هل ستكلف الإدارة الأمريكية مسعر حرب جديد بعد إقالة مسعرها جون بولتون ؟

أعلنت الإدارة الأمريكية على لسان رئسها عقب إقالة مسعر الحرب في الخليج العربي وفي افغانستان مستشار أمنها القومي جون بولتون ودون خجل أو تردد أنه كان وراء ما حل بالمسلمين والعرب في العراق وأفغانستان من كوارث بسبب الغزو الأمريكي لهما . وتساءل البعض هل إقالة  هذا المسعر يعني أن الإدارة الأمريكية قد تخلت عن سياسة خوض الحروب الظالمة ضد شعوب إسلامية وعربية تعاني قهر الاستبداد السياسي من طرف أنظمة متسلطة عليها ومدعومة من طرف تلك الإدارة أم أنها ستستبدل مسعرا بآخر يكون أشد تسعيرا لحروبها المدمرة للعمران والإنسان في أرض العروبة والإسلام ؟

يبدو أن المرجح في ظل الظروف السياسية العالمية الراهنة أن الإدارة الأمريكية ربما لم تعد راضية على تسعير المسعر بولتون ، وتريد  تكليف من هو أشد تسعيرا للحروب منه خصوصا وطبول الحرب تقرع بقوة وبشكل غير مسبوق  في منطقة الخليج ، وسلاح الإدارة الأمريكية وحلفائها الغربيين  هو الذي يقدح شرارة الحرب في اليمن يتولى إدارتها الوكلاء الخليجيون نيابة عن الإدارة الأمريكية ذات الأطماع الاقتصادية التي لا حدود لها في منطقة الثروات البترولية الهائلة .

قد لا تعود الإدارة الأمريكية إلى سياسة إرسال جنودها إلى البؤر التي تشعل فيها الحروب ما دام وكلاؤها كثر يتولون خوضها نيابة عنها ، وقد تدربوا على  ذلك في الحرب إلى جانبها على العراق، والمؤشر على ذلك هو توجهها نحو ترحيل قواتها من أفغانستان أو خفضها بتعبير أدق مع بدء الحوار مع حركة طالبان ، ومع شيوع أخبار عن قرب بدء حوار مع الحوثيين أيضا .

ولماذا ستحرك الإدارة الأمريكية قواتها وإن كان تمويل تحركها يدفع من عائدات البترول العربي وقد وجد وكلاء يسدون مسدها في إضرام نيران الحروب المدمرة للكيان العربي والإسلامي ؟

ولقد كان من المفروض لو كانت الإدارة الأمريكية تحكمها قيم أخلاقية أن تتبع إقالة مسعر الحرب بولتون باعتقاله ومحاكمته على جرائم حرب ذهب ضحيتها ملايين المسلمين والعرب ولا زال حجم الخسارة في الأرواح مستمرا إلى الآن بسبب هذا المجرم الذي فاق إجرامه كل الحدود، ولكن مع الأسف  لا ينتظر من إدارة لا خلاق لها أن يكون لها هذا التوجه خصوصا وأنه على رأسها أكثر الرؤساء تلويحا بالحروب ، وأكثرهم تهورا في اتخاذ القرارات الطائشة  بشهادة الواقع وبشهادة شهود من أهله من قبيل إعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني المحتل ، وتأييد ضمها لهضبة الجولان السورية المحتلة ، وكذا تأييد آخر ما وعد  رئيس وزراء  الكيان المحتل بضمه من أراضي الضفة وغيرها إذا ما تم انتخابه من جديد  .

ولقد تداولت وسائل التواصل الاجتماعي  خلال هذه السنة فيديو مصور في الولايات المتحدة لامرأة أمريكية تلاحق جون بولتون وهي تصرخ في وجهه بأعلى صوتها : "أوقفوا مجرم الحرب "، وحراسه الشخصيون يصدونها . ولقد كان ذلك قبل شهور من إقالته ، ولا شك أن صوت تلك المرأة يمثل شريحة من الشعب الأمريكي الذي يعارض سياسة إدارته بخصوص إشعال الحروب الظالمة في بلاد العرب والمسلمين ،علما بأن شرائح أخرى تقر سياسة الغزو وابتزاز الأموال الخليجية لتصنع رفاهيتها على حساب بؤساء يموتون ظلما وعدوانا  لتوفر لها إدارتها الباغية الرخاء الجائر والذي ثمنه دماء ملايين الضحايا ودموعهم وآلامهم ومعاناتهم .

ولا نشك أن الإدارة الأمريكية ستستبدل مسعر الحرب بولتون بمن هو أشرس منه لأن جشعها الاقتصادي لا حدود له ، وستظل الأرض العربية والإسلامية ساحة حروبها الظالمة طالما ضخت البترول والغاز وأخرجت أثقالها من ذهب إبريز ، ولن تنعم هذه الأرض بالأمن ما دامت فيها قطرة بترول ، ولن تستعيد استقرارها ما دام وكلاء الحرب نيابة عن الإدارة الأمريكية يبذرون عائداتها في حروب مدمرة ستعيد جزيرة العرب إلى ما كانت عليه في العصر الجاهلي من صراعات داحسية وغبرائية وبسوسية وكلابية .... ولن تستعيد الأمة العربية عافيتها إلا بالعودة إلى ما صلح  به أمر أولها  وهو عودة إلى إسلام يجمع شملها ويوحد صفها ، ويقوي شوكتها ويصلح ذات بينها ، ويولي أمرها خيارها ويلقي بشرارها إلى قمامة التاريخ .

وأخيرا نؤكد أن الأمة العربية والإسلامية  لن تنتظر من الإدارة الأمريكية  مسعرة الحروب في أرضها سوى الويل والثبور وعواقب الأمور، تقيل مسعر حرب لتنصب مكانه من هو أشرس منه .  

وسوم: العدد 842