مسيرات العودة وإمكانية التغيير ..

يعبر الإنسان الفلسطيني المهجر عن أمله في كل محطة نضالية في العودة إلى دياره لكن تبقى التحديات أكبر من هذا الأمل الذي بات ينشد في كل محفل، ويصعب تحقيق رغبته في إقامة سلام عادل يقوم على إنصافه، فبلا شك سيأتي يوم ونحن فيه منتصرون لنثبت للعالم كله أننا صاحب حق مقدس، وهذا احتلال لا يعرف قانون أو إنسانية، فكم ظلمتونا.

جئت في هذه المقدمة لأتحدث عن حقِ ثابت لا يعرف انتقاص أو حدود أو تبرير ألا وهو حق العودة اللاجئين، هذا الحق الذي اعترفت فيه كل قوانين العالم وتجاهلته اسرائيل، هذا الحق أثار مشاعر الجماهير الفلسطينية على مدار سنوات النضال الوطني، هذا الحق التي جعل الجماهير مستميتة في الدفاع عن الأرض والحقوق الانسانية في أخر محطة نضالية نعيشها اليوم وهي مسيرات العودة التي انطلقت في شهر مارس عام 2018م.

في الحقيقة بدأت الجماهير الفلسطينية بالتحرك الفاعل مع هذه الدعوة على أساس أن هذه المسيرات ستشكل رافعة نضالية للحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشكل خاص، خاصة أنها كانت تحمل علم فلسطين تأكيداً على الاجماع الحقيقي على الفكرة والهدف الوطني النبيل.

حول الموقف والأساليب المتبعة لمسيرات العودة، أعتقد أنه متعارف في السياسة عندما يتعرض القائد للفشل في أي محاولة يقوم بتشكيل لجان تشاورية على الفور من أجل دراسة النتائج وقرأه الواقع ومعرفة امكانية التغيير، لكن ما يميز الحالة السياسية لمسيرات العودة المرونة والسرعة في تبديل المواقف حسب الحاجة الإعلامية والميدانية والثقافية.

استمرار مسيرات العودة هو خيار جيد أمام التحديات التي تواجهنا كفلسطينيين في قطاع غزة ولكن هذا يبقى مرتبطاً بشكل وثيق في تغيير الأسلوب والواقع الذي يحياه نتيجة ما وصلنا إليه من نتائج غير قادرة على تحقيق أدنى حقوق شعبنا سواء على الصعيد الوطني أو الانساني، فكيف سيكون النظر لهذه الفكرة بعد أن تشبعت بأساليب شعبوية مدعومة أودت إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف الشباب على حدود غزة. فلا بد من الابداع في تغيير المسار المتبع في توفير حالة نضالية مستمرة لا أن يتم قتلها كما نرى اليوم ومن نتج عنها من تراجع في الوعي والحس الوطني وضعف ملامح الانتماء لأي فكرة أو شكل نضالي جديد.

أتذكر عندما استاء البعض من رسالتنا كشباب ناقد لأسلوب هذه المسيرات لا لفكرتها، كما حذرنا من خطورة فشل هدفها السامي وأن يكون ذلك من صنع أيدينا، والذي يتركز هدفها في تسليط الضوء على قضيتنا الوطنية وإبعاد جحود الاحتلال عن غزة من خلال خطوات وأساليب لا تغني ولا تسمن من جوع، إلا أن الرهان كان كبير على نجاحها وتحقيق أهدافها كما نسمع، وبالفعل خسر كل من واجهنا وشكك في رسالتنا تحت ذريعة "الخصومة السياسية".

من جانب آخر، على من أتاح الفرصة للشباب بمواجهة الاحتلال على السلك خاصة دون تحقيق أي مكسب عليه أن يعلم بأن نسبة كبيرة من الجماهير المشاركة قد طفرت والشباب بشكل خاص وهذا أصبح يقارن بشكل واضح عند نرى حجم التأييد منذ بداية المسيرة ووضعها الحالي، حيث أصبح التهرب من مواجهة هذه الحقيقة المرةسيد الموقف، لكن من يدعي الوطنية لا يمكن أن يتصيد الأخطاء للأخرين إنما عليه تذليلها ومحاولة انقاذ الموقف أو دعم الحالة بأفكار بناءة.

الذي كان يظهر للعامة هو أن المسيرة حالة جماهيرية بحتة وتسعى إلى إشراك كافة القوى السياسية والشعبية فيها وأن يكون الالتزام الوطني بالثوابت هو الشعار الأعلى على أي اعتبار يمكن أن يذكر على الساحة وهذا كان واضحاً في الإعلام، لكن هذا كله كان متجاهل حين رأينا وجهات نظر متعددة منخرطة في الحالة بشكل نظري ولديها اعتراضاتها المشروعة والتي تنم عن وعي وإدراك بالمسؤولية.

 لكن اليوم أصبح التساؤل مختلف ماذا نريد؟ وكيف نفعل؟ وإلى أين سنصل؟، هذا كله يجيب عليه التغيير في الأسلوب النضالي والاتفاق على البرنامج المطلوب وتحديد المسألة الزمنية لكل حدث، وأيضا هذا لن يتحقق إلا بتصحيح الخطأ والعودة إلى أصحاب الرأي الأخر، فالنتائج التي ندرسها والوقائع التي حدثت وتحدث تشير إلى أنه كان في رؤية الشباب المنتقدين صواب كبير لسلوك وأسلوب عمل المسيرة أخطاء كثيرة وكبيرة، وصعوبة الاستجابة لصوت الناقدين أو و توصيله إلى المعنيين وشرح نظرتهم للأمر أوقف تحقيق إنجازات عدة (بوجهة نظر الشباب).

فكانت الفكرة الأساسية في نظر الشباب أشبه بعملية تخييم دائمة على الحدود الشرقية بعيدة عن السلك الفاصل ووحشية جنود الاحتلال، وأن تقوم كافة شرائح الشعب بإحياء جميع المناسبات الوطنية والاجتماعية (أسلوب حياة) مع تسليط الضوء على القضايا الوطنية وعلى رأسها حق العودة اللاجئين، حيث كان حجم الإدراك كبير بأهمية هذه الأنشطة مع تفويت الفرصة على هذا المحتل بأن يوقع خسائر في صفوف الشعب.

لذلك أعتقد أن ديناميكية الحل في هذا الإطار تكمن في فصل الحالة السياسية المعقدة عن هذا الخيار النضالي الذي ربما لو تغير على ملامحه قليلا سنخرج إلى النور متفقين، ومحاولة الإصغاء إلى الآخرين أمر مهم، وتوحيد جهود الكل الفلسطيني من كتاب وناقدين وفنانين وإعلاميين وكافة القطاعات التي يمكن أن تدعم هذا الأمر، بالتأكيد سيكون له مردوده الإيجابي.

وسوم: العدد 857