الحوار المباشر بين واشنطن وطهران هو الحلّ، وعرّابته السلطنة العمانيّة

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

بعد نجاح الحوار المباشر بين أميركا وكوريا الشمالية، والذي تمخّض عن اللقاء التاريخي الذي جمع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون"، قامت مجموعةٌ من النشطاء لسياسيين وروادُ التواصل الاجتماعي بدعوة الحكومةَ الإيرانية إلى الدخول في محادثات مباشرة مع واشنطن، حيث أكدت في بيان لها بأن المخرج الوحيد من المشاكل السياسية والاقتصادية الحالية في إيران؛ هو الحوار المباشر مع الولايات المتحدة. وقد وقّع على هذا البيان عدد من الرموز الإصلاحية الإيرانية من أمثال: "جميلة كديور" و"عبد الله بازركان" و "غلام حسين كرباسشي" و "صديقة فسمقي" و"حسين كروبي"، حيث أكّدوا جميعًا على ضرورة إجراء مفاوضات مباشرة، ودون شروط مسبقة مع الولايات المتحدة، وذلك لأن الحوار قد يحدث انفراجًا في العلاقات مع واشنطن، وقد يؤدي إلى حلّ الأزمات المتعددة، والمشاكل المستعصية والمعقدة، والتي باتت تعاني منها إيران، قبل الانهيار الاقتصادي الشامل.

 وهناك تيار عريض في إيران بدأ يتحدث على نطاق واسع عن أهمية المحادثات المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، وأنها ستشكّل فرصة تاريخية. بناءً على تاريخ العلاقات بين الدولتين يتبين بأن المفاوضات هي السبيل الوحيد لحل كثير من المعضلات حيث نجحت في السابق بالتوصّل إلى مواقفَ مشتركةٍ سواء في العلن أو في السر، فلقد أجرت إيران في السابق محادثات كثيرة مع أميركا، وبخاصة فيما يتعلّق بالشأن الأفغاني والعراقي، كما أجرت مفاوضاتٍ معها حول ملفّها النووي، وذلك في إطار مفاوضاتها مع مجموعه (5+1).

 لا شك بأنّ إجراء مفاوضات سياسية شاملة بين طهران وواشنطن هو من صلاحيات "آية الله على خامنئي" الذي بات يدرك أكثر من أي وقت مضى بأن بقاء نظام "ولاية الفقيه" هو مجرّد وقت، وأن السبيل لإنقاذه هو الحج إلى البيت الأبيض فقط. حيث أسهم البيت الأبيض -سابقاً -في مفاوضات مباشرة مع الجانب الإيراني، ولعب المبعوث الأميركي "وليام بيرنز" دوراً بارزاً في المفاوضات السرية مع الوفد الإيراني والتي تناولت الملفّ النووي فيما سبق، وعبّر عن الرغبة الأميركية في إجراء مفاوضات مباشرة ودون وسطاء، بغية التوصّل إلى تسوية واضحة مع الجانب الإيراني.

 لا شك بأن الحراك الذي تشهده إيران حالياً بخصوص التفاوض المباشر مع واشنطن، على الرغم من حالة " التمنّع " الظاهري للنظام الإيراني، على قاعدة " يتمنّعن وهن الراغبات "، هو الوصف المناسب لحقيقة ما يجري على الأرض، فبعدما أيقن جميع الأطراف المعنيون بأنه _أي التفاوض_ هو السبيل الأمثل للحفاظ على بقاء النظام الإيراني، وأن الأمل أصبح مفتوحاً على الرغم من دبلوماسية "حافّة الهاوية" التي يتوسل بها الطرفان؛ الأميركي والإيراني، فهناك تسريباتٍ إعلامية عن زيارات مكوكية لعدد من المسئولين الإيرانيين إلى العاصمة العُمانية "مسقط " عرّابة التوافقات الأميركية الإيرانية.

 إنّ وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية أخذت تضجّ بالحديث عن أهمية الحوار المباشر بين طهران وواشنطن، الأمر الذي يوحي بأنها رسالة يراد توجيهها من جانب شخصيات إصلاحية إيرانية، في حين يعتبرها الكثيرون بأنها قد كُتبت في الوقت المناسب وقليلٌ منهم اعتبرها بمثابة "وثيقة لاستسلام إيران"، حيث أنها تجاهلت أدنى متطلبات العلاقات الدولية القائمة على النديّة، إذ قدّمت التنازلات الكبيرة على المستوى القومي.

 إن إدارة ترامب حين خرجت من الاتفاق النووي الذي تمّت الموافقة عليه من جميع القوى الأوروبية وروسيا والصين، والذي تمّت المصادقة عليه من جانب مجلس الأمن، فإنها بخروجها منه تكون قد انتهكت كلّ الالتزامات الدولية، فلذلك يجب إدانتها فضلا عن إجراء حوار معها، أما الفريق الآخر الذي بات يلحّ بقوّة على إجراء حوار مباشر وعاجلٍ مع الولايات المتحدة، يتحدث عن أن هذا الحوار كان يجب أن يكون منذ ولاية كلينتون، وبخاصّة في زمن ولاية خاتمي؛ لكن لم يتحقق بسبب معارضة مؤسسات السلطة آنذاك مثل آية الله خامنئي. على الرغم من اعتذار الولايات المتحدة عن الأفعال التي اقترفتها بدعمها الانقلاب ضدّ مصدّق، كما أن جورج بوش الابن والرئيس أوباما كانا مستعدين لعقد صفقة شاملة مع إيران.

 فالنخب المحسوبة على النظام الإيراني تقول: بأنه لا ضير من التفاوض مع إدارة ترامب، لكنّها ترى الكثير من العقبات التي تقف فيوجهه، يأتي في مقدّمتها الفرق الكبير في التعامل مع الملفّ الكوري الشمالي، والتعامل مع إيران، حيث أن أمريكا لم يكن هدفها تغيير النظام في كوريا الشمالية، في حين تهدف إلى تغييره في إيران. والسبب يعود حسب التيار المحافظ الإيراني إلى دور إسرائيل، وجماعات الضغط التي يقودها رجال الأعمال والمستثمرون للضغط هناك على الرئيس الأمريكي لتغيير النظام الإيراني. لذلك فإن أيّة مفاوضات يجب أن يكون عليها إجماع سياسيّ وبمشاركة وطنية واسعة، لمراعاة الكرامة الوطنية لإيران، فطهران مستعدّة لوضع كلّ الملفات على طاولة المفاوضات، وهذا ما يتمّ التطبيل له في إيران لرفع سقف التنازلات، وهذا ما يتمّ الآن تحقيقه من خلال استعداد الولي الفقيه للمساومة والابتزاز بما أنّ الوقت ليس في صالح إيران، فبعدما نجح التحالف العربي من تخليص الملف اليمني من القبضة الإيرانية. وبدأ التوافق الروسي الأميركي الاسرائيلي _حول الملف السوري_ يقلّص الدور الإيراني هناك، كلّ هذا يحتّم على إيران المسارعة للمساومة على ما تبقّى من ملفات، وإلا فإنها ستغدو خالية الوفاض بعد حين، ولن تجد ما تتفاوض عليه.

وسوم: العدد 778