بوتين يستطيع أن يكسب الحرب فهل يستطيع أن يخسر حليفه التركي !؟

ما تزال سحب الحرب تتكاثف في سماء الشمال السوري . وبينما الجانب التركي ما زال يجمع أوراقه ، ويعجم - كما تقول العرب - عيدانه ، ويعرب عن جد وعن عزم ؛ فإن الطرف الروسي يبدي كثيرا من الغرور واللامبالاة ، من خلال ما يباشره من عمليات القتل والتدمير ، وما يأمر أدواته بمباشرته ، مما يشكل في حقيقته أقصى درجات الاستفزاز .

لن يكون أي طرف عاقل معني بالساحة مع خيار حرب روسية - تركية ، ولسنا بحاجة إلى استثناء زمرتي الأسد وإيران إلا على سبيل الاستثناء المنقطع ، فمنذ سنين طويلة لم يعد هؤلاء يصنفون في عداد العقلاء ..

والحرب الروسية - التركية ، إن كانت ، فلن تكون بكل تأكيد في مصلحة الروس ولا في مصلحة الأتراك ولا في مصلحة الشعب السوري من أبناء القطاع الشمالي في أرياف اللاذقية وإدلب وحلب على السواء .

 إذن هي بالتأكيد لن تكون في مصلحة الطرف التركي ، الذي يظل الأقدر على تقدير إمكاناته وقدراته ، ولاسيما في ظل ضبابية الموقف الأمريكي كما موقف حلف الناتو على السواء . ضبابية مريبة عبر عنها المسئولون الأتراك في كثير من التصريحات .

لقد جنح صانع القرار التركي منذ 2015 إلى استبدال حليفهم الروسي بخاذليهم في حلف الناتو ، عبر عملية استدارة تاريخية كانت غريبة على التاريخ الدبلوماسي التركي منذ قرون . وقال الكثيرون عندما حدثت هذه الاستدارة عنها الكثير . ويبدو اليوم أن الفضاء الذي حدثت فيه هذه الاستدارة قد بدأ يتآكل ويضيق بل يشتد في الضيق . وهكذا عاد صانع القرار التركي يطالب بالبتريوت ، على حدوده الجنوبية ، بعد أن أعلن أنه استغنى فراهن على أس 400 منذ حين ؛ فأي دلالة في هذا التغير أو التغيير ؟! وهل سيجد ساسة الناتو في مثل هذا جسرا لتدارك خطأهم التاريخي ، أو أنهم سيمعنون في سياسة الخذلان ، في فرصة لتعميق الشرخ ، وتأكيد كل الشبهات التي تدور في أذهان الترك وجيرانهم من السوريين ..؟!

وإذا انقطعت بصانع القرار التركي في هذه الجولة من الصراع الحبال ، وسدت في وجهه السبل ، وواجه الخيارات الصعبة التي ظل يراوغ عنها على حدوده الجنوبية طوال خمس سنين فهو سيجد نفسه بلا شك في مأزق كبير إذا لم يدخل الحرب ، ولكنه سيكون في مأزق أكبر بكل تأكيد لو دخلها منفردا أو بظهر مكشوف ..وتلك هي حقيقة الأزمة التي يعيشها اليوم !!

ولكن هذه الثقة المبالغ فيها عند المحورين الدوليين الأعظم ، والمسلفنة عند بوتين الروسي بكثير من الغرور ؛ قد تمنح بوتين ومن ورائه كل الغرب جولة ، وقد يكون ثمن هذه الجولة الكثير من الدماء والآلام يدفعها السوريون على الساحة بشكل خاص ، ولكن كل ذلك لن يعني أبدا شكلا من أشكال الانتصار ..!!

ولو انتصر السوفييتي أو الأمريكي في أفغانستان منذ أربعين سنة فسينتصرون اليوم في الشام !! وعلى الذين يقيسون نتائج الحروب بموازين القوى العسكرية المادية فقط أن يراجعوا حساباتهم . نتائج الحروب تحسمها مع النار والبارود كثير من العوامل منها الجغرافيا والديموغرافيا والثقافة والاجتماع والاقتصاد . وربما أن الدولة الروسية ليست في رفاهية كل هذه العوامل كما هي في رفاهية تجريب السلاح . وعندما أعلن غورباتشوف الاستسلام لم تكن ترسانات السلاح الروسي ينقصها الكثير .

وربما على الذين يجرون هذه المقارنات أن يعيدوا الموازنة الدقيقة حول حاجة الروس لتركية ، على ضوء حاجة الأتراك لروسية على التوازي وبالقسطاس المستقيم .

المشهد شديد التعقيد . ونذر الحرب تتفاقم يوما بعد يوم . وتبقى الحرب أسوأ الخيارات وأكثرها كارثية على الجميع .

وسنظل نكرر أن السوريين السوريين السوريين ، والذين يبدون الحلقة الأضعف في المشهد أجمع ، هم الأقدر من بين جميع الأطراف على تغيير سياقات المعركة ، والمعركة لا تعني دائما الحرب ، وحسم نتائجها وكل المطلوب منهم فقط أن يأخذوا الكتاب بقوة .

المطلوب ممن تقدم فقط أن يتقدم إذا قيل قدمها حضين تقدما ..

حروب التحرر والتحرير تخاض بالعزيمة والإرادة والاستبصار وليس فقط بالفيلق والفصيل والمفاوض الهزيل ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 865