لا مبرر للنيل من الإسلام عن طريق تصفية الحسابات الحزبية والسياسية مع المحسوبين عليه

لقد بات أسلوب النيل من الإسلام عن طريق تصفية الحسابات الحزبية والسياسية مع المحسوبين عليه مكشوفا ،ذلك أن الذين لا يجرؤون على انتقاد دين الله عز وجل  مباشرة وبشكل جلي يجعلون  من خصوماتهم مع المحسوبين عليه  ذريعة للنيل منه بطريقة فاضحة  .

ومعلوم أن الإسلام هو الذي يحكم على المحسوبين عليه، وليس العكس لأن ابن آدم خطّاء ، ولا يمكن أن تحسب أخطاؤه على الإسلام إذا ما ينتسب إليه . والإسلام يزكي المنتسبين إليه طالما التزموا بتعاليمه ، فإن خالفوها كان بريئا من مخالفتهم . وإذا جاز أن ينتقد المنتسبون إليه بسبب خروجهم عن تعاليمه ، فلا مبرر للطعن في تلك التعاليم بل الطعن يكون في خروجهم .

وحين يخوض العلمانيون في انتقاد الإسلام عن طريق انتقاد المحسوبين عليه لا يقبل منهم ذلك، لأنهم أولا خارجون عن تعاليمه بانتسابهم إلى العلمانية التي ترى أن الدين عموما والإسلام على وجه الخصوص هو مجرد طقوس تعبدية ، وأنه يجب أن يظل على هامش الحياة لا دخل له في سياسية أو اقتصاد أو اجتماع أو ثقافة ، وأنها وحدها التي يجب أن تؤطر الحياة ليكون المجتمع مدنيا لا دينيا .

وهذا الاعتقاد العلماني يرفضه الإسلام الذي هو منهاج حياة كما يقدمه كتاب الله عز وجل ، وهو بذلك يغطي كل نواحي الحياة سياسة واقتصادا واجتماعا وثقافة ...

وإذا كان العلمانيون يتمقعون خارج تعاليم الإسلام ،فليس من حقهم انتقاد المحسوبين عليه لأنهم أصلا لا صلة لهم به  حسب تصريحاتهم . وإذا جاز للمحسوبين على الإسلام انتقاد بعضهم بعضا بخصوص الخروج عن تعاليمه ، فلا يجوز ذلك  لمن يصرحون بالخروج عنه علانية  من العلمانيين .

ومن خلال ما ينشره بعض العلمانيين عندنا من  مقالات تتضمن نقدا موجها للمحسوبين على الإسلام، يميل في الغالب  نقدهم إلى استهداف الإسلام تصريحا أو تلميحا ،ويحاولون البرهنة على  ضرورة إقصائه من الواقع لعدم صلاحيته أو لتجاوز الزمن له  كما يزعمون بما يسجلونه مما يعتبرونه  أخطاء يقع فيها المحسوبون عليه، سواء صح ما يزعمون أم لم يصح .

ومع أن شعار الإسلام كما ينص على ذلك القرآن الكريم في قول الله تعالى : (( لا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى  وأن سعيه سوف يرى  ثم يجزاه الجزاء الأوفى ))، فإن العلمانيين يتجاهلون  عمدا هذا الشعار حين ينتقلون من انتقاد أقوال أو أفعال أو مواقف المحسوبين على الإسلام إلى انتقاد تعاليمه ، الشيء الذي لا يدع مجالا للشك بأنهم إنما يتسترون بانتقاد الأشخاص ، ويتخذون ذلك ذريعة للنيل منه لأنه يتعارض مع علمانيتهم التي تريد الانفراد بالحياة دونه.

وإذا كان العلمانيون في الغرب يمارسون علمانيتهم دون أقنعة ، فإن العلمانيين في بلاد الإسلام يتقنعون لإخفاء تبعيتهم لعلمانية الغرب حيث يخوض بعضهم في الحديث عن الإسلام وشرعه وتعاليمه، ويستشهد بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وهو يجادل من يختلف معهم من المحسوبين عليه ، ومنهم من يحرص على التعالم بإظهار العلم والمعرفة والخبرة به ، ولا يخجل من نفسه وهو يقارع متطاولا على أهل العلم والمعرفة والخبرة به من العلماء . ويتخذ هؤلاء بعض الآراء الشاذة التي يحكم أهل العلم بشذوذها ذريعة للنيل من الإسلام دون علم بخلفياتها ، ولا بدوافعها .

ويعطي العلمانيون عندنا أنفسهم حق تصنيف المحسوبين على الإسلام إلى أصناف منهم المتطرف ومنهم المعتدل ، والمحسوب عندهم على التطرف هو الذي لا يقبل علمانيتهم ولا يجاريهم فيها ، والمعتدل هو الذي يتخلى للعلمانية على تدبير شؤون الحياة ، وينصرف إلى الزهد والدروشة ويحرم الاشتغال بالسياسة والاقتصاد  والاجتماع والثقافة ، ويعيش  على نمط عيشة العلمانيين . ومن هنا يخلط العلمانيون ويخبطون في انتقادهم الذين يزاحمون علمانيتهم  في تدبيرها شؤون الحياة بالإسلام ،فيصفونهم تارة بالوهابيين أو السلفيين  وطورا بالإخوان المسلمين أو الإسلامويين مع ما بين هذين التوجهين من فرق لا يخفى على ذي معرفة بهما  ، وفي النهاية يحكمون على هؤلاء جميعا  بأنهم ملة واحدة ، مع أن هذا التعميم  ينسحب  كذلك على العلمانيين ،فهم أيضا ملة واحدة بعلمانيتهم ولكنهم يرون في ذلك بأسا ، بينما البأس عندهم حين يكون المحسوبون على الإسلام ملة واحدة لأنهم ينهلون من منهل واحد  قرآنا وسنة ، وهو ما يجعلهم يصدرون في بعض  أقوالهم ومواقفهم وتصرفاتهم عن نفس المنهل  مع اختلاف في فروع دون الاختلاف في أصول ، ذلك أنه قد يرى بعضهم المحسوبين أن أفضل وسيلة  للتقيد بتعاليم الإسلام الذي به تستقيم الحياة هي تربية الناس عليها وعظا وإرشادا  ، بينما برى البعض الآخر أن ذلك يتحقق  بالعلم  والمعرفة ، كما  يرى آخرون أن المشاركة في الحياة السياسية من صميم التقيد بتلك التعاليم  ... إلى غير ذلك من وجهات النظر التي تبدو مختلفة ،ولكنها تلتقي جميعها في فكرة ضرورة التقيد بتعاليم الإسلام في الحياة بشكل أو بآخر.

ومن هنا يضمر العلمانيون العداء الشديد  للمحسوبين على الإسلام  من الذين  يرون الاشتغال بالسياسة وسيلة للتمكين له في الحياة .

 ومعلوم أن فكرة محاربة ما يسميه العلمانيون في الغرب "الإسلام السياسي" قد تلقفها عنهم العلمانيون في البلاد الإسلامية خصوصا العربية منها ، وهم يسوقون لها بشتى الطرق والوسائل بما فيها ترويج فكرة "شيطنة "من يمارسون السياسة بمفهوم إسلامي . ولهذا واجهت الأحزاب السياسية  ذات التوجه الإسلامي معارضة شديدة حين وصلت إلى السلطة  عن طريق اللعبة الديمقراطية في بعض البلاد العربية بعد ثورات الربيع العربي . ولقد انبرت أنظمة عربية لمنعها من ذلك بشتى الطرق والوسائل، وقد أنفقت على ذلك أموالا  طائلة ، وأشعلت حروبا أهلية وطائفية بسبب ذلك ، وخلقت فتنا  يحتار لها الحليم لمنع الإسلام من أن ينافس العلمانية في ممارسة السياسة ،لأن العلمانية الغربية لا تقبل بذلك، ولا تسمح به إطلاقا  ، وتعتبره بمثابة إعلان حرب عليها ، أو تهديد لمصالحها في البلاد العربية التي تعتبر  بقرة حلوبا توفر لبلاد الغرب العيش الكريم على حساب شقاء شعوبها التي تعاني من أنظمة فاسدة مستبدة تطبق ما يملى عليها من مراكز صنع القرار في الغرب  مقابل بقاء واستمرار جودها في السلطة .

وفي إطار محاربة ما يسمى بالإسلام السياسي، اتخذ العلمانيون من بعض النعوت تهما جاهزة تلفق لمن يخالفهم وجهة نظرهم في إقصاء الإسلام من الحياة  سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، وحصره في دائرة ممارسة بعض الطقوس التعبدية ، ومن تلك النعوت ما يسمونه " الخونجة " نسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين وهي جماعة  صارت تصنف ضمن ما يسمى بالجماعات الإرهابية لمجرد أن فصيلا من فصائل المقاومة الفلسطينية يعتمد فكر أو وجهة نظر تلك الجماعة التي تعتبر مصر مركزها ومنطلقها  ، وهو تصنيف أطلقه الكيان الصهيوني وتبناه الغرب الداعم له . وكل من يختلف مع العلمانيين يجد نفسه متهما بتهمة " الخونجة "، وهي تهمة جاهزة  من شأنها أن تستعدي عليه الأنظمة العربية التي تكاد تجمع على تجريم تلك الجماعة ،و بعضها يحاربها حربا لا هوادة فيها كما هو شأن النظام المصري وبعض الأنظمة الخليجية التي تورطت معه في الإجهاز على أول تجربة ديمقراطية  حقيقية أفضت إلى وصول حزب الحرية والعدالة المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين  إلى السلطة  كما أنها متورطة في كل محاولة لمنع أحزاب أخرى ذات توجه إسلامي من الوصول أو البقاء في السلطة بالنسبة لتلك التي وصلت إليها في أقطارعربية  أخرى .

وتحاول كل الأحزاب يمينية ويسارية  في البلاد التي فازت فيها أحزاب محسوبة على الاتجاه الإسلامي أن  تستفيد من النقد الموجه لها لكسب عطف من ترجو أن يصوتوا عليها مستقبلا لتحل محلها ،علما بأن كثيرا منها كان يحتل مكانها من قبل، ولكنه لم يأت بطائل في فترة حكمه  بل أكثر من ذلك كان بعضها سببا مباشرا في اندلاع ثورات الربيع العربي لسوء سياسته وسوء تدبيره وفشله الذريع  . وتحاول تلك الأحزاب الإيهام  بأنها  تملك العصا السحرية  التي بها تستطيع أن تأتي بما لم تأت به الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ،والواقع أن ما لم يأت مع العروس من جهاز لا يأتي مع أمها كما يقول المثل المغربي .

وفي الأخير لا بد من التنبيه إلى أنه من الظلم والخبث والخسة  النيل من الإسلام بسبب تصفية الحسابات السياسية والحزبية  مع المحسوبين عليه، لأنه منزه عن  هذه الحسابات ، وبريء من أخطاء من ينتسبون إليه  إذا ما أخطئوا ، وأنه لا يزر أوزارهم .

وسوم: العدد 862