شباط ١٩٨٢ موعد حماة مع أم المجازر - الحلقة الأولى

اعزائي القراء..

في شهر شباط لعام ١٩٨٢ كانت حماة على موعد مع الموت فانتشر رائحته  في كل أزقة المدينة وحاراتها ، بينما جرى نهر العاصي  بطيئاً على غير عادته وفجأة توقفت النواعير عن الدوران.

كان ذلك في الثاني من شهر  شباط ١٩٨٢، فسورية  ومنذ ذلك التاريخ دخلت المجهول، فالتفاصيل المرعبة للمجزرة الكبرى  ستعجز الكلمات عن نقلها وتصويرها، ولكن  سأحاول قدر المستطاع تقريبها للاذهان حتى تبقى عالقة في  ذاكرتنا وذاكرة الاجيال القادمة . ففي ليلة ٢ شباط ١٩٨٢ ترأست سرايا القاتل رفعت الاسد قيادة مهمة الموت في مدينة حماة فقادت  عمليات الاقتحام والقمع حيث  ضجت المدينة بأصوات الرصاص والمدافع والقاذفات بدءاً من الساعة التاسعة ليلاً وحتى اشعار اخر ليعلن فيها موت المدينة  برجالها ونسائها وأطفالها ونهرها ونواعيرها وجوامعها وكنائسها وأسواقها ومدارسها ومستشفاياتها . مدعومة بثلاثين الفاً من افراد الجيش النظامي والمرابط هو الآخر على أطراف المدينة  فلقد كانت اوامر الأخوين المجرمين حافظ و رفعت صريحة لا لبس فيها.

تلك الليلة كانت البداية الفعلية للمجزرة . 

السلطة الحاكمة عمدت إلى إغلاق كل مخارج المدينة، وعزلتها عن العالم الخارجي، ورافق ذلك انقطاع الكهرباء، ومعظم أجهزة الهاتف، فغرقت المدينة منذ ليلة الثلاثاء ٢ شباط في ظلام دامس مستخدمين  كل عمليات الإبادة التي تمت بحق المدينة من إعدام الآلاف الى هدم الأحياء، إلى تدمير الجوامع والكنائس، إلى نبش المقابر.. كل ذلك تم فعلياً بعد أن سيطر  جيش  النظام القاتل على المدينة كلياً، وأصبح كل شبر فيها تحت بطشه وفي قبضته.

بينما مئات ألالوف من السكان داخل البيوت ترتجف فقد يزورها الموت في كل لحظة .

 "جيش الصمود" يدخل من كل أطراف المدينة. . لقد حانت ساعة البطش والتدمير .. وها هي جهنم تبدأ بابتلاع المدينة التاريخية الوطنية 

فقد حشد  المجرم الاكبر للمدينة :

اللواء 47 المدرع.

الفرقة الثالثة التابعة للجيش النظامي.

آلاف من جنود سرايا الدفاع بلباسهم وسلاحهم المميز.

آلاف من جنود الوحدات الخاصة.

مجموعات من سرايا الصراع.

قوات سريعة التحرك تابعة لسرايا الدفاع برئاسة علي ديب.

كل هذه الفرق، وكل هذا العدد الوفير من الجيش.. أعده  النظام القاتل لاقتحام المدينة،.فاخلى النظام لبنان من قواته بالاتفاق مع اسرائيل وأخلى جنوب سوريا من فلول جيشه بضوء اخضر من اسرائيل فمهمة الصمود الفعلية تكمن في ذبح مدينة ابي الغداء  

 لتوجيه  الضربة القاضية لها.

و اجد من المفيد " في هذا المجال ان أورد الحادثة التالية التي جاءت على لسان مسؤول  كبير.. هو عضو في الجبهة التابعة للنظام  .. يقول هذا المسؤول:

"أثناء أحداث حماة، زارني أحد الأصدقاء المقربين من السلطة، وكان قلقاً من الحد اللامعقول الذي وصلنا اليه في قمع المدينة، لما سيترتب على ذلك من نتائج مستقبلية خطيرة. وكان قد اجتمع مع بعض ضباط سرايا الدفاع، وهؤلاء حدثوه عن حضورهم اجتماعات قيادية في مدينة حماة، وقبل عدة أيام من المذبحة، وبالتحديد (في الثامن والعشرين من كانون الثاني) عرض عليهم فيها الضابط المسؤول خرائط ميدانية مسبقة معدة لاقتحام المدينة من كافة جهاتها وشوارعها.

وقد سأل بعض الضباط أثناء الاجتماع: هل هي معركة مع أهالي المدينة أم مع ما بقي من المعارضة؟ فأجاب الضابط المسؤول حرفياً -ويدعى (علي ديب) قائد اللواء المتحرك التابع لسرايا الدفاع والمتواجد داخل المدينة-: لقد أعطانا الفريق حافظ أسد أوامر صريحة بضرب كامل المدينة - الأهالي قبل المقاتلين -وعلينا تنفيذ هذه الأوامر والغاية قتل وتهجير أكبر عدد ممكن من أهلها.

يتابع العضو المذكور: وعند هذا الحد أيقنت أن المطلوب تدمير المدينة.

هذه الواقعة صحيحة.. وقد ورد مثلها في أحاديث كثيرة، بعضها كان يرد على ألسنة الجنود أنفسهم.. لقد سمعناهم يقولون بوضوح وبشكل صريح معلن:

"طلب إلينا الضابط أن نقتل كل الأهالي دون تمييز. كانوا يحددون لنا الشوارع، ويطلبون منا الدخول إلى كل بيت فيها، تاركين لنا حرية التصرف من قتل ونهب واعتداء، وكل ما نفعله لسنا مسؤولين عنه، وكل ما نحصل عليه ملك لنا.. لقد سرق رفاقنا الكثير من الذهب. أما الضباط الكبار، فلم يتركوا شيئاً في المدينة، فنقلوا مسروقاتهم على الشاحنات.. فأخلوها من ثروتها اولاً قبل ان يخلوها من سكانها

وهكذا دون مواربة أو خجل، ودون حاجة لإخفاء العورات، كان هدف النظام واضحاً..

هذا النظام يريد أن تصبح حماة مدينة أخرى، لذلك غيّر معالمها، وهدم شوارعها وأسواقها، ومسح تاريخها، وقضى على المتاحف والبيوت الأثرية فيها، وقوّض جوامعها وكنائسها.و المقابر درسها، فمات الأموات مرتين، حتى النواعير لم تسلم من حقده.

ولو تسنى له لغيّر اسم المدينة. ولبدّل سكانها بأناس  آخرين.

اعزائي  القراء 

موعدنا  القادم مع الحلقة الثانية

من "ام المجازر"

مع تحياتي..

وسوم: العدد 810