هل نحن في حالة حرب مع «كوفيد - 19»؟

ما إن تحوّل فيروس كورونا (كوفيد - ١٩) إلى وباء، حتى صدرت على لسان العديد من المسؤولين حول العالم تصريحات تشير إلى أنّنا في حالة حرب حقيقيّة مع هذا الفيروس. على المستوى الطبي، هناك من وصف القطاع الصحي والمستشفيات التي تقع تحت الضغط الهائل نتيجة ارتفاع عدد مصابي وضحايا فيروس كورونا بأنّها تحوّلت إلى ما يشبه «منطقة حرب»، وأن الأطباء يقفون في الجبهة الأمامية للحرب ضد «كوفيد - ١٩».

بعض الدول أعلنت حالة الطوارئ واستنفرت أجهزتها، والبعض الآخر فرض حظر تجوال، وأغلق العديد من المدن، وطلب المساعدة من القوات المسلحة، لتنفيذ الإجراءات الاستثنائية في إطار مكافحة «كوفيد – ١٩». في خطابه يوم ١٢ مارس، ذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جملة «نحن في حالة حرب» ست مرات، أمّا الرئيس الأميركي فقد قدّم نفسه على أنه رئيس في زمن الحرب، وفعّل قانون الدفاع الوطني، وكذلك فعلت عدّة دول.

أثار هذا الطرح جدلاً في الأوساط الأكاديمية والإعلامية؛ إذ اعترض البعض على إطلاق وصف «الحرب» على الجهود التي تتم لإيقاف انتشار الوباء، ومن بين هؤلاء دايفد بنسون، أستاذ دراسات الاستراتيجيات والأمن في كليّة دراسات الجو والفضاء المتقدمة. ووفقاً لبنسون، فإنّ استخدام وصف «الحرب» مُضلّل لعدّة أسباب، من بينها أن الحرب هي تنافس قاتل بين فاعلين استراتيجيين، غالباً ما تكون الحرب بين دولتين، وفي بعض الأحيان جماعات إرهابية، وأنّ الأمراض والمخدرات والفقر هي مشاكل فظيعة، لكنّها ليست فاعلاً استراتيجياً.

ويرى بنسون أنّ الحروب والأوبئة تتطلب تعبئة ضخمة للموارد، لكن وبما أنّ الأوبئة ليست فعلاً استراتيجياً، فإنّ التشكيلات والممارسات المتّبعة والمفيدة عادة في الحرب قد تصبح غير مثمرة، وتأتي ربما بنتائج عكسية. وفي هذا السياق، يشير مثلاً إلى أن المركزية القوية مطلوبة في الحروب لتفادي الموارد المحدودة والثمينة، لكن المركزية الشديدة في مكافحة الوباء قد تكون مكلفة للغاية؛ لأنّها تقيّد الجهود المستقلة خارج الحكومة، كالجمعيات الخيرية، أو مقدمي الرعاية الصحية، أو مراكز البحوث والتطوير، وهذا يعني كفاءة أقل في تطوير الأدوية وعلاج المرضى.

في المقابل، هناك من يرى أن الوباء، كما العدو، بإمكانه أن يضرب في أي مكان وزمان، وأن يتسبب بالقتلى والمصابين، وأن الناس تعرف الحرب، وتداعياتها من خلال الألم والخسائر والقتلى، وهم يدركون أيضاً أن الحروب تحتاج إلى تضحيات عندما تقع، وأن هناك حاجة لتعبئة الموارد في زمن الحرب، وهذا تماماً ما يحصل الآن في مواجهة وباء فيروس كورونا.

من هذا المنطلق، فإن أصحاب هذا الرأي يعتقدون أن استخدام مصطلح «الحرب» في هذا الموقف من شأنه أن يحفّز الجمهور ويشد انتباههم إلى خطورة الوضع ومدى دقته، وأن يدفعهم كذلك إلى التعبئة والاستنفار، وأخذ التعليمات على محمل الجد، فالأمر قد يحول بين المرء والموت.

وبين هذا وذلك، هناك من يتّفق بأن ما يجري هو بمثابة حرب ضد الفيروس في نهاية المطاف، وإن لم يتطابق ذلك مع المراجعات الأدبية والتعريفات التقليدية للحرب، لكنه يرى أنه من الواجب الحذر من استغلال السياسيين هذا التوصيف لتجاوز القوانين، أو لتجاهل اتخاذ تدابير ضرورية لحماية الناس، أو ربما لتبرير الخسائر التي تصيب الناس، والتي من المفترض بالحكومة أن تتحمّل مسؤوليتها بالدرجة الأولى.

وسوم: العدد 871