وقفة مع تداعيات جريمة مسجدي نيوزيلاندا ومنها الإقبال على معرفة الإسلام والاطلاع على القرآن الكريم

لقد خلقت جريمة مسجدي نيوزيلاندا وضعا غير مسبوق في تلك البلاد ، ذلك أن  تعاطف شعبها وقيادتها مع شهداء المسجدين كان في مستوى الفاجعة حيث عبر الجميع عن شديد صدمتهم وحزنهم بسبب ما وقع . وكان جميل جدا منهم جميع أشكال المواساة التي أبدوها سواء بحضورهم في مصلى المسلمين أو سماعهم الأذان وهو يرفع ساعة الجمعة أو سماعهم  خطبة الجمعة أو متابعتهم أداء الصلاة ، أو سماعهم تلاوة القرآن الكريم ، أو حضورهم دفن جثامين الشهداء ، أو وضعهم الزهور والشموع في محيط وقوع الجريمة ، أو ضرب نسائهم بخمرهن على رؤوسهن ... إلى غير ذلك من أساليب إظهار التعاطف مع الضحايا وذويهم . والأهم من ذلك  كله هو التفاتة شعب ذلك البلد إلى شيء اسمه الإسلام وإلى كتاب اسمه القرآن الذي يعتبر الناطق الرسمي باسم الإسلام .

ولا شك أن الاطلاع على القرآن الكريم سيكون له أثر كبير في النفوس التي لم تفسد  بعد فطرتها التي فطرها الله عز وجل  عليها. ولقد كان سقوط مسلمين ضحايا في مصلاهم ساعة الجمعة نقطة تحول في نظرة الشعب النيوزيلاندي إلى دين الإسلام الذي طالما بذلت الصهيونية والصليبية الحاقدتان ما في وسعهما لتشويه سمعته وصورته في العالم  بأسره ، وقد اغتنمتا أحداث الحادي عشر من شتنبر التي شهد شهود من الولايات المتحدة أنها كانت مؤامرة متعمدة للنيل من الإسلام لتكون ذريعة لغزو العراق وأفغانستان  وغيرهما ، وخلق ما يسمى بالفوضى الخلاقة في الوطن العربي لزعزعة استقراره ، وخلق الظروف المناسبة لترسيخ الاحتلال الصهيوني للأرض العربية عن طريق إعلان القدس عاصمة له ، وقد كان آخر ما صدر عن الإدارة الأمريكية هو اعترافها بأن هضبة الجولان السورية هي أرض إسرائلية ، والبقية ستأتي دون شك .

ومما زاد الصهاينة والصليبيين كيدا للإسلام هو صنع مخابراتهم عصابات إجرامية بثت في بؤء التوتر في منطقة الشرق الأوسط  ، وبعض الدول الغربية والتي ارتكبت جرائم فظيعة باسم الإسلام ، وكان الغرض من وراء صناعتها هو تشويه سمعة هذا الدين ، وخلق ما أصبح يسمى بالإسلاموفوبيا في دول العالم الغربي تحديدا وباقي دول العالم .

وبسبب هذه المؤامرات نشأت لدى الرأي العام العالمي فكرة خاطئة عن طبيعة دين الإسلام ، وعن مضمون القرآن الكريم الذي تروج عنه الصهيونية والصليبية أنه يدعو إلى الإرهاب ، والعنف  والكراهية ،والميز ... وما إلى ذلك من نعوت مشينة .

ومع إشاعة فكرة الإسلاموفوبيا على نطاق واسع  في العالم ،نشطت الحركات الصهيونية والصليبية المتطرفة  بشكل غير مسبوق  والتي صارت تتحكم في مصير الانتخابات في البلاد الغربية ، وقد كانت وراء وصول زعماء متطرفين إلى مراكز صنع القرار كما هو الشأن بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية . وصارت الجاليات المسلمة المقيمة في بلاد الغرب عموما  مهددة من طرف تلك الحركات العنصرية . وجاءت جريمة نيوزيلاندا لتؤكد تنامي الكراهية العنصرية ضد المسلمين .

 ولقد جرت رياح هذه الجريمة بما لا تشتهي سفن الصهيونية والصليبية الحاقدتين على الإسلام ، حيث كان التعاطف مع ضحايا مجزرة نيوزيلاندا سببا في إقبال النيوزيلانديين على  الرغبة في معرفة الإسلام ، ومعرفة القرآن ، تماما كما كانت أحداث الحادي عشر من شتنبر سببا في إقبال الأمريكيين على الرغبة في  معرفتهما .

وأخوف ما تخافه الصهيونية والصليبية هو هذا الإقبال على معرفة الإسلام و الاطلاع على القرآن لأنهما على يقين تام أن القرآن الكريم يتضمن من الحجج  الدامغة والأدلة والبراهين القوية على أنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . وخوف ملة الكفر من إقبال الناس على معرفة القرآن الكريم قديم قد سجله الوحي في قوله تعالى : (( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون )) إن ورود فعل" تغلبون " أو رجاء الكفارالغلبة  في هذه الآية الكريمة يدل على يقينهم الراسخ أن سماع القرآن الكريم يعني هزيمتهم ، لأن الذي يسمعه لا يملك سوى الاقتناع بقوة حججه وأدلته وبراهينه على أنه الحق ، وأن من يعادونه أهل باطل زاهق أمامه.

ولقد سجل القرآن الكريم أن الذين يعادون القرآن الكريم يصرحون برفضهم سماعه كما جاء في قوله تعالى  في سورة فصلت : ((  حم تنزيل من الرحمان الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم  فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا  في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب )) . هذا دأب من يعادون القرآن الكريم في كل زمان ومكان . ويؤكد هذا قول الله تعالى متحدثا عن القرآن الكريم : (( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى )) .

إن  في تصريح أعداء القرآن الكريم بأن قلوبهم في أكنة ، وفي آذانهم وقر حين يعرض عليهم لدليل قاطع على شعورهم بالهزيمة أمام قوة إقناعه ، لهذا يحولون دون سماع غيرهم له مخافة أن يفتضح أمرهم ، وينصرف هذا الغيرعن باطلهم إلى القرآن وإلى الإسلام . ولقد كان الكفار زمن نزول الوحي يلغون حين يتلى عليهم القرآن الكريم  بالمكاء والتصدية ، وإنشاد الأشعار... ومختلف أشكال اللغو ، مخافة أن يصل إلى أسماع الناس ، فيحدث ما يحدثه  في النفوس على قدر ما تكون عليه فطرتها من سلامة ، وبعد عن الانحراف .

وتتنوع في هذا الزمان أشكال اللغو المشوش على القرآن الكريم ، وهي تتراوح ما بين حيلولة أعدائه دون وصوله إلى الناس  خصوصا أصحاب الفطرة السليمة ، وبين  الافتراء عليه ، واتهامه بتهم باطلة ملفقة ، فضلا عن استئجار منافقين محسوبين عليه كذبا للغو فيه بطرق وأساليب شتى منها  نفي السنة وإنكارها عند الذين يسمون أنفسهم قرآنيين والذين لا يعترفون إلا بالقرآن ، في محاولة منهم مكشوفة لعزله عن السنة لتلتبس مضامينه وتغمض ، ويسهل تأويليه حسب أهوائهم ، ومنها الزعم أن بعض نصوصه عفا عنها الزمن ، وتجاوزه العصر في محاولة يائسة لتعطيلها ، ومنها الزعم أن بعض نصوصه فيها حيف وجور وظلم محاولة منهم لتعطيها أيضا ، ومنها التشكيك في تفاسيره ، وفي من فسروه من القدماء ، والزعم أنه في حاجة إلى تفاسير جديدة  تناسب العصر، ومنها طرح بدائل عنه لإقصائه  من حياة الناس في هذا العصر ... إلى غير ذلك من الطرق الخبيثة والماكرة التي تصب في اتجاه  ما يريده به أعدائه  من كيد مكشوف ، وما يخدم  هدف صد الناس عنه .

ومن سوء حظ أعداء القرآن الكريم من صهاينة وصليبيين ، ومرتزقة محسوبين على الإسلام كذبا وادعاء أنه كلما اشتد مكرهم به ازداد الناس رغبة في الاطلاع عليه ، وأحدث في نفوسهم ما يغيظ أولئك الأعداء  أشد الغيظ .

وأخيرا نختم بالقول إن القرآن الكريم هو كتاب الله عز وجل أو هو رسالته الخاتمة للعالمين ، ولا يحق لأي مهما  كان أن يمنع وصولها إلى الناس كافة ، وإن منع وصولها أمر مستحيل وقد أثبت الواقع ذلك ، وإن الهزيمة لاحقة بأعدائه  الذين يبذلون قصارى جهودهم لصرف الناس عنه لا محالة .

وسوم: العدد 818