مجمع الفقه التابع لمنظمة التعاون الإسلامي يصدر توصيات ندوة "فيروس كورونا المستجد وما يتعلق به من معالجات طبية وأحكام شرعية"

منظمة التعاون الإسلامي

جدة، 20 ابريل 2020

أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي توصيات الندوة الطبية الفقهية الثانية لهذا العام، والتي عقدت عبر تقنية مؤتمرات الفيديو يوم 16 ابريل 2020، تحت عنوان "فيروس كورونا المستجد (كوفيد ــ 19) وما يتعلق به من معالجات طبية وأحكام شرعية". وجاءت التوصيات على النحو التالي:

التعريف بالمرض: مرض الفيروس التاجي 2019 المعروف اختصاراً بكوفيد 19 هو التهاب في الجهاز التنفسي بسبب فيروس تاجي جديد، وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية رسمياً أن هذا الوباء جائحة عالمية في 11 مارس 2020م. ويظن أن الفيروس حيواني المنشأ في الأصل، ولكن الحيوان الخازن غير معروف حتى الآن بشكل مؤكد وهناك شبهات حول الخفاش وآكل النمل، وأما انتقاله من إنسان لآخر فقد ثبت أنه واسع الانتشار. وتتراوح العدوى بين حامل الفيروس من دون أعراض إلى أعراض شديدة. تشمل الحمى والسعال وضيق التنفس (في الحالات المتوسطة إلى الشديدة)؛ قد يتطور المرض خلال أسبوع أو أكثر من معتدل إلى حاد. ونسبة كبيرة من الحالات المرضية تحتاج إلى عناية سريرية مركزة؛ ومعدل الوفيات بين الحالات المشخصة بشكل عام حوالي 2% إلى 3% ولكنها تختلف حسب البلد وشدة الحالة. ولا يوجد لقاح متاح لمنع هذه العدوى. وتبقى تدابير مكافحة العدوى هي الدعامة الأساسية للوقاية (أي غسل اليد وكظم السعال، والتباعد الجسدي للذين يعتنون بالمرضى بالإضافة إلى ما يسمى بالتباعد الاجتماعي بين الناس). والمعرفة بهذا المرض غير مكتملة وتتطور مع الوقت؛ علاوة على ذلك، فمن المعروف أن الفيروسات التاجية تتحول وتتجمع في كثير من الأحيان، وهذا يمثل تحد مستمر لفهمنا للمرض وكيفية تدبير الحالات السريرية. ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية وأحكامها تمتاز بصفات عديدة من أهمهما: رفع الحرج والسماحة والتيسير ودفع المشقة وقلة التكاليف، وإذا وجد ما يصعب فعله ووصل الأمر إلى درجة الضرورة، فقد شرع الله تعالى رخصاً تبيح للمكلفين ما حرم عليهم، وتسقط عنهم ما وجب عليهم فعله حتى تزول الضرورة، وذلك رحمة من الله بعباده وتفضلاً وكرماً، ففي الفقه الإسلامي قواعد فقهية مهمة حاكمة لأوقات الأزمات، من أهمها: قاعدة رفع الحرج والسماحة، وقاعدة المشقة تجلب التيسير، وإذا ضاق الأمر اتسع، وقاعدة الأخذ بالرخص أولى من العزيمة حفظاً للنفوس، وقاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة التصرف على الرعية منوط بالمصلحة، وقاعدة للإمام تقييد المباح في حدود اختصاصه مراعاة للمصلحة العامة. لذلك كان هنالك ضرورة لحماية النفس وصحة الإنسان فيجب على المسلمين أن يحافظوا على أنفسهم بقدر المستطاع من الأمراض، وقد أوجبت الشريعة الإسلامية إنقاذ الأرواح والأنفس من الهلاك، وجعلت إنقاذ النفس حقا لكل فرد، بالوقاية من الأمراض والأسقام قبل حدوثها وبالتداوي بعد حدوثها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (عبادَ اللهِ ! تداووا، فإنَّ اللهَ تعالَى لم يضع داءًا إلا وضع له الدواءَ إلا داءً واحدًا الهرَمُ)،[في روايات متقاربة عند البخاري ومسلم وأحمد وأبي داود والترمذي والنسائي والبيهقي]، إذ إن الحفاظ على النفس البشرية من مقاصد الشريعة الأساسية والتي تشمل بالإضافة إلى حفظ النفس: حفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، قال سبحانه وتعالى: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[سورة المائدة، 32]، كما يحق لجهات الاختصاص إلزام الناس بعلاجات معينة، ويحق لها القيام بإسعافات وتدخلات طبية خاصة بالجائحة، ذلك أن “مما تقتضيه عقيدة المسلم أن المرض والشفاء بيد الله عزَّ وجل، وأن التداوي والعلاج أخذ بالأسباب التي أودعها الله تعالى في الكون وأنه لا يجوز اليأس من روح الله أو القنوط من رحمته، بل ينبغي بقاء الأمل في الشفاء بإذن الله.” انظر: قرار المجمع رقم: 67 (5/7) بشأن العلاج الطبي، في دورته السابعة التي عقدت في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، لذلك يرفض الإسلام ما يسمى بمناعة القطيع أو الجمهور، والذي يدعو لترك انتشار المرض أولاً والذي سيهلك به الذين يستحقون الهلاك من كبار سن ومن الذين تعددت أمراضهم، لأن في ذلك تقاعس عن المعالجة المطلوبة شرعاً. يجوز للدول والحكومات فرض التقييدات على الحرية الفردية بما يحقق المصلحة سواء من حيث منع الدخول إلى المدن والخروج منها، وحظر التجوّل أو الحجر على أحياء محددة، أو المنع من السفر، أو المنع من التعامل بالنقود الورقية والمعدنية وفرض الإجراءات اللازمة للتعامل بها، وتعليق الأعمال والدراسة وإغلاق الأسواق، كما إنه يجب الالتزام بقرارات الدول والحكومات بما يسمى بالتباعد الاجتماعي ونحو ذلك مما من شأنه المساعدة على تطويق الفيروس ومنع انتشاره لأن تصرّفات الإمام منوطة بالمصلحة، عملاً بالقاعدة الشرعية التي تنص على أن (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة). النظافة في الإسلام عبادة وقُربة والأدلة على ذلك كثيرة قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ)[سورة المائدة، 6]، قال سبحانه تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[سورة البقرة، 222]، وقال تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)[سورة المدثر، 4]، وقال صلى الله عليه وسلم: (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ)[مسلم]،ولذلك يجب الالتزام بأحكام النظافة الشخصية العامة والاحتياطات الخاصة بهذه الجائحة ومنها: غسل اليدين بالماء والصابون ولبس الكمامات والقفازات، والالتزام بالتوجيهات الصحية الصادرة من الجهات المسؤولة واجب شرعاً للتوقي من الفيروس، ويجوز استخدام المعقمات المشتملة على الكحول في تعقيم الأيادي وتعقيم الأسطح والمقابض وغيرها، حيث إن “مادة الكحول غير نجسة شرعا”، انظر: قرار المجمع رقم 210 (6/ 22) بشأن الاستحالة والاستهلاك في المواد الإضافية في الغذاء والدواء في دورته الثانية والعشرين التي عقدت في دولة الكويت. أن عزل المريض المصاب بالفيروس واجب شرعاً كما هو معروف، وأما بخصوص المشتبه بحمله للفيروس أو ظهرت عليه أعراض المرض أثناء الحجر المنزلي فيجب عليه التقيد بما يسمى بالتباعد الاجتماعي عن أسرته والمخالطين له من عامة الناس، وكذلك لا يجوز لمن ظهرت عليه أعراض المرض أن يخفي ذلك عن السلطات الطبية المختصة وكذلك عن المخالطين له، كما ينبغي على من يعرف مصاباً غير آبه بالمرض أن يعلم الجهات الصحية عنه لأن ذلك يؤدي إلى انتشار هذا المرض واستفحال خطره، وعليه تنفيذ كل ما يصدر عن السلطات الطبية المختصة، وعليها أن تعزر من أصيب بهذا المرض وأخفاه، قال الله تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[سورة البقرة، 195]، وقال سبحانه وتعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[سورة النساء، 29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها)[البخاري]، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ)[أبو داوود وابن ماجة ومالك والحاكم والبيهقي]، وبخصوص الطاعون جاء الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فليس مِن رَجُلٍ يَقَعَ الطاعونُ فيَمكُثُ في بَيتِه صابِرًا مُحتَسِبًا يَعلَمُ أنَّه لا يُصيبُه إلَّا ما كَتَبَ اللهُ له إلَّا كان له مِثلُ أجْرِ الشَّهيدِ)[البخاري]. يؤكد الأطباء والمختصون أن التجمعات تؤدى إلى الإصابة بفيروس كورونا ولذلك لا بد من الأخذ بالأسباب، والابتعاد عن التجمعات بجميع أشكالها وصورها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ)[سورة النساء، 71]، ويشمل ذلك جواز إغلاق المساجد لصلاة الجمعة والجماعة وصلاة التراويح، وصلاة العيد، وتعليق أداء المسلمين للحج والعمرة، وتعليق الأعمال، وإيقاف وسائل النقل المختلفة، ومنع التجوال، وإغلاق المدارس والجامعات والأخذ بمبدأ التعليم عن بُعد وأماكن التجمع الأخرى، وغيرها من صور الإغلاق. ولا بد عند تعطيل المساجد في الجمع والجماعات من الإبقاء على رفع الأذان لأنه من شعائر الإسلام، ويقول المؤذن في الأذان “صلوا في رحالكم أو في بيوتكم” اقتداء بما رواه ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما عن الرسول صلى الله عليه وسلم [البخاري ومسلم وغيرهما]، ويجوز للمسلمين الذين يعيشون في البيت نفسه أن يصلّوا في جماعة إذا رغبوا، ولا يدعى لها الجيران، أما إذا كان من بين الذين يعيشون في البيت نفسه مشتبه بأنه مصاب وقرر عليه الحجر المنزلي انتظاراً للحكم عليه فيجب أن يلتزم بما طلب منه طبياً والذي يمنعه من صلاة الجماعة حرصاً على قاعدة التباعد الاجتماعي، حتى لا يعدي غيره. وعند تعطيل المساجد يصلي الناس صلاة الجمعة ظهراً في البيوت بدلاً من صلاة الجمعة، فصلاة الجمعة في البيوت لا تجوز، ولا يسقط فرض الجمعة بها، إضافة إلى ذلك يجوز للسلطات المختصة أن تنظم خطبة وصلاة الجمعة في أحد المساجد بحيث يلتزم فيها بالشروط الصحية الوقائية والفقهية، وتنقل عبر شاشات التلفزة والإنترنت والمذياع لاستفادة الناس من ذلك، ولا بد من التنبيه بأنه لا تجوز صلاة الجمعة والجماعة في البيت خلف الإمام عند النقل بهذه الوسائل لوجود المسافات العازلة بينهم. ويجوز للعاملين في المجالات الصحية والأمنية ومثيلاتها في هذه الجائحة، الأخذ برخصة الجمع بين الصلوات، جمعَ تقديم أو تأخير، قياساً على السفر بجامع المشقة والحاجة، أو الجمع الصوري لمن لا يصح في مذهبه الجمع بين الصلوات. أما فيما يتعلق بصيام شهر رمضان فالصيام لا يؤثر على الصحة بصفة عامة، ولا يزيد من خطر إصابة الصائم بالفيروس، كما إنه لا يوجد دليل علمي على أن جفاف الفم يقلل من المناعة ضد الفيروس، ولذا فيبقى واجب صوم رمضان على أصله، وقد أكد الأطباء والمختصون بأنه لا تأثير لفيروس كورونا على الصيام، ولذلك، فإنه لا يجوز الإفطار بدعوى وجود فيروس كورونا، ويجب الصيام على كل مكلف قادر صحيح مقيم. وأما المريض المصاب والمشتبه به، فإن حكم صيامهما يتوقف على ما يقرره الطبيب المعالج، فيجب على الناس الصيام إلا إذا كان يؤثر على صحة بعض الأشخاص برأي الأطباء النصحاء الثقات المعالجين لحالتهم، وكذلك يجوز للممارسين الصحيين الذين قد يلحقهم الضعف والوهن، وقد ينشغلون فترة الإفطار عن الفطور والسحور معاً فيجوز لهم الفطر، وعليهم أن يلتزموا جميعاً بما يجب عليهم من قضاء أو كفارة في حالة العجز عن القضاء وذلك بأن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، أما بالنسبة لصلاة التراويح وقيام الليل فيقوم المسلمون بصلاتهم في بيوتهم إذا أرادوا، ولهم أجر ذلك. حث الدول والأفراد على مساعدة كل من انقطعت به سبل العيش نتيجة هذه الجائحة قال تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)[سورة الحديد، 7]، وقال سبحانه: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)[سورة البقرة، 245]، وقال جل من قائل: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[سورة البقرة، 261]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)[مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ)[البخاري ومسلم]، أما تعجيل دفع الزكاة عن عام أو أكثر فيجوز وبخاصة في مثل هذه الظروف التي يحث فيها على التبرع، وكذلك يجب أن يحرص المجتمع على القرض الحسن، والمساعدة قدر الإمكان، ويجب مدّ يد العون والمساعدة إلى المحتاجين من الأقارب والجيران والأصدقاء والفقراء، كما يجب دعم صناديق الزكاة والتكافل الاجتماعي التي أعلن عنها في أكثر من بلد، قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[سورة التوبة، 32]، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ)، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل”،[مسلم وأبو داود والبيهقي وغيرهم]، أما بخصوص زكاة الفطر فهي فرض (قال ابن عمر: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، وقال: أغنوهم في هذا اليوم)[البيهقي والدارقطني]، والمراد في أول أيام عيد الفطر، وأما في هذه الجائحة فيجوز إخراجها مع دخول شهر رمضان. يجب تغسيل الموتى وتكفينهم ولو برش الماء فإن تعذّر فالتيمم، فإن تعذّر يسقط وجوب الغسل على أن يقوم بذلك الملتزمون صحياً، فلا بد أن يرتدي المغسلون والمغسلات ملابس حافظة، ويجب أن يكون هناك حد أدنى من الناس لغسل الموتى للتقليل من مخاطر انتقال الفيروس، فلا يجوز إجراء التكفين والدفن إلا تحت إشراف الخبراء المختصين مراعاة لعدم انتقال العدوى مع الالتزام بأي إجراءات يقررونها مثل وضع جثث الموتى في أكياس بلاستيكية محكمة الإغلاق، ثم يصلى عليه. ويمكن لمن شاء من المسلمين أن يصلي عليه صلاة الغائب ولو فرادى في أي مكان متاح، ولا يجوز حرق جثامين المسلمين في أي حال من الأحوال، ولا بد من الإسراع في الدفن ذلك لأن التأخر عنه مكروه شرعاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ)[البيهقي]. يجوز غسل موتى الأوبئة بأجهزة التحكم عن بعد، والتي تجمع بين الوفاء بشروط وواجبات وسنن غسل الموتى في الشريعة الإسلامية والاشتراطات الصحية والبيئية المرعية. والدعوة موجهة للمختصين في هذا الشأن من المسلمين للمسارعة بإنتاج مثل هذه الأجهزة. والتعزية مستحبة؛ وتؤدى بطرق عدة، أثناء الجائحة، فيجوز العزاء عبر وسائل الاتصال المختلفة دون الزيارة الشخصية خشية انتقال الفيروس. يجب على كل المسلمين ووسائل الإعلام المتعددة ووسائل التواصل الاجتماعي تجنب نشر الشائعات المخوفة للناس، كما يجب على الجميع الوقوف في محاربة الأخبار الكاذبة وغير الموثوقة، تجنباً للآثار السلبية المترتبة على ذلك، قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[سورة ق، 18]، بالإضافة إلى حثهم على استخدام جميع وسائل الإعلام والنشر ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر الوعي الطبي وأحكامه الدينية بشكل صحيح وكل الأحكام المتعلقة بمواجهة هذه الجائحة، وبث الأمل والفأل الحسن في قلوب العامة، وتكثيف المحاضرات في مجال تقوية المناعة، والمحافظة على العلاقات الأسرية، وذلك بإشراف الجهات الرسمية في كل بلد بحسبه. يجب أن نؤكد في هذه الأزمة على حرمة تناقل الفتاوى المناقضة للفتاوى الصادرة عن هيئات العلماء ودور الإفتاء الشرعية المعتمدة، لما في ذلك من إثارة للبلبلة في المفاهيم الدينية، وتضارب بالفتوى، وبخاصة استيراد فتاوى من بلدان أخرى قد أفتى بعض الناس فيها بفتاوى مختلفة عن فتاوى أهل البلد، تجنباً لهذا المحظور، وعلى الجميع الالتزام بالفتاوى الصحيحة الصادرة عن الجهات المختصة كل في بلده التي يعيش فيها. يجب على الحكومات والجهات المعنية تأمين عدد كافٍ من أجهزة التنفس لمعالجة الحالات التي تتطلب استخدام تلك الأجهزة، ويجب على الأطباء الالتزامُ بالمعايير الطبية والأخلاقية، ويقَدّم من يُرجى شفاؤه على من لا يُرجى شفاؤه في توزيع أجهزة التنفس الصناعي عند تعدد المرضى وقلة الأجهزة، ذلك أن العلاج في موضوع الجائحة موكول إلى فريق طبي، أو إلى الطبيب، إن لم يوجد فريق، ويخضع أمر علاج المريض إلى المصلحة والمرجحات الطبية، وفقا لقاعدة: “التصرف على الرعية منوط بالمصلحة”؛ فتصرف الطبيب أيضاً على المرضى منوط بالمصلحة، ولقاعدة “لا يقدم أحد في التزاحم على الحقوق إلا بمرجّح”؛ فالطبيب عليه أن يجتهد بناء على خبراته ووفقاً لأخلاقيات مهنته، في مرجحات منها: “اختبار القدرة على الاستفادة بسرعة” لمعرفة درجة الخطورة بين المرضى، ومن يؤثر عليه الإسعاف إيجاباً أكثر من غيره، ومن هو الأحق بتقديمه للإنعاش، مع مراعاة رغبة المريض، فيقدم الجهاز للمريض بناء على هذه المرجحات، وأما إذا تساووا في مرجحات التقديم عند التزاحم فيقرع بينهم، فلا يقدم صاحب المنزلة الاجتماعية على غيره، ولا يقدم الصغير على الكبير، فكيف يقدم ذو الجاه على غيره، وكيف يقدم الأبناء على الآباء، فكلهم متساوون في الإنسانية، ولذا يرفع الجهاز عن المريض الذي لا يُرجى شفاؤه، وذلك إذا تبين أن حالة المريض تزداد سوءا، أو لم يستجب للجهاز، أو أنه بعد الرفع لن تستمر حياته حياة مستقرة اعتيادية فلا مانع من رفع الجهاز عنه. على الدول والجهات الخيرية القادرة تأمين جميع ما يحتاج إليه الطاقم الطبي من أجهزة وأدوية وذلك عن طريق التصنيع أو غيره، كما أن عليها التبرع بالمعدات والأجهزة الطبية التي تحتاج إليها الدول والمجتمعات في أنحاء العالم لمواجهة هذه الجائحة التي تهدد البشرية جمعاء. وفي ظل غياب دواء خاص لعلاج المرض، ولقاح خاص للوقاية من الفيروس مبرهن على فاعليتهما وسلامتهما فيجب على الأطباء والعلماء المختصين إذا يسرت لهم الأسباب للقيام بتجارب علمية لإيجاد دواء ولقاح، أن تكون البحوث حسب المناهج والاشتراطات البحثية المعتمدة عالمياً، وأن تكون منضبطة بالضوابط الشرعية الواردة في قرار المجمع رقم 161 (17/10) بشأن الضوابط الشرعية للبحوث الطبية البيولوجية على الإنسان في دورته السابعة عشرة التي عقدت في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، ويجب العمل على تأمين كل سبل الدعم المتاحة لهذه المشاريع والحث على التبرع لها. يجب على الدول مراقبة الأسعار بهدف منع الاحتكار ووضع الأسعار المناسبة وذلك لأن التلاعب فيها حرام شرعاً، ويجب وضع الخطط الاقتصادية المناسبة لهذا الوضع لتأمين كل السلع المحتاج إليها، وأن تخزين السلع الضرورية فوق الحاجة لا يجوز لأن في ذلك رفعاً للأسعار كما أنه يؤدي للإسراف المنهي عنه شرعاً. يجوز عقد النكاح عبر وسائل الاتصال المتعددة عند الحاجة ما دام يحتوي على الأركان والشروط اللازمة، وذلك بمعرفة السلطات المعنية، ويجب أن تقتصر حفلات الأعراس على الأقربين من أهل العروسين، وبأقل عدد ممكن مع مراعاة الأحكام والتوجهات الطبية. لذلك كله علينا جميعاً أن نتوجه بالدعاء وطلب الحفظ من الله تعالى من هذه الجائحة وعلى المرضى التوجه إلى الله تعالى بطلب الشفاء والمعافاة لأن الله هو الشافي المعافي وصاحب الأمر كله، وذلك من منطلق الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره قال تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[سورة النمل، 62]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ)[البخاري ومسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ)[مسلم]. ويرفع مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي والمشاركون في الندوة التي عقدها بأصدق معاني التقدير والشكر والإشادة لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين ولإخوانهم ملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي ولحكوماتهم حفظهم الله تعالى ورعاهم جميعاً على ما يبذلونه من جهود للتصدي لهذه الجائحة، ولكل من يساهم في مواجهتها من سلطات وفعاليات وبخاصة الممارسين الصحيين ورجال الأمن وغيرهم في كل الميادين ممن يعملون بجد واجتهاد في سبيل حفظ المجتمع وصحته وسلامته، متحملين المخاطر والصعاب في جميع الدول العربية، والإسلامية، والعالم أجمع.

وسوم: العدد 873