متلازمة ستوكهولم و سُنّة العرب

" متلازمة ستوكهولم هي ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يُظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف.

أُطلق على هذه الحالة اسم "متلازمة ستوكهولم" نسبة إلى حادثة حدثت في ستوكهولم في السويد حيث سطا مجموعة من اللصوص على بنك كريديتبانكين Kreditbanken هناك في عام 1973، واتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، وقاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم "

استهللتُ بهذه التوطئة لأسأل السؤال التالي:

س_ هل حقّاً كان ظهور التنظيمات و الحركات الجهادية، سبباً في تأخير نصر الثورة في سورية و غيرها من دول الربيع العربي؟

و سبب سؤالي هو رؤيتي و قراءتي و سماعي لكثير من أنصار الثورة، يقولون بأن الجهاديين كانوا وبالاً على الثورة السورية و ثورات الربيع العربي بالعموم.

و هذا ما دفعهم لقتالها و مُساندة النظام و التحالف الغربي في قتال الجهاديين، ليُطبقوا النظرية التي استهللت فيها مقالي، و ليتعاطفوا بقصد أو دون قصد مع عدوهم الأساسي، و هو النظام الذي قتلهم و هجّرهم، و استقدم كل شُذاذ الآفاق ليستعين بهم لوأد الثورة!

و أيضاً ليتمادى المصابون بمتلازمة استوكهولم و يصبحوا أُجراء و مُرتزقة للتحالف الغربي، الذي ساهم و ما زال يُساهم في صناعة و بقاء النظام و إعادة تأهيله!

استمرت الثورة السورية لعامين تقريباً قبل ظهور أي حركة جهادية، و لم يُساندها الغرب!

و في تونس ساهم النظام الدولي بإعادة تأهيل النظام و لم يُسقطه، بل استبدل ( الطرابيش ) فقط، على الرغم من عدم ظهور الحركات الجهادية فيها.

في ليبيا أسقط التحالف الغربي ( القذافي ) بالقوة و استقدم ( حفتر ) من المؤسسة العسكرية بديلاً عنه، و هو الآن يحارب ثوار ليبيا، و سيساندوه حتى يُسقط الثوار، و يسيطر على كل ليبيا!

في مصر ساهم النظام الدولي بعزل ( مبارك ) و دعم الإنقلاب العسكري على ( مرسي ) الذي وصل لسُدّة الحكم عبر صناديق الإنتخابات على الطريقة الغربية!

و استنسخ الغرب ( السيسي ) على الطريقة ( الناصرية ) فانطبق على مصر المثل العامي الذي يقول ( و كأنك يا أبو زيد ما غزيت )!

و في العراق لم يأبه النظام العالمي بجرائم فرق الموت الإيرانية الطائفية، و سكت عنها متواطئاً، و لما انتفض العرب السنة بشكل سلمي على جرائم فرق الموت الطائفية الشيعية، قوبلوا بقسوة أكثر من قبل الحكومة الطائفية في بغداد، و قُتِّلوا و ثُقّبت رؤوسهم بالمثاقب الآلية، و أُطلقت عليهم النيران في مساجدهم، و أُعدِم كل ( عُمر ) و ( أبي بكر ) و ( عثمان ) مرّ من حواجزهم!

و شُرِّدوا و امتلأت المعتقلات السرية للحكومة الطائفية بالسنة العرب، و بقي النظام الدولي و الغرب صامتاً، حتى خرج المارد الجهادي من القمقم منتصراً لأهل السنة، فتحرك الغرب و ساند قاتلهم و مُشردهم بحجة الجهاديين!

و تحركت القُطعان الطائفية بالعراق لإبادة ( العرب السنة ) تحت حماية طائرات التحالف الغربي!

و قام الغرب و حلفاؤه في الخليج بتجنيد بعض ( العرب السنة )، تحت قيادة " فرق الموت " الطائفية التي اكتووا بنارها منذ سقوط بغداد و حتى الآن، كصحوات لإبادة العرب السنة الذي انضووا تحت راية الجهاد!

و في سورية حدث ما كان بالعراق منذ عام 2003، و كانت الصورة في بلاد الشام امتداداً لما بدأه الطائفيون في العراق، و استمرت الثورة السورية لشهور دون استخدام أي سلاح، بل بدأت بالهتافات و استمرت بالورود، فقوبلت بالقتل و القصف و التهجير فأُجبر الثوار على حمل السلاح، و الدفاع عن أنفسهم و أعراضهم، و لم يكن أي فصيل جهادي في الساحة الشامية، و لم تتدخل طائرات التحالف و لا بوارجها لوقف انتهاكات النظام بحق المدنيين الأبرياء، و ظهرت الشعارات الطائفية من قبل ميليشيات النظام في كل مجزرة ارتكبتها، ابتداء من غوطة دمشق مروراً بحمص و إدلب و حلب و ديرالزور، فاستيقظ المارد الجهادي في سورية، لدفع صائل الوحوش التي استقدمها النظام، و صمت عنها الغرب، و وجد الجهاديون بيئة حاضنة في بعض المناطق، و هذا أمر طبيعي!

و في هذه النقطة يتساءل الصحفي السوري ( الدرزي ) " ماهر شرف الدين " مُدافعاً عن العرب السنة في إحدى حلقات الإتجاه المعاكس قائلاً:

( كيف تطلبون من العرب السنة ألا يتجهوا للتطرف، و هم يتعرضون لحرب إبادة مت قبل كل الأقليات في سورية، و العالم صامت لا يتدخل لنجدتهم؟

فبعد كل هذه الإبادة، لا بُدّ أن تخرج كل كوامن النفس التي لا تحبذونها )

و بعد هذا كله يأتي الغرب ليستنفر كل قواه و يتدخل في سورية لقتال الجهاديين ( العرب السنة )، و يقصف المدنيين في المناطق التي سيطر عليها الجهاديون!

ثم يُجنّد الغرب ( العرب السنة ) تحت راية ( الكرد ) الحالمين و الحاملين لأفكار قومية انفصالية لقتال الجهاديين!!

ألم يسأل الثوار و العرب السنة أنفسهم، لماذا لم يتدخل الغرب منذ البدء، و لماذا لم يقم بتنظيم فصائل العرب السنة تحت قيادة ثورية واحدة؟

بل عمل على تفريقهم و تشتيتهم كي لا يتوحدوا تحت راية واحدة!

و لماذا لم تحم طائرات التحالف فصيلاً ثورياً واحداً يقاتل النظام؟

و لماذا لم يساند الغرب العرب السنة في مشروعهم الذي لم يستثن ( الكرد ) و باقي الأقليات على اختلاف طوائفهم و منابتهم الفكرية؟

و بعد كل هذا يتحدث الكثير من العرب السنة عن مؤامرة الجهاد و الجهاديين لإحباط الثورة، و تأليب الغرب و العالم عليهم و على ثورتهم، و يُبْدُون استعدادهم للعمل تحت الراية الغربية و بقيادة إنفصالية قومية، لمحاربة الجهاديين في شمال و شرق سورية!

( يتعاونون مع من ساند قاتلهم، ليقاتلوا من هبّ لنصرتهم!)

لم يُدرك الكثير من العرب السّنة، أنهم مستهدفون بالإبادة، سواء ظهر الجهاديون أم لم يظهروا، و مُستهدفون في دينهم و عقيدتهم سواء لبسوا ثوب الوسطية أم تنورة العلمانية!

و لو لم يظهر الجهاديون في ثورات الربيع العربي، لأوجد الغرب و تحالفه أسباباً أخرى للصمت عن إبادة ( السنة العرب ) و لحماية قاتلهم و للتدخل لدعمه!

و يبدو أن بين العرب السنة و أعدائهم الأساسيين، الذين يُجندون كل مجرمي و مرتزقة العالم لقتلهم، قصة عشق لا تنته!

إنها متلازمة ستوكهولم يا سادة!

وسوم: العدد 819