الإخوة الكرام.. أبناء الفرات الخالد..

فاروق مشوح أبو سعيد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه..

يجمع بيننا - أيها الأخوة الأحباب - أكثر من سبب، يؤلف بين الجماعات البشرية، التي خلقها الله من ذكر وأنثى وجعل منها شعوباً وقبائل ليتعارفوا.. وإذا كان الشهر العظيم الفرات المبارك، هو الناظم الذي يسلك عقد منطقتنا الفسيحة المعطاء، أعني شرق سورية وركنها الغني الخصيب، فإن لنا من الأصل العريق، والأرومة الماجدة، والمحتد النبيل الطيب ما يجعلنا جميعاً على كلمة سواء، وسعيد مشترك ووحدة جامعة.. كل هذا التراث الباذخ من روابط الحب والمودة والأمر الجامع، يتوجه اليوم جلل من الخطب، ومجد من النضال، ونهوض من خمول وتخلف وإهمال.. تلك هي ثورة شعبنا السوري الأشم، الذي صبر طويلاً، وتحمل تسلطاً وبيلاً، وناء بتركة باهظة من إصر الاستبداد، وأغلال الاستعباد، واستغلال الفساد والانحراف، تلك الأمور التي فرضها عليه حكم طائفي أمني عائلي فاسد..

 إن الأقلية التي تتحكم في مجتمع بشري ما، يمكن لها ذلك، وقد تصل إليه، لو تميزت بصفات ترفعها عن شعب لم يعرف عنه غير الوعي المنفتح، والنجابة الباهرة، والثقافة العميقة المستنيرة، والتطلع الناهض الطموح.. فكيف وقد حدث هذا التحكم الهابط الثقيل من أقلية كانت مغمورة نائية، ومعزولة متخلفة.. بل هي إلى البدائية العدائية أقرب منها إلى أدنى درجات الوعي والتفتح والمعرفة..

لقد ركبت مجموعة المغامرين من هذه الفئة ما أتاحه شعبنا الحر المتسامح لكل أبنائه - أن يسلكوا سبل العيش الكريم، والتقدم المزدهر، والمستقبل المنشود.. فكانت صفوف الجيش تستقبلهم بلا عائق، ومراكز العلم والمعرفة تحتضنهم بلا تكلف، ورحاب الوظيفة، وميادين العمل ومحافل الأحزاب تقدم لهم كل ميسر وسهل ومفتوح..

 لكن مجموعة المغامرين المتآمرين استغلت هذه الرحابة الفسيحة، والسماحة البريئة، والفرصة الواسعة لكي تحقق أغراضها المختزنة عبر القرون، ومراميها الحبيسة في حنايا الصدور، وإحنها الخبيئة في طوايا النفوس.. حتى جاء الوقت الذي قصدته بإتقان وإمعان.. لتنطلق كل هذه الحفائظ بما حوت واختزنت بعد سلسلة من التطورات التي مرت على بلدنا والتقلبات السياسية والاجتماعية على شعبنا، حيث قفز المغامرون في غفلة من جماهيرنا، مهتبلين فرصة دواره اللاهي وسباته العميق، ورقدته الهاجعة التي لم يفق منها إلا على عهد الباطنية المستعلنة، والشعوبية الحاقدة الطامعة، منذ أكثر من أربعة عقود مرت على الأمة ثقيلة تنوء بسنوات عجاف استعلن فيها البطل وتمدد، وعم الخوف الرهيب واستشرى، فخنعت الأمة واستسلمت لقدرها، تتنظر تباشير الفجر القادم والفرج الموعود الذي يهزم الخوف والتحرر الذي يكسر القيد، والعدل والحرية اللتان تعلنان الخلاص والانعتاق والتقدم..

إنها ثورة الشعب في الخامس عشر من آذار ۲۰۱۱ م، التي انبثقت بعد حلكة ليل أرخى سدوله على الأمة، وضرب بجرانه على الشعب، وناء بكلكله على الجماهير السورية التي كانت غافلة فانتبهت، ونائمة فاستيقظت، ومدبرة واجترأت...

لم تكن هذه الثورة لأحد بعينه من الناس، ولا لجهة معينة من الجغرافيا، ولا لحقبة محدودة من الشعب، ولا لحقبة محدودة من التاريخ، ولا لمجموعة أو حزب أو هيئة أو فكر محدود.. وإنما هي للشعب السوري بكل فئاته وشرائحه، وأطيافه وأبنائه، وتاريخه ومستقبله..

هذه هي الخصيصة الأولى والميزة البارزة في هذه الثورة الماجدة النبيلة.. ومن حق الشعب السوري كافة بكل فئاته العمرية، وشرائحه الاجتماعية، وتركيبته السكانية، واتجاهاته الفكرية والعقدية أن تدعي جميعاً أنها هي صاحبة هذه الثورة، ومفجرة شرارتها، ومنظمة احتجاجاتها، ومطلقة شعاراتها.. من حق هولاء جميعاً أن يكونوا أبناءها على قدم المساواة، وعلى سواء الصعيد بلا منّ ولا أذى، كان ذلك وما يزال بسلمية شجاعة مضحية شهد لها العالم جميعاً، وأدان فيها القتلة والمجرمين الذين حرفوا مسيرتها، وعملوا على إزاحتها عن خطها اللاحب الصريح الذي انطلق بإذن الله من ثمَّ في قوله الكريم "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير"..

هذه – باختصار - قصة بزوغ هذا الفجر الصادق الجديد على سورية البلد، وعلى شعبها الحر الثائر، ومن تاريخها الناصع الأغر.. وقد سجلنا هذه الحقائق البارزة في هذه الثورة على مدى عمرها المبارك، ومنذ انطلاقها وحتى اليوم في سلسلة من المقالات غطت هذه الفترة حتى اليوم، وهي مستمرة بعون الله وتوفيقه، حيث نختمها بالنص المؤزر والفرج القريب والتمكين الثابت للحق والخير والفلاح، وقد سجلنا في هذه المقالات مشاهد رائعة من هذه الثورة، ودروساً بليغة من إنجازاتها، وإبداعات لافتة في شعاراتها ونشيدها وروائع من قصيدها وإنشادها الطروب.. ومن هذا الفجر ننشد مكاناً لائقاً، ومستقبلاً آملاً لشرق سورية المنطقة، وواديها الفراتي الخصيب، وسهولها الفسيحة المعطاء، وثرواتها المختزلة الواعدة التي عبث بها النظام الفاسد، و وسماسرته الأشقياء...

إن هذه القطعة الباهرة من جغرافية سورية لها حق صراح لا يعوزه الدليل، وعليها واجب حاق، واقع منتظر، لا يماري أحد في إقراره.. من حقها أن تتقدم الى أبناء شعبنا بما هو لها دافع في العمل المشترك، والعبء المحتمل، والنصيب العادل المساند، فقد رأت هذه المنطقة من التهميش المزري، والإهمال المهين ما لا يمكن أن يصبر عليه، أو يُرتضى فيه، وكيف تصبح سورية بلد المستقبل والخير والانطلاق وجناحها الشرقي في عطالة وتخلف وإهمال، وهل يمكن للبازي أن ينهض وواحد من جناحيه مهيض أو مخذول... وهذه نقطة معروفة ليس هنا محل تفصيلها، بل هي الإشارة وحسب، ولعلها تغني عن طويل العبارة، ومعالجتها لا تحتاج إلا إلى تحرك عملي وخطوة جريئة حاسمة مرسومة وموسومة بخطط واضحة، وخرائط ضابطة دقيقة حتى لا يضل الدليل، ولا يتيه الحادي، وعندئذٍ يحمد القوم السرى...  

وفي هذه المناسبة لا بد من الاعتراف بأن الواجب يقوم به أهله قبل غيرهم، وأن الحقوق لا تمنح، ولكنها تؤخذ بيسر أو بغلابة، وأبناء المنطقة هم المعنيون قبل سواهم، فما حك جلدك مثل ظفرك فتولّ أنت جميع أمرك.. ونحن باعترافنا الصريح بهذه الثغرة في العمل، والعثرة في الأداء، نهيب بجميع أبناء المنطقة أن يرتفعوا إلى مستوى الأحداث السورية التي ملأت الدنيا وشملت الناس، وهم بحمد الله وتوفيقه جزء أصيل منها، ودعامة قوية في بنائها، فعلى الأبناء الأصلاء الكرام أن يطبوا للأدواء التي تظهر بين الحين والأخر، والقضية الشاغلة وأشباهها، فلا حساسيات، ولا مماحكات، ولا استئثار بنصيب على حساب فريق آخر، أو منطقة أو قرية، فالكل قدَّم أغلى ما لديه بفداء وتضحية، والكل أسهم بشجاعة وإخلاص، ونحن أصحاب قضية أكبر من ذواتنا، وأنفس من خصوصياتنا، وأعلى وأغلى من أنانياتنا،  إننا هنا نستنهض إيمان أبناء هذه المنطقة ورسالتهم التي حملوها على مدى حياتهم أن تكون مصلحة الأمة هي الأولى، وقضية شعبنا في الأحق، وكل ما عداها يأتي وراءها ومن بعدها بأشواط.. إننا بذلك نكسب لهذه القضية حقاً مضيعاً، ومكاناً مفقوداً ورتبة متخلفة، وأنا أقف أمام هذه القضية حريصاً على إقرارها في النفوس، ومعالجتها في الممارسة، والمحاسبة عليها في الموقف والتحرك والأداء..

لقد كان اللقاء الأول مطلع شهر حزيران خطوة تمهيدية في الاتجاه الصحيح، وهذه هي الخطوة الثانية التي تنداح لتشمل المنطقة من أعالي الفرات، وحتى حدود العراق..  ولا شك أن المهمة أصبحت أجلى، والرسالة غدت أكمل، والغد يبشر بمستقبل ذلك الجزء العزيز من أرض سورية، حيث يكون أكثر إشراقاً وأرسخ مكانة، وعلى الأخوة المشاركين أن يبذلوا الجهد الصادق مدفوعاً بالنيات المخلصة لتحقيق المكانة اللائقة لهذه المنطقة، حيث تقف مع أخواتها المحافظات السورية الأخرى يشد بعضها بعضاً في تناسق متكامل وتعاون متعاضد، وانسجام بديع..

 على هذا اللقاء أن يعلن ما يلي:

 1- أننا مع كل شعبنا تحت هدف مشترك، هو إسقاط النظام، والعفاء على آثاره، والدمدمة الكاملة على ذيوله وأذنابه..

2- إننا على يقين بأن التحالفات الدولية، والمصالح الخارجية التي تعيش على حساب دماء شعبنا هي التي تعيق نضاله من أجل الوصول إلى هدفه، ومن هنا لا بد من اليقظة الحريصة، والسعي الدؤوب، والتحرك الفاعل حتى نصل إلى هدفنا المعلن بأدنى الخسائر، وأقصر الطرق، وأقل التكاليف والأوقات..

3- إن الرهان الرابح في هذه المعركة الضارية لم يكن ولن يكون إلا على شعبنا المقاوم الجريء - الذي ضرب أروع الأمثلة في البطولة والفداء - دون أن نهمل أي فرصة إقليمية أو دولية، أو مؤسساتية في تخفيف العبء الثقيل عن كاهله، والذي تحمل منه ما تعجز عنه عزائم الأشداء من الرجال والشعوب..

4- إن المعاضدة المخلصة لهذا الشعب يجب أن تأتي من كل فرد من أبناء أمتنا، بحيث ينسى نفسه، ويعيش لثورته، كل بما يحسن، وما يستطيع من تجنيد الطاقات الفاعلة لديه ولدى الآخرين الذين يمكن الوصول إليهم..

5- الإغاثات المعاشية والمساعدات الطبية والمعونات المالية فضلاً عن السلاح ولوازمه يجب أن تقدم بشجاعة وسخاء، ولكن بطريقة منظمة منضبطة، دقيقة محكمة، تبعد العاملين عليها عن مواطن الشك ومواقع الريب..

من أجل أن نصل إلى هذه الأهداف النبيلة، فلا بد أن يكون لأبناء الفرات بكل أنحائه أن يكون لهم نصيبهم الفاعل في تحيقها، والإسهام المخلص في معالجتها، والعمل عليها بدءاً من هذه المنطقة التي نلتقي على خدمتها، حتى ننطلق منها لخدمة كافة شعبنا وأرضه الطيبة العزيزة..

 أما كيف يكون ذلك - وأنتم العارفون الخبراء والمرشدون الأدلاء - فيكون بحمل أنفسنا على التضحية الرحيبة بلا حدود، وشكم النفوس برباطها حتى تقدم كل عزيز، ونفيس وبلا مقابل، أو تطلع إلى عوض إلا من الله القدير.. عندئذٍ سوف يزهر الأمل، ويورق الرجاء، ويتقبل الله السعي المخلص الدؤوب..

يبقى أيها الأخوة الأحباب أن تقسيم العمل على رجال متخصصة لتغطية هذه المجالات واختيار الأكفاء الحرصى وإنشاء مقرات ينطلق منها الجهد ويعود إليها، وتشكيل إدارة للمراقبة والمتابعة والتعقب.. كل ذلك شؤون إدارية لا تخفى عليكم، فأنتم أهلها، وفرسان ميادينها!

حياكم الله ورعاكم وسدد على طريق النصر خطاكم، وألهمكم الخير من قبل ومن بعد، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..

وسوم: العدد 849