"المبادرة العربية للتكامل الإقليمي".. سهم تطبيع إسرائيلي وأميركي

تتوالى خطوات التطبيع العربي رسمية وغير رسمية مع إسرائيل ، ولأصحاب كل خطوة مبرراتهم في تطبيعهم ، أو لنقل في تخاذلهم وانكسارهم القومي ! وأحدث الخطوات غير الرسمية ما حمل اسم " المبادرة العربية للتكامل الإقليمي " التي عقدت مؤتمرها الأول ، ونأمل أن يكون الأخير ، في لندن ، ويتألف أعضاؤها ، مثلما قالت " نيويورك تايمز " من صحفيين وفنانين وسياسيين ودبلوماسيين " وعلماء قرآنيين " عرب ، وسواهم ممن يوافقونهم الرأي في استيجاب واستحسان التطبيع مع إسرائيل . ومن مبررات هذه المجموعة للتطبيع " أن عزل إسرائيل وشيطنتها كلف الدول العربية مليارات الدولارات في التجارة " ، وأن الإسرائيليين قد يصبحون أكثر استعدادا للتنازل عن الأرض إذا ما وعدوا بقبول الدول العربية لهم . والصفة الجامعة لكل مبررات المطبعين العرب أنها واهية جدا ، وفاسدة واقعيا وعقليا ، ودعنا من فسادها القومي والأخلاقي والإنساني ، وهذه هي صفة هذين المبررين  . ونلاحظ  في المبرر الأول البعد عن أساس الصراع مع إسرائيل وجوهره . إنهم يبدؤون من اعتبار إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة عاداها جيرانها العرب  وقاطعوها صدفة وخطأ ، وأن المعاداة والمقاطعة أدتا إلى عزلها وشيطنتها دون حق موجب ، فكلف هذا الدول العربية مليارات الدولارات في التجارة . ويتجاهل هؤلاء المناصرون للتطبيع أن أساس الصراع وجوهره هو اغتصاب إسرائيل لوطن شعب كامل ، هو الشعب الفلسطيني ، وإنكارها لأي حق لهذا الشعب في هذا الوطن ، ومواصلتها قتل هذا الشعب واضطهاده  . ومبرر أصحاب المبادرة  حتى في التجارة الصرف واهٍ وباطل . ماذا خسر العرب  من عدم التجارة مع إسرائيل ؟! العرب يتاجرون مع كل دول العالم ، فما النكبة المالية إذا لم يتاجروا مع إسرائيل ؟! من الخاسر ، هي أم هم ؟! الفلسطينيون في الضفة وغزة ثاني مستورد للبضائع من إسرائيل بعد الاتحاد الأوروبي  ، وهم مكرهون على هذا الاستيراد ، ويحاولون التحرر من عبوديته . واسمعوا صراخ تجار العجول الإسرائيليين بعد أن قالت السلطة الفلسطينية إنها تخطط لوقف استيراد العجول منهم ! العالم العربي أكثر من 400 مليون مواطن ، ومساحته 12 مليون كم مربع ، فما ضره لو لم يتاجر مع دولة مغتصبة من 6 ملايين مستوطن ؟! ومبرر إغراء إسرائيل بقبولها عربيا من خلال التطبيع للتنازل عما تحتله في الضفة والجولان ؛ وهم وباطل ، فلم يغرها بالتنازل عن الضفة وغزة ، قبل طردها من غزة في 2005 ، اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بسيادتها على 78 % من فلسطين ، وأصرت على اعتبار الضفة والقدس  وغزة أرضا متنازعا عليها ، ونرى الآن حال الضفة والقدس : فيهما 600 ألف مستوطن ، وحياة الفلسطينيين فيهما جحيم مستعر الأوار بسبب عدوانية  هؤلاء المستوطنين وعدوانية الجيش الإسرائيلي  . ولو كان قبول إسرائيل عربيا يغريها بالتنازل عن شيء من الأرض ، والميل الصادق للسلام ؛ لتلقفت مبادرة السلام العربية ، السعودية الأصل ، في 2002 ، ولما قال عنها شارون إن على العرب أن يبلوها ويشربوا ماءها . إسرائيل تريد تطبيعا مع العرب بلا ثمن من جانبها ، وليس لتعيش بينهم في سلام ، وإنما للسيطرة عليهم ، والقضاء على حضارتهم . هذا هو الهدف الذي أنشأها الغرب الاستعماري من أجله . في المؤتمر الاستعماري الأوروبي الذي  انعقد بين عامي 1905 _ 1907 ، قال رئيس وزراء بريطانيا هنري كامبل للمؤتمرين إنه لا بقاء للحضارة الغربية المسيحية إلا بالحيلولة دون نهوض العالم العربي ، وإن إقامة دولة تابعة للغرب في فلسطين لفصل مشرق العالم العربي عن مغربه وسيلة مثلى لتحقيق هذا الهدف ، وتقدم زعماء يهود العالم وعلى رأسهم حاييم وايزمان أول رئيس وزراء إسرائيلي ، وعرضوا على المؤتمرين أن يكون اليهود هم هذه الدولة الحائلة دون نهوض العالم العربي ، واشترطوا أن يحميهم الغرب للقيام بهذه المهمة الشيطانية الإجرامية ، وهو ما ينفذ منذ قيام إسرائيل ، وما لن تحيد عنه أبدا . وتطابقا مع هذه المهمة ، لم يكن غريبا أن يتضمن التوجيه القتالي للعصابات الصهيونية في حرب 1948 الدعوة لتدمير الحضارة العربية مثلما جاء على لسان بن جوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي . هذه هي مهمة إسرائيل في المنطقة العربية والإسلامية ، وقد نفذت منها مراحل بالحرب ، وستنفذ مراحل تالية بالحرب ، وبوسائل أخرى  مثل التطبيع مع العرب والمسلمين للتغلغل في مجتمعاتهم ، وتحطيم مقومات هذه المجتمعات ، وأولها وأهمها الإسلام . وما " المبادرة العربية للتكامل الإقليمي " إلا سهم إسرائيلي أميركي غربي  على طريق هذه المهمة الشريرة المظلمة من خلال التوسع في التطبيع العربي مع إسرائيل قفزا فوق أساس الصراع معها وجوهره ، واعتبارها دولة طبيعية أخطأ العرب في حقها وعزلوها وشيطنوها ، فأصابهم الخسران الكبير المهلك ، ويتوجب أن يسارعوا بالنجاة منه باحتضان إسرائيل البريئة والمفيدة لهم في كل شيء .

وسوم: العدد 852