ماذا بعد إعفاء مسؤولين من مهامهم في وزارة التربية الوطنية أو غيرها من الوزارات ؟

ذكرت بعض وسائل الإعلام  عندنا أن وزارة التربية الوطنية تعتزم إعفاء بعض المسؤولين منهم الكاتب العام ، ومديرين جهويين وإقليميين فشلوا في إنجاز إصلاحات أوكلت إليهم حسب نفس المصادر .

ومثل هذا النبأ ألفناه بين الحين والآخر ليس في وزارة التربية الوطنية فحسب بل في كل الوزارات ، وأحيانا تسمي وسائل الإعلامي مثل هذه الإعفاءات أو تصفها  بالزلازل جريا على عادة الإعلام في التهويل  وتحويل الحبة إلى قبة  كما يقال.

والسؤال الذي يطرح باستمرار ولا يجد جوابا هو: ماذا بعد إعفاء المسؤولين من مهامهم ؟ لم نسمع من قبل أن مسؤولا أعفي من مهمته لتقصير عليه حجة ، فسيق إلى محكمة  ليحاكم بل يعفى فينصرف إلى حال سبيله  غانما سالما ، وهو مع ذلك  يشكو التعسف في قرار إعفائه لمعارفه ، ويطالب بجبر الضرر اللاحق بسمعته .

والمنطق يقتضي أنه من يعفى من مهمته يكون لإعفائه سبب وجيه وله أدلة دامغة ، فإذا كان الأمر كذلك فالقضية تصير جناية تستوجب المحاسبة والعقاب ، أما أن يعفى المسؤول من مهمته ثم ينصرف إلى حال سبيله كأن شيئا لم يحدث ، فهذا عبث لا مبرر له ، وأما إذا لم تحصل المتابعة والعقاب ، فإن الأمر سيصبح تعسفا في القرار يستوجب لجوء المتضرر إلى القضاء للمطالبة بالإنصاف ، وحجته أن الجهة التي أعفته لا حجة لها عليه وهي تدعي إخلاله بالواجب دون أن تحاسبه .

ولا يمكن أن يكون الإعفاء من المهام عقوبة وإلا سيعتبر كل من تقدم لشغل مهمة أو منصب ولم يحصل عليهما  معاقبا .

وكان من المفروض  أيضا أن يحترم قانون المدد المحددة لشغل المناصب ، وأن تقطع الوزارات مع  مناصب مدى الحياة أو مناصب التمديد التي تكون سببا في خلق الديناصورات . فما معنى أن يظل الكتاب العامون في مناصبهم لمدد طويلة يتغير الوزراء ولا يشملهم التغيير ؟ فكم من وزير أعفي من وزارته بسبب سوء تدبيره الذي يكون من ورائه كاتبه العام أو بطانته المركزية دون أن يعفى معه كل من شاركه في فشله أو بالأحرى من كانوا سببا مباشرا في ذلك . ومعلوم أن إعفاء وزير بسبب فشل في التدبير  والإبقاء على البطانة التي كانت  معه في التدبير  يعتبر احتفاظا بالفشل  وتكريسا له .

ولهذا لقد حان الوقت لمراجعة إجراء إعفاء المسؤولين من مهامهم إما بإتباع الإعفاء بالمتابعة والمحاسبة والعقاب مع عرض الحجج الدامغة والمقنعة ، وإلا سيعتبر هذا الإجراء تعسفا وظلما وإساءة إلى سمعة المسؤولين لدى الرأي العام من خلال جعل الشكوك تحوم حول نزاهتهم ونظافة أيديهم بسبب الإعفاء غير المبرر بأدلة  ومتابعة قضائية  .

ولا بد في حالة إلحاق الضرر بالمصلحة العليا  للبلاد عن طريق نهب أو تفريط أو غير ذلك أن يسترجع ما ضاع و يرد ما نهب أو ضاع أو فرط فيه ، ويكون بمقدار ما نهب أو ضاع وعوضا عما فرط فيه .

وليس من العدل أن ينصرف مسؤول نهب وسلب وضيع وفرط غانما سالما دون محاسبة ودون عقاب ، كما أنه ليس من العدل أن يعفى من مهمته ، والإعفاء تشويه في حد ذاته  لسمعته ولمّا يثبت في حقه تقصير أو نهب أو سلب ، وهو ما يقتضي إنصافه من طرف القضاء  ، وتعويضه عما لحقه من عسف .

وإذا ما ثبت التقصير من مسؤولين بشكل جماعي كما هو الحال بالنسبة لما يروج عن مسؤولي وزارة التربية الوطنية ، فلا يمكن أن يعفى المسؤول عنهم من الإعفاء وقد كانوا يعملون تحت إمرته . وفي حال ثبوت فشلهم أو تقصيرهم لا بد من الكشف عن الأسباب الكامنة وراء ذلك ، فإذا كان المسؤول الأكبر لا يمكن من يعملون تحت سلطته من ظروف ووسائل العمل  والنجاح في مهامهم ، فإنه سيتحمل مسؤولية ذلك  أيضا ، ولا يمكن أن يحملها لهم وحدهم ، وينسل منها .

ونتمنى ألا تظل الإعفاءات مزاجية يلجأ إليها المسؤولون الكبار كلما أرادوا ذلك إذا كانت دولتنا حقا دولة حق وقانون . ونتمنى أيضا ألا توزع المناصب والمهام وفق معيار الولاءات الحزبية أو غيرها بل لا بد من معيار الكفاءات ، والتباري النزيه ، ولن يحصل كذلك إلا حين تزول عقلية ما يسميه المغاربة " أبوك صاحبي" وهي عقلية التدخلات والشفاعات التي تضر بمصالح الوطن ، وتعطي حقوق من يستحقون  عن جدارة لمن لا يستحقون .

وسوم: العدد 851