مباشر من الجزائر: على الدولة رفع جميع القيود التي تحدّ من حرية التعبير

منذ 22 فبراير، خرج الملايين من الشعب الجزائري إلى الشوارع في احتجاجات سلمية ضدّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والسبب محاولة الأخير البقاء في السلطة. نتيجة لتلك الضغوطات جراء تلك الاحتجاجات ، أعلن الرجل البالغ من العمر 82 عامًا - والذي بقي في السلطة لمدة 20 عامًا - يوم الإثنين 1 أبريل؛ أنه سيستقيل قبل نهاية ولايته، في 28 أبريل.

وفي هذه الأثناء، تستمر الاحتجاجات - وهي أكبر فرصة لممارسة حرية التعبير في الجزائر منذ عقود. وخلال مهمتي الأخيرة التي استغرقت أسبوعين إلى الجزائر، كان من اللافت للنظر الإحساس القوي بالتفاؤل لدى الشعب الجزائري؛ والاعتقاد بأن التغيير أمر لا مفر منه.

https://youtu.be/dOUvdNHBqiw

ويعتقد الجزائريون بأنه لا يوجد شيء يمكن أن يمنعهم من التعبير عن معارضتهم لما يسمونه "عصابة اللصوص". حتى السلطات يبدو أنها خفّفت قمعها للمعارضة، من خلال السماح بالتظاهرات في الجزائر العاصمة، وأماكن أخرى في البلاد على الرغم من الحظر الفعلي للاحتجاجات في العاصمة منذ عام 2001، وحظر جميع الاحتجاجات غير المصرّح بها.

وهذه تطوّرات إيجابية، إلا أنه يتوجب فعل الكثير لضمان التغيير الإيجابي في قضية حقوق الإنسان في الجزائر.

ويتطلب من  الدولة الجزائرية رفع جميع القيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع السلمي وإنهاء الاعتقالات التعسفية لمن يدعون إلى التغيير. فضلا عن  وقف الملاحقات القضائية ذات الدوافع السياسية، كقضية الناشط المسجون الحاج غرمول الذي تطالب منظمة العفو الدولية بالإفراج عنه. ويعني ذلك أيضًا معالجة الظلم المرتبط بنظام "الهُغرة"، وهو تعبير جزائري يُستخدم عادة لوصف القمع التي تنتهجه الدولة اتجاه مواطنيها.

clip_image002_bc2ee.jpg

الأطفال المشاركون في احتجاج 15 مارس 2019 في الجزائر يحملون لافتات تقول: "الأكاذيب لا تموت مع تقدم العمر"، و "لا ينبغي لأحد أن يكذب!"

الاستخدام المفرط للقوة:

فعلى الرغم من أن الاحتجاجات تمّت في جو إيجابي للغاية، فقد كانت هناك تقارير مقلقة للغاية عن استخدام الشرطة للقوة المفرطة، وإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المتظاهرين السلميين، فضلا عن استخدام خراطيم المياه والأسلحة الكهربائية للسيطرة على الحشود. بينما كان معظم المحتجين يتظاهرون بسلام، في حين ألقى البعض منهم الحجارة على الشرطة بعد أن بدأت الأخيرة بإطلاق الغاز المسيل للدموع.

وخلال زيارتي، التقيت بفتى يبلغ من العمر 14 عامًا أصيب في 22 مارس برصاصة مطاطية أطلقها ضباط الشرطة. ولقد وجدته مستلقيا  على درج مبنى في الجزائر العاصمة جراء إصابته. ثم قال: إنه من حي باب الواد وكان يحتج بسلام كل يوم جمعة. وقال الفتى الصغير: إن إصابته لن تمنعه من العودة للاحتجاج السلمي على تغيير النظام.

https://youtu.be/aQ1RAqg9VR8

اعتقال العشرات

حالة من  القلق تسود منظمة العفو الدولية جراء الاعتقالات الكبيرة، حيث تم احتجاز 311 شخصًا على الأقل منذ بدء المظاهرات. وقد أُطلق سراح بعضهم بعد ساعات قليلة، من بينهم عشرة صحفيين قُبض عليهم في 28 فبراير / شباط في أثناء مشاركتهم في احتجاج يدعون فيه إلى حرية الصحافة. في حين يحاكم ما لا يقل عن 20 متظاهراً حاليًا بتهم "التجمعات غير المسلحة" التي تُستخدم لتجريم الاحتجاجات السلمية، بينما تتم محاكمة آخرين بسبب أعمال العنف والسرقة.

لقد تحدثت إلى فرد من عائلة أحد الأشخاص الذين تمّت مقاضاتهم بعد احتجاجات 15 مارس. فأخبرني أنه تم اعتقال شقيقه ومثُل أمام قاضٍ في 17 مارس، بتهمة "التجمع غير المسلح" بموجب المادة 97 من قانون العقوبات الجزائري. ثم أطلق سراح الرجل ولكن يجب عليه المثول أمام القاضي في 23 مايو؛ وهناك ما لا يقلّ عن 19 آخرين سيخضعون للموقف ذاته.

أسبوعيا، يتم إلقاء القبض على العشرات من الأشخاص وذلك وفقا لتقارير الشرطة، بعضهم بسبب "تجمع غير مسلح". يقول لي عبد الغني بادي، المحامي: بأن  الوقت قد حان لأن تتوقف السلطات الجزائرية عن التجاوزات القانونية  - في إشارة إلى الملاحقات القضائية لـ "التجمعات غير المسلحة"، بالرغم من أن  الدستور ينص على الحق في حرية التعبير و التجمع السلمي.

وتم الاعتقال  بعض المحتجين تعسفًيا لبضع ساعات قبل إطلاق سراحهم، على بعد بضع كيلومترات خارج الجزائر العاصمة. يقول الناس: إنه من المفترض أن يكون هذا بمثابة تحذير للمحتجين - الذين يحتاجون إلى "التفكير و أخذ الحيطة و الحذر  في تصرفاتهم".

وفي 24 فبراير / شباط، قُبض على فارس بتوحش واحتُجز بالقرب من الجزائر العاصمة لأكثر من 12 ساعة. و يعتقد أنه كان مستهدفًا لكونه ناشطًا في حزب جيل جديد (جيل جديد) السياسي، وهو عضو في جماعة مواطنا (المواطنة) التي دعت إلى الاحتجاج الأول في 24 فبراير.

وهذا هجوم غير مبرر، إنه انتهاك لـ حقوقي المشروعة. كما أخبرني فارس، حتى ضباط الشرطة لم يتمكنوا من معرفة سبب احتجازي. "بينما كانوا ينتظرون فقط مكالمة لإطلاق سراحي من مخفر شرطة تسلا المرجة (مدينة في ولاية الجزائر)، على بعد أكثر من 25 كيلومتراً من مكان توقيفي في الساعة 11.20 مساءً

clip_image003_a3751.png

يشارك الجزائريون من شتى أنحاء البلاد في احتجاج يوم 22 مارس 2019 ضد محاولة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة البقاء في السلطة.

الخوف من الانتقام في المستقبل

شاركني العديد من الأشخاص الذين تحدثت إليهم خوفهم من الانتقام منهم مستقبلا، خاصة الصحفيين والقضاة والمحامين  و الذين أعربوا عن دعمهم للاحتجاجات، أو طالبوا بحرية الصحافة واستقلال القضاء. فخلال زيارتي، قمت بتوثيق حالات أربعة أفراد - صحفي واحد وقاضيان ومحام واحد - واجهوا تهديدات أو إجراءات تأديبية لأنهم أعربوا عن دعمهم للاحتجاجات أو رفضوا إدانة المحتجين بناءً على أدلة غير كافية.

وكذلك الصحفيون الأجانب أيضا مقيدوالنشاط. ففي 31 مارس، تم ترحيل الصحفي طارق عمارة، صحفي في رويترز، إثر اعتقاله أثناء تغطيته لمظاهرة ضد الرئيس بوتفليقة.

وقالت لي حسينة أوسيدك، مديرة منظمة العفو الدولية لدى الجزائر: "أمام الجزائر فرصة فريدة للدخول في حقبة جديدة من حقوق الإنسان. يجب أن تضمن السلطات حماية الحريات الأساسية وأن بإمكان كل جزائري الوصول إلى العدالة. فهذه من أولويات و بديهيات حقوق الشعب.

نأمل من  السلطات الجزائرية بأن تستجيب لـ ملايين الأصوات التي تنادي بالتغيير.

وسوم: العدد 819