاق تستدعي تعديله، محاولًا بذلك رسم إستراتيجية تضمن النجاة لإيران غير مكترثٍ بدول الإقليم وما تعانيه هذه الدول من سياسات طهران الدموية. فروحاني يقول إننا لم نعُد إلى نقطة الصفر فحسب، بل نحن أمام مشهدٍ جديد ستعقبه تداعيات إقليمية ودولية خطيرة، في حال لم تمنحنا عواصم صنع القرار الأوروبي ضمانات سياسية وأمنية واقتصادية.

 قبل الدخول في تفاصيل " العواقب الوخيمة "، لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي، لا بدّ من سرد مقدّمة صغيرة تبرز طبيعة السلوك الإيراني في المنطقة، منذ أيام الخميني حتى يومنا هذا.

 فقد دخلت طهران إلى الساحة الإقليمية بقوّة عبر بوابة الأقليات الشيعية، وعملت على زرع الخلايا التخريبية، وبناء المليشيات الموازية، ومن ثم نشر الإرهاب بكافة مستوياته، مستهدفةً بذلك الدول العربية دون رادعٍ أو حسيب، ثم شنّت عدوانها على العراق فقام الغرب بدعم الدولتين على قاعدة "خاسر – خاسر"، ثم انتهت الحرب ولم تكن نتائجها في صالح الخميني بل كان كمن يتجرع "السمّ" لأن أهدافه في تدمير العالم العربي لم تتحقق، إلى أن قام بوش الابن بشن حربه المشؤومة على عاصمة الرشيد، فدمّر جيشها، وارتكب بها جرائم حرب، ثم قدّم بغداد على طبقٍ من ذهب للولي الفقيه، والذي ابتلع بدوره البلاد، وشنّ حرباً لا هوادة فيها على "سنّة العراق" في سبيل مشروعه، وبناء مجال دولته الحيوي، وهدم "التوازن الديموغرافي" لصالح الشيعة، فحملت إيران لواء الفوضى "غير الخلّاقة" نيابة عن الغرب، ثم هبّت رياح الربيع العربي، وولدت داعش، من رحم أجهزة الاستخبارات العالمية _بما فيها إيران_ فانتهزت الفرصة وانضمت للتحالف الدولي لتدمير التنظيم الإرهابي متعدد "الهويات الاستخبارية"، واعتبرتها "فرصةً تاريخية" كما وصفها رحيم صفوي مستشار الخامنئي للشئون الدفاعية، لاستكمال رحلة العبور للمتوسط، ولتدشين "الكردوار الإيراني"، تحت سمع الغرب وبصره، بل بتأييده ودعمه.

 ولم يتوقّف التورّط الغربي والأمريكي عند هذا الحدّ، فقد كشفت الأحداث الأخيرة عن دعمٍ غربي واضح للمشروع الإيراني، إذ أعطاها الضوء الأخضر للعبور إلى المنطقة، شريطة عدم تجاوزها الدور الوظيفيّ المنوط بها. لكن طهران اشترطت مسبقًا إبرام اتفاق مع الغرب حول المفاعل النووي مقابل ضمان استمرارها في أداء مهمتها التي تحتاج إلى أموالٍ طائلة، وهذا ما حدث بالفعل، حيث تمّ الافراج عن عشرات المليارات التي كانت محتجزة، وذلك ببركات هذا الاتفاق.

 لا ريب أنّ الثورة السوريّة شكّلت نقطة تحوّل في علاقة الغرب مع إيران، فرغم أن أمريكا والغرب وإسرائيل "مجتمعين" قد منحوا الشرعيّة لإيران في سبيل وأد الثورة وقتل الشعب السوري بكل الوسائل الإجرامية، حيث أن الخامنئي وجوقته أكّدوا حينها استعداد إيران للاستمرار في مشروعهم " الدموي " نيابة عن الغرب، ولكن بشروطٍ واضحةٍ، محذّرين واشنطن من مغبّة الخداع والمكر مجدّداً.

 وبعد أن انتهت المهمّة _مهمة إيران في صناعة الواقع المأساوي الجديد_ بدت رغبة واشنطن وتل أبيب واضحة في تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة.

الاتفاق النووي

 عوداً على بدء، جاءت الاستدارة الأمريكية، ودقّت ساعة الحساب، لأنّ مهمّة إيران انتهت، وبدأ الحديث عن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وبدت طهران مصدومة مما يجري، لأن ما يجري يخالف ما تمّ التوافق عليه مع واشنطن.

 لا تزال إيران تؤكد على أن أمريكا ستكون أحد أبرز الخاسرين من هذا الانسحاب، فإن عدم التزامها بالاتفاقيات الدوليّة سيحرك الرأي العام الإقليمي والعالمي ضدّها، حيث أنّ إيران التزمت الاتفاق بحذافيره، وقد أكّد التزامها به عشرات التقارير التي صدرت عن وكالة الطاقة الذريّة.

 ولوّحت إيران إلى أنّ منظّمة الطاقة الذرية تستعدّ للتخصيب "الصناعي" غير المحدود، وقامت بإجراءات أخرى عديدة كتسريع وتيرة برنامجها الصاروخي، والتلويح بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي، وقلب الطاولة على الجميع عبر الأزمات الإقليمية.

 المضحك في حديث الإعلام الإيراني هو ما جاء على لسان العديد من مسئوليه المدنيين والعسكريين عن مفهوم "الهيبة والمصداقية الأمريكية" التي اهتزت على الصعيد العالمي والإقليمي جرّاء تهوّر ترامب، وهذه – بنظرهم – خلاف السياسات الأميركية السالفة التي أثبتت –طبعاً-صدقها مع طهران.

 تُشير طهران صراحة أنّ قرار واشنطن لا علاقة له بالنووي الإيراني، بل بتصفية حسابات سياسية مع طهران، والخلاف الاستراتيجي على الملفات الإقليمية. وتُدرك طهران أنّ المعركة معها ستكون معركة اقتصاديّة في البداية، لكنها بدأت تخشى من عقوبات لها "مخالب" حيث ستعمد واشنطن إلى فرض المزيد من العقوبات على الشعب الإيراني، والعديد من الشعوب التي تتعاون مع إيران ولا تلتزم بالقرارات الأمريكية، وبالتالي على شعوب المنطقة أن تتحمّل مغامرات ترامب السياسية، مستبعدة في الوقت ذاته أي تحرّك عسكري أمريكي مباشر وعاجل ضدها، لكنها تحذّر من أي تحالف إقليمي ودولي ضدها، لأنها تدرك أن المنازلة معها ستكون عبر بوابة الأزمات الإقليمية؛ لا سيما في سوريا.

تقول إيران على لسان رئيسها روحاني: أن العقوبات لم تثنها على مدى 40 عاماً من التطور، بل تمكنّت من بناء مشروعها الإقليمي، لهذا تسابَق مسؤولوها للحديث بكثافة عن إستراتيجياتٍ دمويةٍ سوف تُقدم عليها خلال الأيام القليلة القادمة، وطبعاً هذا يعني أنها ستعمل على تفعيل خلاياها وميليشياتها الإرهابية لاستهداف دول المنطقة، لأنها أجبن من أن تخوض حرباً مباشره ضد غرمائها ومنافسيها.

وسوم: العدد 773