أيّ الأسباب هو الأكثر تأثيراً ، في حصول المأساة ؟

نظرية تنازع الأسباب :

قد تحصل مصيبة ما ، نتيجة لأسباب عدّة ، مترابطة .. دون أن يُعرف أيّ سبب منها ، هو الأشدّ تأثيراً ، في حصولها !

وقد اختلف فقهاء القانون ، حول السبب الأشدّ تأثيراً ، في حصول هذه المأساة ، أو المصيبة!

فذهب بعضهم : إلى أن السبب الأوّل ، هو الأشدّ تأثيراً ، وصاحبُه يتحمّل العبء الأكبر، من المسؤولية عنها!

وذهب بعضهم : إلى أن السبب الأخير، هو الأشدّ تأثيراً فيها!

وذهب غير هؤلاء وهؤلاء ، إلى أن السبب المباشر، هو الأشدّ تأثيراً!

وذهب آخرون : إلى أن السبب الأقوى ، هو الأكثر تأثيراً!

ورآى أخرون : أن الأسباب ، مجتمعة ، هي المسؤولة ، عن وقوع الكارثة ، أو المصيبة ، أو المأساة !

لقد حدثت مصيبة ، في الصدر الإسلامي الأوّل ، اشتركت فيها أسباب عدّة ، وحمل كلّ سبب مايستحقه ، من المسؤولية ؛ إذ وقع رجل في بئر، ووقع فوقه مجموعة رجال ؛ ممّا تسبّب في وفاته .. فحمل كلّ منهم نصيباً معيّناً ، من المسؤولية ، ودفع من الدية ، بما يناسب مسؤوليته !

نموذج حديث :

وفي العصر الحديث : افترض بعض الفقهاء ، حدَثاً معيّناً ، مترابط الأسباب ، نتجت عنه ، وفاة طفل ، وذلك ؛ على الشكل التالي :

وَضعت أمّ طفلها الرضيع ، في ظلّ جدار ضعيف ، وذهبت لبعض شأنها ! وفي غيابها ، أقبل جرّار ضخم ، هزّ الجدار، فسقط على الطفل ، فسبّب له إصابة شديدة ! وحضرت الأمّ ، واستدعت بعض المنقذين ، فجاءت سيارة إسعاف ، نقلت الطفل إلى المشفى .. وفي الطريق حصل ازدحام شديد ، بسبب صدام ، بين سيارتين ؛ ممّا أعاق وصول الطفل ، إلى المشفى ، لكنه ظلّ حيّاً ! وحين وصوله إلى المشفى ، كان طفل في الرابعة من عمره ، تركته أمّه ، يلهو بعود ثقاب، قد سبّب حريقاً في المشفى ، فأعاق معالجة الطفل ، فتوفّي ، نتيجة التأخّر، في إسعافه !

فأيّ هذه الأسباب ، كان له التأثير الأقوى ، في وفاة الطفل الرضيع ، ومن يتحمّل القسط الأكبر من المسؤولية ، عن وفاته ؟

أمّه : التي تركته في ظلّ الجدار؟

أم سائق الجرّار: الذي هزّ الجدار، فأسقطه على الطفل ؟

أم سائق السيارة : الذي صدم سيارة ، في الشارع ، فسبّب ازدحاماً ، أعاق وصول الطفل ، إلى المشفى ؟

أم أمّ الغلام ، ابن الرابعة : التي تركته ، يلهو بعود الثقاب ، الذي سبّب حريقاً ، أعاق معالجة الطفل الرضيع ؟

أم هذه الأسباب ، مجتمعة ، تتكاتف ، في حمل المسؤولية ؟

وهنا تطرح أسئلة مختلفة ، حول مايجري في عالمنا العربي ، من مآسٍ وويلات .. وحول من يتحمّل العبء الأكبر، من المسؤولية ، عمّا يجري :

أهي الدول الخارجية ، المتدخّلة في بلادنا؟

أم هم الحكّام العملاء ، المرتبطون بالدول الخارجية ؟

أم هي الشعوب ، الخانعة للحكّام العملاء ، ولسادتهم ، في الدول الأجنبية؟

أم هي النخب الواعية ، التي تقود شعوبها ، في معارضة الحكّام ، أو في مسايرتهم ، ومنهم المفكرون والعلماء؟

أم هم الأجداد ، الذين ورّثوا أمّتنا ، ضعفَها الحالي ، بسائر مكوّناته ؟

وسوم: العدد 825