شباب بلا قدوة أو مرجعية

أسوء شئ بيعاني منه الشباب حاليا في مصر خاصة و بلداننا العربية عامة من وجهة نظري ليس القمع و لا الظلم و لا البطالة فحسب و لكن الأهم كما اعتقد هو غياب القدوة و الرمز ، أبشع شيء ممكن أن يعاني منه الإنسان هو افتقاد البوصلة و المرجعية ، طبعا البعض سيعترض و يقول قدوتنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و الصحابة وهذا حقيقي و لا خلاف على ذلك ، لكن الشباب يحتاج الى ترجمة حيّة للقدوة تعيش أمامهم .

ضف على ذلك ليس غياب القدوات و لكن تحطيمها كذلك ، فالسقوط المدوّي لكثير من الرموز التي كان يعتبرها قدوة و مرجعية له، دفع كثير منهم للإلحاد و كراهية الدين بل اتجه كثير منهم الى الجانب الآخر فأصبح الاقتداء بالممثلين و الممثلات و المغنيين و المغنيات الأحياء منهم و الأموات !!

مستوى أعلى من السوء تجده لدى شباب الحركات الإسلامية ، لأن عملية الاقتداء هنا لم تكن فقط رغبة في البحث عن مثال و نموذج رائع لما يريده ، بل أصبحت هناك أثمان كبيرة مدفوعة سواء اعتقال أو تعذيب أو نفي أو مطاردة أو غيرها مما تعرض له هؤلاء الشباب و بالتالي حجم الشعور بالصدمة و المرار أصعب ألف مرة ممن لم يضحي أو يدفع الثمن كما دفعه هؤلاء .

سقوط القدوة هنا ليس سقوط أخلاقي بالضرورة رغم أنّه حاصل ، و لكن سقوط في الكفاية أو الكفاءة أو الأمانة كذلك .

لذلك من أسوء الأمور التي تزعجني حين أجد عالم أو حكيم أو عاقل يصلح كقدوة للشباب و أجده زاهد في الإعلام بحجة الورع و الزهد و البعد عن حبّ الظهور و الرياء و نحو ذلك ، فيظلّ من يتصدر للناس قاع النخب و أنصاف الرجال و الحمقى و المغفلين و المتاجرين بأحلام الشباب و مشاعرهم فيكونوا هم القدوة لهم ، فينحدر المجتمع أكثر و يضيع الشباب بين تافه و أحمق ، و يظل بين القدوات الحقيقية و الشباب أسوار عالية و حُجب تحت مسمّى الورع الكاذب من البعد عن الرياء و حبّ الظهور .

قال رسول الله صلىّ الله عليه و سلم ( إنّ الذي يخالط الناس و يصبر على أذاهم ، خير من الذي لا يخالط الناس و لا يصبر على أذاهم ) ، و قال أهل الأصول أنّ ما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب ، فاذا كان توجيه الناس و ارشادهم و النصح لهم في زمن التيه و الفتن يقتدي التصدّر و الظهور فهو لمن يملك المقدرة و الكفاءة في حقّه واجب ، بل يأثم شرعا اذا تأخّر و استتر عن الناس و ضرب بينه و بينهم حجاب .

وسوم: العدد 793