بلاغ ضد الأمتين العربية والإسلامية

على غرار البلاغات التي يقدمها الى النائب العام بعض المحامين المحسوبين على النظام، ضد شخصيات من الِمعارضة المصرية، فإن السيد عبد الفتاح السيسي رئيس الدولة المصرية قدم ما يشبه البلاغ للمجتمع الدولي ضد الامتين العربية والاسلامية.

ففي كلمته امام مؤتمر الشباب المنعقد في جامعة القاهرة يوم السبت 28 يوليو 2018، مارس هوايته المفضلة في الهجوم على امتنا الكريمة واتهمها بما ليس فيها وقال عنها ما معناه بأنها من دعاة الحرب وسط عالم متحضر ومسالم، وفيما يلي نص هذا المقطع من الكلام:

"أمة فكرها مبني على الحرب! هل الحرب استثناء ولا اصل؟ الحرب استثناء.

لما يكون الفكر كله لأمة هو الحرب فقط.. على الاقل في المائتي سنة الماضية فهمها لدينها ان الحرب هي الاصل والاستثناء هو السلام. هل من المعقول ان يكون هناك فهم ديني كده؟".

ومن قبل كان قد قال كلاما مشابها في كلمته بمناسبة ذكرى المولد الشريف عام 2015، حين قال إنه ليس من المعقول أن 1.6 مليار مسلم يريدون ان يقتلوا الدنيا كلها اللي فيها 7 مليار علشان يعيشوا هم.

وفي كلمته أمام الجمعية العام في سبتمبر 2017، قال نفس الشيء تقريبا عن الفلسطينيين فناشدهم ان يتعلموا التعايش مع الآخر، وكأن الشعب الفلسطيني شعب متطرف يرفض التعايش مع الاسرائيليين وليس شعبا يعيش تحت الاحتلال! بينما في نفس الخطاب دعا من اسماه بالشعب الاسرائيلي الى الالتفاف خلف قيادتهم وكأن نتنياهو رجل سلام! في تشويه واضح للضحايا واشادة بالجناة.

وفي اثناء العدوان الصهيوني على غزة عام 2014 الذي اوقع ما يزيد على 2000 شهيد، انتقد استمرار الفلسطينيين في المقاومة رغم انها لم تؤت أي ثمار على امتداد 30 عاما.

وفي تعليقه على المذابح التي ارتكبتها قوات الاحتلال ضد المتظاهرين السلميين في مسيرات العودة على حدود غزة، قال إن على الفلسطينيين ان يحتجوا بطرق لا تؤدي الى سقوط ضحايا، وانه لا يمكن لمصر ان تفعل شيئا.. علينا ان نعمل ونكبر لكي يكون لنا تأثير.

وفي حديثه في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة المنعقدة يوم 28/4/2018 عن السنوات التالية لحرب 1967 قال: "أوعوا حد يأخذ البلد للحالة التي كانت قائمة ايام 1967.. الوجدان اتشكل على عداوة شديدة لإسرائيل واستعداد للقتال للآخر حتى آخر مدى.... مكانش فيه حد في المنطقة وفي مصر يقبل بمبادرة السلام اللي الرئيس السادات طرحها.... مكانش حد كتير مؤمن بفكرة السلام ساعتها.... احنا بنتكلم النهاردة بعد 50 سنة عندما تشكل وجدان جديد ووعي آخر وحالة جديدة في نفوس الناس هي حالة السلام والتشبث به".

وقال: "لقد حاربنا في 1973 من اجل السلام".

الرسالة واحدة ومتكررة وموجهة الى الخارج وليس الى الداخل ومضمونها هو "انني انا عبد الفتاح السيسي، أتبنى ذات رؤيتكم للعالمين العربي والاسلامي وذات مواقفكم الناقدة لهم والمتحفظة عليهم بل ازيد عليكم فأرى ان التطرف والارهاب هو جزء اصيل من تفكيرهم، كما اشارككم رؤيتكم لأولئك القوم من الفلسطينيين الذين لا يزالون يتجرؤون على مقاومة الاحتلال وقتال اسرائيل؛ اسرائيل التي اعتز بالسلام معها وبدفء وعمق العلاقات بيننا وما تتميز به من ثقة وطمأنينة متبادلة، وادعو الى توسيع دائرة السلام معها ودمجها في المنطقة لمواجهة المخاطر المشتركة التي تهددنا جميعا".

من الغريب ان يقول مثل هذا الكلام شخص ينتمي الى دول العالم الثالث التي عانت على امتداد قرون طويلة من حروب الاستعمار الغربي واعتداءاته الاجرامية واسترقاقه الشعوب وكل ويلاته التي اودت بحياة ملايين البشر!

ان اي دارس للتاريخ في المرحلتين الابتدائية والاعدادية يعلم جيدا من هم دعاة الحرب والعدوان الحقيقيين في هذا العالم.

والقرنان الماضيان اللذان اتهم السيسي في كلمته امتنا بأنها رفعت فيهما رايات الحرب، هما عصر الاستعمار الاوروبي لبلادنا الذي لم تفلت منه بلد عربي او اسلامي واحد. بل من اجل الصراع فيما بينها على اراضينا وثرواتنا، فجرت الدول الاستعمارية حربين عالميتين لا يقل عدد ضحاياها عن 70 مليون قتيل، في القلب منها الجريمة الوحشية للامريكان في هيروشيما وناجازاكي.

ناهيك عن جريمتهم الكبرى في اغتصاب جزء عزيز من اوطاننا واعطائها لجماعات من المرتزقة الصهاينة ليؤسسوا عليها ما يسمى بإسرائيل أكبر وأرخص قاعدة عسكرية واستراتيجية للغرب في العالم.

كما تحفظ كل شعوب العالم في وجدانها الوطني وفي سجلاتها التاريخية بقصص وحكايات عن مذابح وجرائم ابادة يندى لها الجبين تعرض لها الآباء والاجداد في ظل الحكم الاستعماري.

أما عن العقود السبعة الماضية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبزوع عصر الاستقلال، فحدث ولا حرج عن الحروب التي شنتها الولايات المتحدة مباشرة او بالوكالة في كل مناطق العالم، وعن كم المؤامرات والانقلابات التي دبرتها لإسقاط النظم المستقلة والوطنية والاتيان بنظم عميلة، وعن الحروب الاهلية والطائفية التي اشعلتها وعن الجماعات الارهابية وميليشيات المرتزقة التي دعمتها بالمال والسلاح لتفجر بلداننا من الداخل، وعما فعلته معنا نحن على وجه التحديد من التدخل عسكريا لصالح اسرائيل في حرب 1973 لتقلب موازين القوى وتسرق منا النصر، بالاضافة الى غزوها الاجرامي للعراق عام 2003 على طريقة القرن التاسع عشر.

ثم يأتي من يقول إننا نحن الذين نهدد العالم المسالم ونرفع في مواجهته رايات الحروب!!

ولكن رغم كل ذلك فإن هناك جانبا قد يكون صحيحا فيما قاله الرجل، وهو الخاص بأن هناك منا من لا يزال يدعو إلى المقاومة والجهاد.

ولكن مثل هذه الدعوة ان وجدت فإنها تحسب لنا ولا تحسب علينا، لأنها تثبت اننا شعوب تأبى الاستسلام للظلم والعدوان.

ولا يمكن أن ندين الشعوب حين تدعو الى المقاومة ورفع السلاح في مواجهة قوى التجبر والاحتلال، بعد أن تخلى النظام الرسمي العربي بدوله وانظمته وحكامه عن مواجهة العدو الصهيوني، وقرروا الاعتراف به والصلح معه والاستسلام له، بعد أن كانوا قد أسلموا قيادهم وقرارهم الى الأمريكان منذ زمن طويل.

وحتى أولئك الذين ينطبق عليهم بالفعل توصيف التطرف والارهاب، وتحولوا الى أدوات لتفجير الصراعات والحروب الاهلية، فهم ليسوا سوى أحد النتائج الكارثية لهذا الاستسلام الرسمي المهين.

فمثل هذا الحال لا يمكن أن ينتج سوى الروابط المذهبية والطائفية كبدائل عن الوطنية المهزومة والخائفة، ولا يمكن أن يفرز سوى جماعات التطرف والعنف والارهاب المجنون بعد الانسحاب من معارك الاستقلال والتحرر الوطني.

وسوم: العدد 784