لماذا "حارس القدس" لا "حارس حلب" في مسلسل عن المطران كبوتشي؟ "أولاد آدم" عن فساد الأجهزة الأمنية.. ولكن!

يكفي أن يلمح المرء اسم المخرج باسل الخطيب على عمل فني (فما بالك إن كان اسم السيناريست حسن م يوسف إلى جانبه!) حتى يعرف أن اتجاه العمل سيمضي إلى نصرة النظام السوري، والنظام الممانع عموماً. فوق ذلك، لم يحاول هذا الثنائي (المخرج والكاتب)، ولو لأسباب إبداعية، تمويه هذه الحقيقة في مسلسل يتناول سيرة المطران هيلاريون كبوتشي المعنون بـ “حارس القدس”، ففي المشهد الأول، والمؤرخ بـ 22 -12 -2016، سيتلقى المطران (رشيد عساف)، الحلبيّ المولد، اتصالاً هاتفياً ينبؤه بـ “تحرير حلب”، فرحته حينذاك لا يعطيها لأحد: “هذه أحلى خبر سمعته بحياتي”، بعدها ستدور الحلقات التالية حول هذا الحدث: عرض عسكري للمنتصرين في شوارع المدينة على إيقاع أغنية “موطني”، تغنيها ميادة بسيليس. سيدة فلسطينية مقدسية من مخيم اليرموك كانت تبحث عنه طويلاً لتهديه شتلة إرضاءً لذكرى والدها (رفيق المطران في سجنه الإسرائيلي) المتوفى بعد الخروج من المخيم. مشاهد من أنقاض حلب. امرأة ما زالت تبحث عن ابنها تحت الأنقاض. حلبية تقيم في روما (أمل عرفة) تأتي لتبارك للمطران وتقرر العودة إلى حلب وتعده بأن تأتي له باللحم بعجين ودبس الرمان الذي يحبه.

أين القدس إذاً في هذه الحلقات التأسيسية؟! يبدو أن علينا هذه المرة أن نستحضر قولاً معاكساً لعبارة محمود درويش الذائعة “ندعو لأندلس إن حوصرت حلبُ”، فالقدس هنا ليست سوى ذريعة، والهدف هو الاحتفال بـ “تحرير حلب من الإرهابيين”. إلا إذا قررت السيدة المقدسية، ابنة مخيم اليرموك، أن تخبر المطران في الحلقات المقبلة بمأساة المخيم، وما فعل به النظام من قتل وتدمير وتهجير، فيصبح ذلك مدخلاً لفهم أسباب ضياع القدس وفلسطين!

وبالمناسبة؛ لماذا اتخذ المسلسل اسم “حارس القدس” لا “حارس حلب”، ما دامت حلب هي جوهر السيرة؟ الجواب: لأن اسم فلسطين، والقدس خصوصاً، بيّاع أكثر. تحت رايتها بإمكانك أن تفعل ما تريد، أن تشتري وتبيع، وترتكب أفظع المجازر!

وحشية الفرنسيين!

يعود مسلسل “حارس القدس” إلى طفولة كبوتشي في ثلاثينيات القرن الفائت، ولا يفوّت الفرصة في استعادة وحشية الفرنسيين في اعتقال وتعذيب مناوئيهم. هكذا جرى اعتقال معلم كبوتشي، ابن العاشرة، لنراه مدمى خائر القوى، فيما السجّان يهدده بتكسير أصابعه. نأمل أن تذكّر هذه اللقطات صنّاع العمل، والمشاهدين، بوحشية أفظع تجري حتى الآن قريباً من بيوتهم، في الأقبية تحت الساحات والشوارع الضاجة بالحياة والمسلسلات.

مسلسلات عائلية

في مقابلة في برنامج “المشهدية” على قناة “الميادين” مع كاتب مسلسل “حارس القدس” حسن م يوسف، ومخرجه باسل الخطيب، قال م يوسف إن مديرة “المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي”، التابعة لوزارة إعلام النظام السوري، ديانا جبور هي من اتصل به إثر وفاة المطران كبوتشي في كانون الثاني يناير 2017 وطلبت منه كتابة المسلسل، وهو بدوره قبِلَ، لكنه اشترط، بحسب قوله للبرنامج، أن يكون باسل الخطيب هو المخرج. وكما هو واضح فإن المديرة، الكاتبة والناقدة، والمستشارة الدرامية في بعض الأعمال التي يخرجها زوجها باسل الخطيب، لم ترفض للكاتب طلبه. فقد بات مألوفاً تحوّل بعض المؤسسات والأعمال الفنية إلى احتكارات عائلية، والأمثلة كثيرة (قد يكون ذلك مقبولاً في منشأة خاصة لا في مؤسسة حكومية).

النظام الضحية

ليست هذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها المخرج باسل الخطيب عملاً من نوع السيرة، ففي مسلسله عن نزار قباني، قبل حوالى عشرة أعوام، تمكّن المخرج بأعجوبة من حشر قباني في بضع قصائد “بعثية”، حجب كل قصائده الإشكالية التي ساهمت بإثارة عواصف على مدّ الوطن العربي، وكذلك بعض مواقفه السياسية، ليبدو الرجل على مقاس ما يريده النظام السوري.

اليوم، لا يحتاج المخرج أن يحشر المطران الراحل ويقوّله ما لم يقل، أو يحذف من كلامه ما لا يناسب، فقد كانت كافية تلك العبارة التي ساقها كاتب المسلسل في برنامج “المشهدية”، عندما استعاد قولاً للمطران يؤكد فيه أن الحرب الأهلية في لبنان إنما تستهدف سوريا، كانت كافية لتسفر عن مكان وقوف الرجل.

معلوم طبعاً أن لبنان كان البلد الواقع تحت وصاية نظام نكّل فيه على مدار عقود أفظع تنكيل، وكان أحد أسباب استمرار اشتعال الحرب فيه، ولم تكن لتقف إلا بإرادته، يصبح هو “ضحية” الحرب الأهلية في لبنان!

فانتازيا تاريخية!

أثار انتباهي مانشيت صحافي يقول: “مسلسل “أولاد آدم” يظهر فساد الأجهزة الأمنية واستغلال القضاء وحروب الإعلاميين”، قلت أي جرأة! فكاتب المسلسل (رامي كوسا) ومخرجه (الليث حجو) سوريان، وكذلك بعض أبطاله من الممثلين (مكسيم خليل وقيس الشيخ نجيب)، فلا بدّ أن المسلسل يتحدث عن فساد أجهزة الأمن السورية (لربما كان الحديث عن “فساد” من نوع أضعف الإيمان)، لكن حين تقرأ التفاصيل ستجد أن المقصود هو أجهزة لبنان الأمنية، لا سوريا، حيث “يسلّط (المسلسل) الضوء على الفساد الذي ينخر الأجهزة الأمنية في لبنان، واستغلال المناصب عبر علاقة تجمع بين الدركي بسام الذي يؤدّي دوره الممثل طلال الجردي واللص السوري “النشال” سعد والذي يؤدي دوره الممثل قيس نجيب الشيخ.”

الخبر نفسه يتابع: “اللافت أنّ القوى الأمنية في لبنان حتى الآن لم تسجل أيّ اعتراض على ما ورد في المسلسل من إظهار رجل الأمن بصورة الفاسد والمرتشي وشريكاً وصديقاً للصّ”.

لا ندري كيف سيتابع المشاهد السوري هذا العمل، هو الذي كان مشدوداً دائماً إلى مشاهدة نقاشات وأصوات جريئة في مجلس النواب اللبناني على الشاشات من دون رقابة، وإلى حرية الصحافة في هذا البلد، حتى في أحلك الأوقات، كانت فرجة مديدة لعقود طويلة، يبدو أن المشاهد السوري بات ينظر إليها اليوم كـ “فانتازيا تاريخية”، تجري في بلد آخر، في زمن آخر، على سبيل التسلية ليس إلا، وليس من المأمول أن تبدّل شيئاً في ذلك البلد المنكوب.

وسوم: العدد 874