هادي يسترضي 10 أطراف في تعيينه للرئيس الجديد للحكومة اليمنية!

من المعلوم أن الرئيس عبد ربه منصور هادي قد ظل نائبا للرئيس الراحل علي عبد الله صالح لمدة 16سنة، ويبدو أنه قد ورث من بعده سياسة (الرقص على رؤوس الثعابين) كما سمّاها صالح نفسه، حيث كان يجيد سياسة إرضاء كل الأطراف بالضحك على ذقون بعض قياداتها أو بذَرّ الرماد في أعينهم؛ حتى لا يروا أعماله الحقيقية في إقصاء أحزابهم من اللعبة السياسية بهدوء ومكر شديدين، والبحث عن كروت جديدة يوظفها في سياسة التوازنات وإدارة البلد بالأزمات والتي أجادها بامتياز؛ وذلك حتى لا يبحث الناس عن حقوقهم الطبيعية والتي لا تتأتّى إلا في ظروف طبيعية!

▪ ومن حسن حَظّ هادي أنه كان نائبا لصالح عندما قامت الثورة ضده في 11 فبراير 2011 وحينما تم الاتفاق على المبادرة الخليجية، فقد أعطته المبادرة واتفاق الأحزاب شرعيةً وضعته في سدة الحكم في بلد صعب المراس، ولكن من سوء حظه أن هذه الفترة قد شهدت بروز التناقضات التي رسمها صالح طيلة عقود من حكمه، وانفجار القنابل الموقوتة التي زرعها لكي تنفجر بمن يأتي بعده كعادة الطغاة في سياسة (أنا وبعدي الطوفان)!

▪ لقد انفجرت في هذه الفترة القنبلة السلالية المتمثلة بالهاشمية الإمامية في وجه الشعب اليمني، وانفجرت القنبلة الطائفية متمثلة بالشيعة الحوثية التي تتصل بنسب إلى الجارودية الهادوية وتنهل من الاثني عشرية الإيرانية في وجه الإجماع الوطني، وانفجرت القنبلة المناطقية متمثلة بالحراك الانفصالي الذي يريد إعادة الشطر الجنوبي إلى ما قبل 22 مايو 1990، بجانب استيقاظ الكثير من العصبيات والحزازات الصغيرة!

▪ كل هذه العصبيات الصغيرة كفّت عن الدوران حول فلَك الوطن، وانطلقت تهرول لا تلوي على شيئ بحثاً عن مواطئ قدم لها في الشرعية التي تتشكل بعد سقوط الدولة، وبحثاً عن نصيب من كعكة السلطة التي تزداد إغراءً كلما زادت الفوضى وكلما ازداد الابتعاد عن الدستور والقانون!

▪ لكل هذه الأمور فإن حركة هادي في إدارة السلطة في اليمن، أصبحت صعبة للغاية، وكأنه يمشي في حقل ألغام لا يعرف خارطته إلا ما تكتنزه ذاكرته وخبراته وما يمتلك من حظوظ، هذا بجانب أن البلاد صارت منزوعة السيادة من قبل من جاؤوا لإنقاذها من الانقلاب وأصبح الرئيس أسيراً لتوجهاتها وتوجيهاتها!!

▪ وبإقالة بن دغر وتعيين د.معين عبدالملك رئيسا للحكومة اليمنية بالأمس القريب، فإن اختباره كان دقيقاً جديدا لإشباع سياسة الإرضاء لأكبر عدد ممكن من الأطراف، فقد حاول هادي أن يرضي عشرة أطراف أو أن الحظ قد حالفه على الأقل في ذلك:

▪ أولها: التحالف العربي الذي ظل يضغط لتغيير بن دغر بعد موقفيه القويين في سقطرة والمهرة، التحالف الذي أصبح يعتقد أن اليمن صارت ملكه بعد الأموال التي صبها في مواقد حربه وحتى ولو لم تُفضِ إلى شيئ ذي بال.

▪ وثانيها: المجلس الانتقالي الجنوبي الذي حمل السلاح ضد بن دغر وحاصره في مقر الرئاسة بالمعاشيق في عدن، وتم منعه من التجول في البلاد والتحرك داخل مؤسسات الدولة؛ لأنه حاول تطبيع الأوضاع وظل يؤكد على قضية الوحدة اليمنية التي قلب لها هؤلاء ظهر المجن، بدعم مزدوج من خصمين لدودين هما إيران الفارسية الشيعية والإمارات العربية السُّنّية!

▪ وثالثها: أصحاب تعز بحكم أن الرئيس الجديد ينتمى إلى صبر في محافظة تعز وهي أكبر المحافظات اليمنية وأكثرها قدرة على صناعة وتوجيه الرأي العام للمثقفين اليمنيين، حيث يُشبع هذا التعيين الحِسّ المناطقي الذي تصاعد عند البعض بقوة في الفترة الأخيرة لأسباب وعوامل ذاتية وموضوعية عديدة ليس هذا مكانها.

▪ ورابعها: الناصريون فقد رفض بن دغر بعض مطالبهم والتي تصاعدت بعد غضب الإمارات على بن دغر، حتى أن الأمين العام للحزب الناصري كان قبل بضعة أشهر قد طتلب بإقالة بن دغر، ثم إن د. معين من أسرة ناصرية عريقة، فقد كان أبوه السفير ناصريا معروفاً ويتردد أن أمه وعمته كذلك ناصريتان، والناصريون في هذه الفترة أصبحوا أصدقاء للإمارات التي تستميت في صناعة ثورات مضادة ضد الربيع العربي حتى من بعض الفصائل الثورية بالأمس، بحجة الاصطفاف ضد الإسلاميين الذين يمثلون خطرا على الجميع، مستغلين حالة الإدقاع والفقر التي تجتاح كثيرا من النخب العربية عموما واليمنية خصوصاً.

▪ وخامسها: شباب ثورة فبراير بحكم أن د. معين محسوب عليهم، حيث انضم إلى مجاميع ثوار فبراير وشارك بفاعلية في صياغة بعض أدبياتهم، وكان أحد ممثليهم في مؤتمر الحوار الوطني، هذا بجانب كونه شاباً ويعطيه ذلك قبولا عاما وسط تيارات الشباب الذي يمثل 70% من المجتمع اليمني، إذ أنه من مواليد 1976 فهو شاب على الأقل إذا قارناه بابن دغر ومن قبله وكلهم فوق الستين من العمر.

▪ وسادسها: الأكاديميون الذين يموتون جوعاً وذلاً وما زالوا يلعقون جراحهم منذ الانقلاب الحوثي العفاشي، ذلك أن تعيين أستاذ مساعد في جامعة ذمار سيرضي غرور بعض أساتذة الجامعات الذين جار عليهم الدهر، فهو أكاديمي مثلهم قبل أن يأخذه العمل السياسي بعيدا عنهم وسيزرع فيهم بعض الرضى، آملين بأن خلاصهم وخلاص البلاد سيكون على يديه!

▪ وسابعها: المستقلون بحكم أن الرئيس السابق بن دغر كان قياديا كبيرا في الحزب الذي حكم البلد منذ أربعة عقود، بينما يتردد أن الرئيس الجديد محسوب على المستقلين، حيث يصر على تقديم نفسه كذلك؛ مؤكدا أنه يقف على مسافة واحدة من الجميع، وستثبت الأيام القادمة هذا الادعاء أو تنفيه، لكن هذا التعيين سيشبع بالتأكيد رغبة المستقلين بإبعاد الحكومة عن المحاصصة الحزبية على الأقل في هذه الفترة العصيبة.

▪ وثامنها: التجمع اليمني للإصلاح وهو أكبر الأحزاب اليمنية والعمو الفقري للشرعية في مواجهتها للانقلاب ومشاريعه التدميرية للوطن حتى ولو كان نصيبه من السلطة لا يتناسب مع أدواره الضخمة، حيث سيقوم هادي بإقناع قيادة الإصلاح بأنه راعاهم في هذا التعيين، بحجة أنه مستقل وهم يُحبون المستقلين، ولاسيما أن من يعرفونه يرددون أنه مهني ورجل عملي ولا يأبه بالعصبيات وسفاسف الأحزاب، وأنه يمتلك قدرات قيادية قد تنجح في إنقاذ البلاد من محنته وفي إخراجه من دوامة الثورة المضادة!

▪ وتاسعها: يأتي قبل كل ما ذُكر وبعده، فقد أرضى هادي بهذا التعيين نفسه وهو مضغة الشرعية في هذه الفترة التأريخية الحرجة؛ ذلك أن د. معين سيكون في الغالب سامعاً مطيعاً ولاسيما أنه ارتقى مرتقى صعباً وما زال سنه صغيرا وعوده أخضر، وسيكون مملوءاً بمشاعر الامتنان لهادي وخاصة إذا ثبت أنه لم يكن مفروضاً من جهة خارجية وأنه من بنات أفكار هادي الذي يُنقل عنه إعجابه الكبير به.

▪ ونرجوا عاشراً أن يتحقق للشعب اليمني شيئ من طموحاته وآماله، بحيث يحقق د. معين ما لم يستطعه الأوائل في ظل هذه المتغيرات الكثيرة والمثيرة، ولا شك أن الشعب على قدر من الرضى، على أمل أن يكون القادم الجديد المهدي المنتظر الذي سيملأ اليمن عدلاً كما ملئت جوراً، ذلك أن الغرقى يتعلقون بأي شيئ ولو كان بحجم قَشّة، على أمل أن يكون فيه الخلاص من واقع تضخمت مساوئه وطال أمدُه!

وسوم: العدد 794