في اليوم العالمي لإلغاء الرق : من استرقاق الأفراد إلى استرقاق الشعوب ..

أنعي لكم يا أصدقائي ... إنسانية الإنسان

يصادف اليوم الثاني من كانون الأول من كل عام اليوم العالمي لإلغاء الرق . اليوم الذي اعتمدته الأمم المتحدة كمحطة للتذكير، بالمعنى الأليم لامتلاك إنسان رقبة أخيه الإنسان .

ولعل هذه المحطة بما في عنوانها من معنى إنساني براق جميل ، تحتاج منا إلى بعض الوقفات السريعات . ثم مواجهة الواقع الأليم من انتقال الرق " الأممي " من رق الأفراد إلى استرقاق الشعوب والأقوام .

أولا - الرق عنوان قبيح كريه ..

ونحن حين نحدد موقفا عاما منه يرفضه ، في حياة الناس اليوم ، ونستنكر كل صوره وأشكاله . نؤكد أننا بحاجة دائما إلى دراسة مقارنة لتجسدات نظام الرق التاريخي . ومكانة الأرقاء في حياة المجتمعات والأقوام . من المهم مثلا أن ندرس دراسة علمية مقارنة بين حياة العبيد والإماء في المجتمع الروماني القديم ، ومن ثم المجتمع العربي والإسلامي والهندي والصيني ، ثم عن حقوق العبيد والأرقاء في أوربة " المسيحية " والكنسية . ولا أريد أن أكون استباقيا ، ومع تأييدنا للصيرورة الإنسانية بإعلان إلغاء ، جميع أشكال الرق ، إلا أن المقارنات العملية في أطرها التاريخية والموضوعية ، تجعلنا أقرب إلى الواقع العملي في تاريخ الإنسان والحضارات . هذه محطة يمكن أن تكون مادة صالحة يعتمدها موضوعا لرسالة ماجستير أو دكتوراة.

ثانيا - ما يزال عنوان " الإسلام وموقفه من الرق " في أفقيه الكلي والجزئي التاريخي الظرفي والمعاصر محتاجا إلى الكثير من الشرح والتفصيل والجلاء .

فكما أقرت الشريعة الإسلامية نظام الرق كنظام اجتماعي - سياسي ، عالمي سائد . وهذه جزء من الحقيقة . فقد شرعت إزاءها حزمة من التشريعات تجعل مدلول هذا العنوان يختلف كثيرا عما يظن ويخال . ومما يقتضي الوقوف عنده في هذا السياق هو طبيعة حياة الرقيق في المجتمع المسلم ، وما حف به الإسلام هذا النظام من شروط، وما وفره من أجواء ، ثم كيف جعل الإسلام تحرير الرقاب مطلبا مقاصديا له من خلال العديد من التشريعات ، منها الحض على تحرير الرقاب على سبيل القربة والصدقة ، وجعل تحرير الرقاب بندا ثابتا في كفارة العديد من الذنوب والمخالفات . وثالثا تمليك الإسلام الفرد المسترق حقه بتحرير نفسه عن طريق نظام المكاتبة الذي فرض على السادة القبول به . وهذا يقتضي بعض بيان ذلك أن الرقيق في البيئة الإسلامية لم يكونوا دائما من فئة الخدم الذين يحفون بحياة السادة . وإنما كانوا في كثير من الأحيان بمثابة الأجراء يعملون في الحياة العامة ويؤدون إلى سادتهم بعض الخراج.

ثالثا - إن الذي نؤكد عليه في هذا اليوم وفي هذا السياق هو أن الإعلان الإنساني بإلغاء الرق ، والعبودية هو نصر مؤزر لإنسانية الإنسان . نصر تدعمه نصوص الشريعة الإسلامية ومقاصدها العامة . وهو نصر يجب على كل البشر أن يتمسكوا به ، وأن يدافعوا عليه ، وأن يحرصوا عليه ..

ويجب أن نؤكد في هذا السياق نفسه أن ما أقدم عليه بعض الجهلة من الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، بإعادة الذكر لسنن الرقيق والسبايا والذي ألصقوه كذبا وزورا بالمشروع الإسلامي في القرن الحادي والعشرين إنما كان عملية تشويه وتزييف لحقيقة الإسلام ونظامه وشريعته . تشويه وتزييف قام به نفر من عملاء أعداء الإسلام مع ثلة من الحمقى والأغبياء .

إننا في اليوم العالي لإلغاء الرق

أولا - نعيد استحياء مقولة سيدنا عمر لنرفعها شعارا فوق رؤوس الناس أجمعين : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا . أحرارا ولدوا ، وأحرارا يجب أن يعيشوا ، وأحرارا يجب أن يموتوا هم وذراريهم أجمعين .

ثانيا - ومع وقوفنا مع كل التشريعات الداعمة لحرية الإنسان ، ولمسئوليته عن نفسه ، نؤكد استنكارنا لكل السياسات التي ما تزال تمنهج سياسات التمييز العنصري في لبوسها الخفي . وكذلك كل أشكال ما يسمى الرقيق الأبيض الذي يمتهن حياة المستضعفين من الرجال والنساء تحت عناوين للحرية الزائفة المدعاة .

ثالثا - إن الرسالة التي يجب أن ترفعها شعوبنا المستعبدة والمضطهدة والمقهورة إلى كل شركاء الخناسين المجرمين في عالمنا العربي هو أنه لمن التناقض العجيب أن تحيي الأمم المتحدة يوما للاحتفاء بإلغاء الرق الفردي ، وهي بكل سياساتها والقائمين عليها تدعم استرقاق الشعوب وتعبيدها .

لم تكن ثورات الشعوب العربية في مصر وسورية والعراق واليمن إلا أنموذجا مستنسخا عن ثورة سبارتوكس مع عبيد روما ضد الطغاة المسيطرين عليها .

نعم هي ثورة الأحرار الذين استعبدهم الطغاة والمستبدون وما زالوا يذيقونهم كل يوم أفانين العذاب ..

وإنه لنفاق وإثم كبير أن تحتفي الأمم المتحدة باليوم العالمي لمكافحة الرق ثم تجد أنظمة الرق الجماعي مقاعدها وعلى منابرها يتحدثون !!

وترانا من حق ننعى إنسانية الإنسان !!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 853