اليوم العالمي للإيدز .. ثقافة التعاطف مع المرضى ومصادرة الأسباب

اعتمدت الأمم المتحدة لهذا العام الأول من كانون الأول ، أي اليوم ، يوما عالميا لمرض الإيدز . الوباء الذي ما زال منذ عقود يشكل شبحا مرعبا يحوم فوق رؤوس الناس.

وتحديد يوم لأي قضية على مستوى الأمم المتحدة يؤكد على خطورة القضية ، وانتشارها ، وضرورة التثقيف حولها تحذيرا وإرشادا أو تشجيعا وتعليما ومكافحة أيضا وهذا الأخير ما هو ما نطالب به وما يجب أن يكون.

إن أول ما يمكن أن يسجل في هذا اليوم هو خطورة المرض الذي قارب عدد المصابين به من المسجلين حول العالم قريبا من أربعين مليون إنسان . فيهم كثير من الأطفال الذين ورثوا المرض عن أبويهم .

وأن الذي يجب أن نذكر به أيضا أن إحصاءات المرض الحقيقية والتقديرية تسجل سعة انتشار المرض في البلدان الأكثر بطرا والأكثر فقرا على السواء . وأنه في الأخيرة لا إحصاء ولا تحذير ولا دواء ..

في حديثنا عن اليوم العالمي للإيدز في سياق إنساني يجب أن نظل نميز بين الموقف من المريض والموقف من المرض أو من السلوك المؤدي إليه .

وإن المطلوب في سياق إنساني عام أن نكرس النظرة الإنسانية المتعاطفة مع المريض، وعلى أنه ضحية ظروف مشتبكة معقدة ليس من السهل إدانته عن بعد على خلفياتها مهما كان موقفنا من هذه الخلفيات.

ومن ذلك أيضا أن ندرك أن بعض المرضى قد أصيبوا بعمليات نقل دم ملوث ، كما حصل منذ تاريخ قريب مع أطفال ليبيين تم تلويثهم كما تداولت الأنباء عن عمد في قضية اختلط بها السياسي بالصحي والإنساني ..كما أن في المصابين أطفال ورثوا المرض عن أبويهم دون أن يكون لهم يد فيه .

في اليوم العالمي للإيدز يجب أن يتوقف الناس عن إدانة المريض . واتهامه ، واعتباره مستحقا أن يبوء بإثمه . فنحن في حالة يختلط فيها الجاني بالضحية إلى حد كبير . وجميل بالإنسان أن يسأل الله العافية في كل آن وكل حين .

من المهم كذلك في التوقف عند ملامح هذه المرض من الناحية الصحية أن نعلم عن طرق انتقال عدواه ، فلا يبالغ الإنسان في نبذ المريض ، ولا في تجافيه والفرار منه .

إن المهم فيما نريد تسجيله هنا هو أن الموقف من المريض يجب أن يختلف عن الموقف من المرض وعن السلوكيات المؤدية لانتشاره ..

وإذا كانت المؤسسات العالمية ومنها الأمم المتحدة تزعم حقا أنها تحمل لواء علمنة العالم ، أي بناؤه على معطيات العلم والمعرفة ، فإن من أبسط المقتضيات أن يتسيد العلم الحق كل تشريعاتها  وقراراتها ومواثيقها الإنسانية  على كل صعيد .

وما دام قد ثبت علميا أن " الفوضى الجنسية " هي العامل الأول في انتشار هذا المرض ، واتساع رقعته ، وزيادة عدد ضحاياه ، وطيف تهديده للأبرياء فإن هذه المؤسسات مطالبة بمقتضى الإنسانية والمدنية والعلم  أن تبادر إلى سن التشريعات التي تنفي هذه " الفوضى " عن حياة الناس ، وفي كل المجتمعات  ، مجتمعات البطر ومجتمعات الفقر على السواء.

إن إتباع " الهوى " في الإصرار على تكريس هذه الفوضى تحت مسميات الحرية والحداثة والحقوق الموهومة للفرد لهو من الارتكاس العلمي والعقلي المشين ، الذي لا يتوافق مع شعارات الحرية والحداثة وادعاءات حقوق الإنسان .

وحق الإنسان في حياة صحية آمنة هو الأولى أن يصان . وأن يقدم على حقه في قضاء وطر ملهوف عاجل  في كل مخدع بل تحت كل شجرة وعلى رصيف كل طريق .

في اليوم العالمي للإيدز نتعاطف مع كل الضحايا ..وندين كل التشريعات التي تحمي السلوكيات المؤدية إلى انتشار المرض واتساع رقعته . ندين التشريعات كما ندين السلوكيات على حد سواء .

في ساحة واحدة يلتقي دائما الدين الحق مع العلم الحق ، وهما معا يتكاتفان على العمل للجم هوى الإنسان ، وإعادته دائما إلى الجادة ، وإلى الصراط المستقيم . والحديث هنا ليس عن مرض الإيدز وحده بل عن كل وديان " تهلك " التي تصر على الانزلاق فيها حضارة الذي ( اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ )  ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 853