من باصات "داعش" إلى تخريجة الفاخوري

لم يكن سلاح "المقاومة" الموجَّه ضد اسرائيل يومًا من الأيام محلّ خلافٍ بين اللبنانيين، بل إنّ الخلافات كانت وما زالت تدور حول طريقةِ استخدام هذا السلاح ضمن استراتيجيّةٍ دفاعيّةٍ تكون فيها الدولة اللبنانية صاحبة القرار في السلم والحرب ويكون للجيش اليد المُطلَقة باتخاذِ القرار الأنسَب في الحالتَيْن.

الأبرز، أنّ جميع اللبنانيين ومن دون أي تمييز بينهم لا مذهبيًا ولا حزبيًا، كانوا يواكبون العمليات ضد العدو الإسرائيلي ويتعاطفون أكثر فأكثر مع هذه "المقاومة"، ومواقف قادة حزب الله ما زالت شاهدة على هذا التعاطف وتحديدًا في حرب تموز 2006. لكن ما الذي حصل بعد هذا التاريخ؟

ارتفعت نسبة الإنتقادات ضد سلاح حزب الله واختلطت نظرة جزءٍ كبيرٍ من اللبنانيين بين السلاح غير الشرعي وسلاح "المقاومة" يوم انخرطَ "الحزب" في الحرب السورية، وبقيّة القصّة معروفة لدى الجميع رغم انقسام الآراء حولها. بعدها خرج الاجماع ولأول مرّة عن محلهِ حول المقاومة وسلاحها يوم لعبت المصالح المذهبية دورها في الداخل السوري عندما سمح حزب الله في العام 2015 بعبور 123 شخصًا من المسلحين في الزبداني مع عائلاتهم الحدود السورية - اللبنانية نحو مطار رفيق الحريري الدولي حيث أقلتهم طائرتان تركيتان الى مطار "هاتاي" في تركيا، مقابل فك الحصار عن قريتي "الفوعا" و"كفريا" الشيعيتَيْن.

بعد "الفوعا" و"كفريا" بسنتَيْن، حطّ حزب الله رحاله عند تسويةٍ جديدةٍ مع "جبهة النصرة" تحديدًا في تموز 2017 وذلك عندما سمحَ بخروجِ 113 حافلة تضم عناصر "النصرة" من جرود عرسال من بينهم أبو مالك التلة المطلوب رقم واحد عند حزب الله، أيضًا ضمن تخريجةٍ جرى تغطيتها بحرفيةٍ عاليةٍ إعلاميًا وسياسيًا، بينما الحقيقة أنّ "الصفقة" كانت معقودة على إطلاق سراح أسرى لحزب الله وسط إصرار المسلحين على الخروج بأسلحتهم.

بعد "النصرة"، حطّت التسوية هذه المرّة مع تنظيم "داعش"، فكانت بمثابة الصدمة الكبرى ليس لخصوم حزب الله فحسب، بل لجمهوره وبيئته وحتّى جزء كبير من عناصره وصولاً الى حلفائه في الداخل والخارج وتحديدًا في العراق، يومها خرج عناصر "داعش" من الجرود بباصاتٍ مكيّفةٍ بعضها لمؤسسات تربوية تابعة لـ"الحزب"، الأمر الذي أثار موجة غضبٍ عارمةٍ خصوصًا أنها "صفقة" جمعت بين فصيلين متناحرين حتّى الموت ومتناقضين فكريًا وإيديولوجيًا.

كل هذا كان يُزيد في التساؤلات حول دور سلاح حزب الله وما إذا كان نتاج وجود احتلال للبلاد وعدو يتربّص بالحدود، أو أنه وجد لحماية مصالح دول إقليمية وكقاعدة متقدمة على البحر المتوسط لهذه الدول للدفاع عن مشروعها في المنطقة، إلى أن جاءت الطامة الكُبرى بتخريجة العميل عامر الفاخوري من سجنه بموافقة جميع القوى الموجودة في السلطة على رأسها حزب الله وهو الذي يُحكم قبضته على رئاسة المحكمة العسكرية الخاضعة له بحسب التوزيعات المذهبيّة في لبنان، وهو ما يعني أن لا قرار يُمكن أن يخرج عنها من دون موافقته، فكيف إذا كان الموضوع يتعلّق بعميل بحجم الفاخوري له في كل منزل جنوبي وغير جنوبي، بصمّة اجرام لا يمحيها حتّى حبل المشنقة.

في تخريجة الفاخوري رغم بيان حزب الله، ثمة إدانة واضحة للأخير خصوصًا وأنها ترافقت مع مجموعةِ مساعداتٍ مادية وغذائية للجمهورية الاسلامية الايرانية التي أفرجت بدورها عن 85 الف سجين معتقل من بينهم المئات من الأجانب أو المزدوجي الجنسية.

أمّا ما يُحكى عن خلافٍ بين الحزب ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حول عملية اطلاق سراح الفاخوري، فتؤكد مصادر سياسية شيعيّة بارزة لـ"ليبانون ديبايت"، أن الأميركي كان طلب من باسيل اخراج الفاخوري من سجنهِ وهذا الأخير قد نفَّذَ وعده بعد تهديده ومن حوله بإخضاعهم لقانون "ماغنيتسكي" الذي يخوّل الإدارة الأميركية فرض عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم من خلالِ تجميد أصولهم وحظرهم من دخول الولايات المتحدة وقد تمتدّ العقوبات لأمور أخرى.

وسوم: العدد 869