إيران و"الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي" ضرورة لبقاء أوروبا قوة عظمى واستمرار تجارة الغرب

ترأس ألين دالاس (شقيق وزير خارجية أمريكا الأسبق جون فوستر دالاس) عملية تأسيس الـCIA بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ووضع ألين دالاس بالتوافق مع الأوروبيين خطرين رئيسيين على قمة قائمة المخاطر التي تهدد الأمن القومي الأمريكي، ألا وهما الخطر الأحمر (المعسكر الشرقي والاتحاد السوفيتي ووريثته روسيا) والخطر الأخضر (العرب). وخطورة العرب تكمن في امتلاكهم أكثر من 60% من الطاقة وسيطرتهم على أكثر من 80% من التجارة البحرية عالمياً.

وعلى أساس هذه الاستراتيجية، حظيت إيران وتركيا بأهمية قصوى بالنسبة للمعسكر الغربي (نادي بيلدربرغ)، لأنهما جغرافياً يشكلان سداً منيعاً لمنع التواصل بين المعسكر الشرقي وبين العرب. ومن هنا ظهر الجزء الشمالي لنظرية الاحتواء التي وضعها بن غورين والمنظر الصهيوني إلياهو ساسون وتؤكد على تعزيز قدرات إيران وتركيا في شتى المجالات. وفعلاً ومن خلال الدعم اللا محدود للشركات الإسرائيلية المسجلة في أوروبا وباقي نقاط العالم(شركات حائيم وأفريكا-إسرائيل وسامي عوفر وغيرها) امتلك ملالي طهران تقنية تخصيب اليورانيوم. وبفضل أكثر من 2000 مليار دولار استثمارات البنوك الداعمة لإسرائيل، أصبحت تركيا أحد أعضاء نادي G-20.

واتفق أعضاء المعسكر الغربي (نادي بيلدربرغ) على افتعال 3 ساحات صراع وهمي (ما يوصف بالإنجليزية بـ DECOY) في أفغانستان وفلسطين وتايوان، لإشغال وإلهاء الخطرين الأحمر والأخضر بهدف حرف التركيز عن "السد المنيع" (أي إيران وتركيا). ونجح المعسكر الغربي بنسبة أكثر من 100% !!! في جني ثمار استراتيجيته المركبة، لأنه استطاع أن يدمر المنطقة العربية وإيقاف نموها الاقتصادي والاجتماعي أيضاً من خلال إدخالها في حروب مع الكيان الصهيوني وغيره. تكفي الإشارة إلى أن حسب إحصائيات المنظمات الدولية كانت نسبة الفقر في المنطقة العربية 10% بعد الحرب العالمية الثانية، لكن هذه النسبة بلغت 35% في عام 2010.

ومن هنا يمكن تفسير حماس إيران وتركيا اللا محدود لإبقاء فتيل الصراع في فلسطين مشتعلاً، والأهم من ذلك هو أن إسالة لعاب الأوروبيين على الاتفاق النووي الإيراني أكثر من إسالة لعاب الصينيين والروس.

لكن بدء ابتعاد الولايات المتحدة التدريجي عن نادي بيلدربرغ وزعيمته ألمانيا، غيّر خارطة التحالفات في المعسكر الغربي فضلاً على خارطة التحالفات الدولية. وبدأنا نسمع عن أصوات في الغرب هنا وهناك خاصةً في أمريكا حول عدم جدوى مواصلة صرف الأموال على إسرائيل وحتى البعض منهم ذهب إلى أبعد من ذلك واقترح نقل أرض اليهود الموعودة إلى وسط أمريكا بالقرب من ولاية كانساس.

وهناك بُعد آخر لما يحصل في منطقة شرق بحر الأبيض المتوسط يتعلق بالمكامن الغازية هناك التي تقدر بأكثر من 122.000 مليار متر مكعب (حسبما نشرته وكالة DW للأنباء الرسمية الألمانية) أي أكثر من ضعفي مكامن الغاز الروسية. أشعل المعسكر الغربي صراعات عديدة في الشرق المتوسط، لكن الآن جزء من المعسكر الغربي تحديداً من في الولايات المتحدة، يرى ضرورة قصوى في إخماد النار المشتعلة في فلسطين منذ 70 عاماً، فضلاً على تبريد الصراعات المفتعلة في شبه جزيرة سيناء ولبنان وسوريا وقبرص، حتى يستطع أن يستبق باقي المنافسين غرباً وشرقاً للاستحواذ على أكبر حصة ممكنة من غاز شرق المتوسط من خلال وضع تحالفات وترتيبات جديدة هناك لا يرغب فيها الحليف الأوروبي، ولم تخف أوروبا عدم الرغبة تلك.

وبالمقابل يحاول بنيامين نتنياهو الفرار من استحقاقات المرحلة القادمة والتنازلات التي لا يرغب في إعطائه، افتعال أزمة وهمية مع إيران، وهو ما يحتاجه ملالي طهران وقم أكثر من نتنياهو ... وبطبيعة الحال تم تأطير الحاجة المتقابلة بين طهران وبين تل أبيب وفقاً للجزء الشمالي لاستراتيجية احتواء المنطقة العربية.

وأخيراً وليس آخراً، المنطقة مقبلة على تغيرات مزلزلة وغير تقليدية، والتصعيد في ملفي فساد نتنياهو الاقتصادي والنووي الإيراني هو ليس إلا جزء بسيط من جبل الجليد، وما يُخفى في العمق هو أعظم بكثير.

وسوم: العدد 773