الربيع العربي في لبنان .. أفق منغلق على الذات

في لبنان الشعب يثور على نفسه . فكل هؤلاء الجاثمين على الصدور هم نتاج عمليات ديمقراطية تختلف في شكلها عن ديموقراطية الأسد والسيسي .

وإذا بدأنا من عندنا : فقد كنا إذا سألنا أهلنا كيف تقبلون بفلان وفلان يقولون : نحن محكمون بمعادلة صعبة تفرض نفسها علينا وتنعدم فيها خياراتنا !!

وربما لو سئل الآخرون والآخرون والآخرون لأجابوا بالطريقة نفسها . ومن هنا فسيظل الحراك اللبناني بلا أفق ؛ لأن الذين تسببوا به سبقوا إلى مقاعد قيادته وتأييده .

وسيبقى لبنان في انتظار غودو الذي لن يأتي أبدا ، غودو الذي يستطيع أن يغير في مستندات المعادلة التي صاحبت لبنان منذ تأسيسه على عوج ، ولغاية في نفوس اليعاقيب . فمن هي المهندس التي يستطيع أن يبني هرما على حرف جرف ؟!

ومهما قلنا عن تحليل الوضع اللبناني فلا شك أن المسئول عما صار إليه الوضع في لبنان كل القوى الضالعة فيه ، وسوء قيادتها أو إدارتها ..

أولا - تنمر ميليشيات حزب الله على كل المستويات ..وعلى كل مؤسسات الدولة وعلى التجمعات والأفراد

ثانيا - تشرذم الموقف الماروني وتعدد القيادات المتحكمة فيه ، على المستويين الديني والمدني .

ثالثا - السحسلة السنية بشكل عام واستمراء سياسة الاسترخاء وتقديم التنازلات .

رابعا - خروج الدروز من معادلة الفعل المؤثر منذ وقت مبكر . والقناعة بأن كل شيء يصنع في الإقليم أو في العواصم لا جدوى من مقاومته . وهي قناعة شربتها المعارضة السورية الرخوة من قبل أو من بعد .

وخامسا - وأخيرا الحالة السورية بكل أبعادها . وستعلم الخلية السرطانية المتحكمة في عقل حسن نصر الله أن هلاكها في هدم الجسد الحي الذي تستند إليه . يقولون في المثل الشعبي " صار للحرباية مراية وصار لأبو بريص قبقباب "

لأساتذة في السوربون يدرسون سياسة ولا يصنعون سياسة . ومن وقت مبكر تم التمييز بين منظر السياسة وصانع السياسة .

أبو تمام يقول عن صانع السياسة :

فأثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها من تحت أخمصك الحشر

أي حل تفكر فيه في لبنان ..

في لبنان كل الفئويات على مذهب فئة الأسد : الأسد أو يحرقون البلد . هم يقولونها عمليا ولا يصرحون بها نظريا .

وسنقترب من تصور الحل في لبنان ربما يوم يهتف الشيعة ضد حسن نصر الله . والسنة ضد الحريري والميقاتي وتمام . والماروني ضد عون وباسيل . ويهتفون جميعا ضد بشار الأسد .

سيصير لبنان على طريق يوم تنبذ المكونات اللبنانية جميعا إلى صناع مأساتها على سواء .

ويوم تبدأ هذه المكونات تبحث عن وثيقة جديدة . وشباب جدد ؛ لا تدعمهم الطائف ولا الطائفية ولا رأس المال ..

يومها سيبدأ البرق الواعد يلوح في سماء لبنان ..

ورغم المأزق العالمي والإقليمي المفروض على الشعب السوري ، فإن تصور المخرج في سورية أقرب لعقل العاقل منه في لبنان ...حيث ينادي الناس : يلي عقدتها حلها ، ويلي برمتها فلها . وهو لا يحل ولا يفل ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 851