خيارات الأردن

أصبح واضحاً بما لا يدعُ مجالاً للشك أن الأردن يتعرض لضغوط لم يسبق أن شهد لها مثيلاً منذ استقلاله، ولأن هذه الضغوط تمارسها دول عربية، تنفضح يوماً بعد آخر، فقد مررت القمة العربية في تونس بعض التأكيدات لذر الرماد في العيون، والتمويه بتورط بعض الأنظمة في الحصار المفروض حالياً على الأردن.

الأردن اليوم حاله أشبه بقطاع غزة، كلاهما يتعرض لحصار عربي من أجل كسره وتغيير موقفه، لكن المفارقة هنا هو أن الأردن الذي يتعرض لضغوط من أجل تغيير موقفه من القدس والقبول بصفقة القرن هو ذاته يقيم علاقات مع إسرائيل منذ أكثر من ربع قرن، والعلم الإسرائيلي يُرفرف على أراضيه، وهو ما يعني بالضرورة أن «صفقة القرن» التي يتم الضغط على الأردن للقبول بها هي درجة مبالغ فيها من الانحطاط والتنازل.

الأردن ليس في حالة حرب مع إسرائيل، بل ثمة علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية، وثمة اتفاق سلام واتفاق آخر للغاز وآخر للمناطق الصناعية المؤهلة، التي يُشترط على مصانعها أن تستخدم المواد الأولية الإسرائيلية، ومع ذلك كله فإنه يتعرض لضغوط من دول خليجية، لا تقيم علاقات علنية مع إسرائيل، وإنما تنحصر علاقاتها العلنية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. فماذا تريد هذه الدول من الأردن؟

واقع الحال وتجربة الـ25 عاماً الماضية من السلام الأردني الإسرائيلي، يشيران إلى أن الأردن لديه خطان أحمران لا ثالث لهما، الأول هو القدس التي كانت منذ ما قبل احتلالها تحت الولاية والوصاية الهاشمية وسقطت تحت الاحتلال، بسبب النكسة العربية الشاملة، كما أنها كانت جزءاً من الأردن بموجب مقررات مؤتمر أريحا الذي انتهى إلى توحيد الضفتين عام 1950. أما الخط الأحمر الثاني بالنسبة للأردن فهو «اللاجئون» إذ أن توطينهم على أراضيه يعني تذويب الهوية الوطنية الأردنية وضياعها وتغيير معالم الدولة، فضلاً عن أن اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم المقيمين في الأردن يرفضون فكرة «الوطن البديل» جملة وتفصيلاً بغض النظر عن المكان، إذ لا بديل لديهم عن فلسطين ولو في أجمل بقاع الأرض. وبسبب الحصار الخليجي الأمريكي الاسرائيلي، الذي يتعرض له الأردن نفهم سبب الأزمة الاقتصادية، إذ كانت المساعدات الخليجية تشكل نحو 10% من موازنة الأردن السنوية، لكنها غابت بشكل شبه كامل منذ نحو عامين، إضافة إلى أن قرار تقليص التمويل الأمريكي لمنظمة «أونروا» ساهم في هذه الأزمة، نتيجة أن أغلب أنشطة وكالة الغوث في الأردن وأغلب انفاقها يتم في الأردن، وهذا ما تقلص أيضاً.. والسبب وراء ذلك كله هو دفع الأردن لتغيير موقفه من القدس و»صفقة القرن»، أو تليين موقفه على الأقل.

وأمام هذه المعطيات فإن الأردن يقف أمام مفترق طرق حقيقي، وهنا فإن الخيارات التي يتوجب على غرف صنع القرار في الأردن دراستها يجب أن تتوسع لتشمل ما يلي:

*أولاً: إعادة فتح مكاتب حركة حماس في الأردن، وتغيير الموقف من الحركة بشكل استراتيجي، وذلك على قاعدة تلاقي المصالح وليس الأيديولوجيا، إذ ليس مهماً إن كانت حماس تندرج ضمن مدرسة «الإخوان المسلمين» أم لا، وإنما المهم أنها أقوى المعارضين لفكرة «الوطن البديل»، ويمكن أن تلعب دوراً مهماً في مقاومة أي عملية توطين قد تطمح لها إسرائيل والولايات المتحدة. وعلينا أن نتذكر أن حماس كانت حليفاً للنظام في سوريا عندما كانت عقوبة الانتماء للاخوان المسلمين هي الإعدام، ما يعني أن التعامل مع حركة حماس بمعزل عن الحاضنة الأم (الإخوان) يمكن أن يكون خياراً.

*ثانياً: ثمة ثلاث عواصم مهمة في منطقة الشرق الأوسط يتوجب على الأردن أن يبحث إعادة هيكلة العلاقة معها، وهي: الدوحة وأنقرة وطهران. وهذه العواصم الثلاث يمكن أن تكون مفاتيح الحل للأزمة الاقتصادية، ويمكن أن تقدم الدعم السياسي والدبلوماسي اللازم للموقف الأردني، خاصة في قضية القدس.

*ثالثاً: يتوجب تعزيز التحالف بين الأردن والسلطة الفلسطينية، إذ أن «صفقة القرن» تقوم على القفز على هذين الطرفين فقط، وتشكل تهديداً مباشراً لهما، وهو ما يوجب التحرك المشترك لمجابهة هذا المشروع الأمريكي المدمر الذي تتجلى ملامحه بشكل أوضح يوماً بعد آخر، وبدأ بنقل السفارة إلى القدس لكنه انتقل إلى الاعتراف بالتهام أراضي الجولان العربية والاعتراف بشرعية احتلالها، ما يعني أن ترامب ليس لديه أي مانع في انتهاك القانون الدولي أيضاً.

يواجه الأردن اليوم المرحلة الأصعب، وأزمته الاقتصادية ناتجة عن الحصار الذي يتعرض له وليس بسبب الفساد – كما يتخيل البعض- ويُراد لهذا الحصار وهذه الأزمة أن ينتهيا بتغيير الموقف من القدس واللاجئين.. هذه هي الحكاية

وسوم: العدد 818