إلام سينتهي شد الحبل بين أميركا وإيران ؟!

أينما تتدخل أميركا تتفجر المشكلات والأزمات . حدث هذا على نطاق واسع حين تدخلت عسكريا في الأزمة الكورية في مطلع خمسينات القرن الماضي بغطاء من الأمم المتحدة ، ومعروف ما انتهى إليه تدخلها هناك . وحدث في ستينات القرن الماضي حين تدخلت في فيتنام مبتدئة بمستشارين لحكومة الجنوب في صراعها مع الشيوعيين في الشمال ، وانتهي تدخلها بهزيمتها في 1975 . ومن سوء حظ منطقة الشرق الأوسط ، أو الإقليم العربي الإسلامي ، أنه ابتلي بالتدخل الأميركي لطمع أميركا في نفطه ولحماية إسرائيل وللتصدي للنفوذ السوفيتي سابقا فيه . وواصل هذا التدخل تصاعده واتساعه مستفيدا من كل التطورات التي حدثت في الإقليم ، وصانعا لبعضها . وساعد على تصاعده واتساعه أنه لم يلق مقاومة كبيرة مثلما لقي في كوريا  وفيتنام ، ولارتباطه القوي بإسرائيل ، ولاتفاقات الحماية مع الدول الخليجية مقابل التسهيلات في مجال النفط ، والاستثمارات المالية في أميركا ، وشراء الأسلحة منها ، ولقوة علاقة أميركا بتركيا ، وإيران زمن الشاه محمد رضا بهلوي الذي وثق علاقته معها بخلاف والده الذي رفض التعاون معها ومع بقية دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ، فأبعدته هذه الدول عن الحكم ، وولت ابنه محمد مكانه . ومثلما هو معلوم ، كان قيام الثورة الإيرانية في 1979 تحديا رافضا لكل هيمنة أميركا في إيران وفي مجمل الإقليم . ومن يومها والعداء يتصاعد بين الطرفين إلى أن وصل إلى ما هو عليه اليوم ، أي إلى درجة عالية من التوتر والخطر ، واحتمال الانزلاق إلى نوع ما من أنواع الحرب . واقترب التوتر بين الطرفين من الانفجار يوم الخميس حين أسقطت إيران طائرة استطلاع أميركية من نوع " جلوبال هوك " بعد دخولها مجالها الجوي الذي تنفي أميركا حدوثه . ويوم الجمعة كتب ترامب في تغريدة له أنه تراجع في آخر عشر دقائق عن ضرب ثلاثة مواقع إيرانية للرادار والصواريخ حين أعلمه قائد عسكري أميركي أن الضرب قد يقتل 150 إيرانيا ، أي أنه يريد القول إنه تراجع لسبب إنساني لا تجنبا لما سيؤدي إليه الضرب من حرب بين الطرفين . وما كل مرة تسلم الجرة ، فإلام سينتهي شد الحبل بين الدولتين ؟! الانزلاق المفاجىء إلى حرب ما قد يحدث في أي لحظة حتى دون نية أي من طرفيها . ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه ، وأميركا تحوم حول حمى إيران  ، فتتحرش بأجوائها ، وتحظر بيع نفطها ، وتهددها بفرض عقوبات مالية جديدة عليها . أميركا المتهورة المتوحشة لا تريد أن توجه سفينة الأحداث إلى شط الأمان ، والعالم يراقب ما يجري ، والقادة فيه ، سياسيين وعسكريين ، يخمنون ويتوجسون ، وأهل الرأي على تباين ألوانهم يحللون ويستنتجون ويتوقعون ، ومنهم من يحذر من خطر الانزلاق إلى حرب ستتجاوز نارها وويلاتها طرفيها . وأميركا تمضي في غيها وباطلها ، وتشجعها إسرائيل والنظام السعودي والنظام الإماراتي على هذا المضي المخيف العاقبة . إسرائيل قد لا تتأذى كثيرا في حال انفجار الحرب ، وسيكون النظام السعودي وقرينه النظام الإماراتي خاسرين كبيرين في تكلفتها المالية خاصة ، وربما تضرب إيران الآبار النفطية ومحطات التحلية البلدين  . زمن حرب الخمس النجوم انتهى بالنسبة للدول الخليجية حيث يحارب الآخرون عنها ، وتكتفي هي بدفع المال مع سلامة مرافقها ومواطنيها . لو وقعت حرب هذه المرة " سيرقصون ويدفعون للزمار " ، وبعبارة أوضح : سيكونون شركاء في الجهد والغرم . ويبدو أن الأكاديمي الإماراتي عبد الله عبد الخالق ( يقال إنه إيراني الأصل ) الذي استغرب تردد ترامب في ضرب إيران لا يستوعب هذه الحقيقة . أميركا ، حتى في دولتها العميقة ، متهورة مغترة ، ورئيسها ترامب أحمق طائش ، وإيران عريقة معتزة بذاتها ، ومقتنعة أن حراكها في إقليمها طبيعي ، وهو طبيعي فعلا ، وأن أميركا وأتباعها المخاضيع من الخليجيين يسيئون إليها ، ويريدون تطويعها لإراداتهم وأهوائهم ، وهي ترفض ذلك بقوة وحسم ، وفي هذا الجو لا أحد يعلم إلام سينتهي شد الحبل بينها وبين أميركا ، ومن المنظور التاريخي لتدخلات أميركا نستنتج أنها لا تكف شرورها وحماقاتها إلا إذا انهزمت أو انردعت .

وسوم: العدد 830