الهولكست النازي بين التزييف والتوظيف

ينعقد اليوم في القدس المحتلة " المنتدى العالمي الخامس للهولكست " تحت عنوان "تذكر المحرقة ومحاربة معاداة السامية " . ويحضر المؤتمر الذي تدعو إليه الحركة الصهيونية العالمية ممثلة بالكيان الصهيوني أكثر من أربعين ملكا ورئيسا حول العالم . سيكون رئيس وزراء الكيان في مقدمة مستقبليهم . ومن الحضور : الرئيس الروسي بوتين المسيطر الأول على سورية والداعم الأول لبشار الأسد ، والرئيس الفرنسي ماكرون رئيس الدولة التي أسست لكل هذا الشر في سورية .

والهولكست الذي يعني المحرقة في اللغة اليونانية ثم أصبح علما على ما اختص به من جريمة نفذها على خلفية عرقية متعصبة حزب " العمال القومي الاشتراكي " الألماني المعروف اختصارا باسم الحزب النازي .

لقد تأسس " حزب العمال القومي الاشتراكي " على خلفية عرقية . غذاها الفكر القومي العنصري الذي كان يرى في العرق الآري عرقا متفوقا في ذكائه وفي نقائه ، والذي يؤمن بضرورة أن يسيطر هذا العرق النبيل على العالم لكي تتقدم البشرية . وكذا وظف الحزب نظرية دارون في قاعدتها " البقاء للأقوى " بنفي كل عوامل التخلف والضعف عن الحياة الإنسانية ، ومن هنا انطلقت هذه النظرية بضرورة التخلص من بعض الأعراق بوصفهم حثالة العالم . وهكذا طال الهولكست النازي اليهود والغجر بوصفهم ممثلين للتخلف العرقي عند البشر . كما طال المعاقين من أصحاب الاحتياجات الخاصة ، بوصفهم ممثلين للضعف البشري .

للعلم فقط فقد كنا نحن العرب التالين في الدور برسم التصفية بحسب التصنيف النازي. وإنما لم يزج بنا في المحرقة لسببين الأول أن كنا بعيدين عن متناول اليد النازية . والثاني أن ظروف الحرب فرضت على النازيين بعض التكتيكات المرحلية .

مرة أخرى لقد صنف النازيون اليهود عرقيا في أدنى السلم البشري ثم وضعوا العرب في الدرجة التي تليهم وإن من أعلى . نذكر بذلك لكي لا يسبق بعض الذين لا يعلمون إلى القول فيما لا يعلمون !!

ولعلنا لن نغفل عن حقيقة أن الفكر العنصري النازي الذي انكسر في الحرب العالمية الثانية انكساره المدوي ؛ ما زال يجد رسيسه وتجلياته في سلوك بعض الأفراد والتجمعات ، وفي سياسات بعض الزعماء والحكومات في حاضنته الحضارية الأولى حول العالم . وهو أمر مطروح للتأمل والتفكير.

ولأمر غير مفهوم أبدا نجد بعض الذين لا يعلمون من أبناء أمتنا يعلنون شماتة بَلقاء مستنكرة بما جرى على أيدي النازيين من تعذيب وقتل واستهتار بالقيم الإنسانية . ونجد عند فئام آخرين محاولة غير مسوغة للتشكيك في المحرقة الجريمة ، وللتقليل من نكارتها وحجمها . بينما المطلوب منا نحن الشهود على الناس ، أن نبادر إلى إعلان إدانتنا واستنكارنا ، أولا : للفكر العنصري المتعالي بالباطل الذي شكل الخلفية للجريمة بكل أبعادها . ثم ثانيا : الحرب المجنونة التي راح ضحيتها ملايين من البشر . وكذا الهولكست الذي وأد حياة الملايين من الناس يهودا وغير يهود .

إن عملية تزييف أمر الهولكست ، أو التقليل من شأن الجريمة ، أو تهوينها ، دعوا عنا إعلان الشماتة في ضحاياها ، لأمرٌ ينقصه الفقه وتنقصه السياسة والحصافة أيضا .

وحين يستجرنا البعض إلى الجدل حول حجم الجريمة ، وإلى أرقام ضحاياها فكأنه يريدنا أن ننسى القاعدة الملية التوراتية - الأنجيلية - القرآنية : ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ). آية صريحة واضحة قاطعة أن حرمة النفس الواحدة من حرمة الإنسانية جمعاء .

ومن حق أن نعيد التأكيد على أننا كما نستنكر الجريمة ، ونستنكر الأسس الفكرية التي قامت عليها ، نستنكر في الوقت نفسه عمليات التوظيف بالباطل التي اتكأت على الجريمة ، فكانت هذه التداعيات الخطيرة التي دفعها العرب والمسلمون .

فلا العرب ولا الفلسطينيون كانوا في لحظة جزء من هذه الجريمة . وإذا كان لليهود مشكلة في أوطانهم التي ولدوا فيها مع مواطنيهم هناك ؛ فحل هذه المشكلة يجب أن يحل في حدود تلك الأوطان .

ونقول لكل الزعماء المحتشدين اليوم في القدس المسلمة العربية الفلسطينية المحتلة إن الهولكست الذي ما زلتم تنفذونه على الشعب الفلسطيني منذ 1948 في وضح النهار وتحت سمع العالم وبصره لا يقل هولا ورعبا من الهولكست الذي نفذه النازي خلسة بعيدا عن عقول البشر الأسوياء وقلوبهم ..

ثم إن هذا الذي ما زال ينفذ على الشعب السوري منذ عقد من الزمان ينضم هو الآخر إلى نفس النوع من الجريمة النازية المتمادية في التعالي على البشر ، والتخلص ممن يسمهم العقل النازي المغلف بالكثير من ورق السولفان بالمنبوذين منهم .

أحقا أن قادة كل العالم أجمعين لم يستطيعوا أن يضعوا حدا لمتوالية القتل في سورية على مدى عشر سنوات ؟! أحقا أنهم لم يستطيعوا أن يأخذوا على يد القاتل المتسلسل مع هذا امتداد الزمان ...؟!

امتد الهولكست النازي أربع سنوات في ظروف حرب كونية، كان يسقط فيها كل يوم المئات من القتلى على كل الجبهات. بينما يستمر الهولكست الدولي في سورية الذي يشارك في إحماء أفرانه كل الوافدين اليوم إلى القدس المحتلة عشر سنين وما يزال الزمن مفتوحا على كل منكر عجيب ,,,,,

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 861