هذا العقل السياسي الذي يحكم مواقف جيل من أبناء الإسلام ..

مؤامرتنا على أنفسنا ..

من المسؤول عن هذا التفكير الأحادي البعد؟!

من المسؤول عن نقل الحقيقة الهندسية أن الخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتين عن الورق إلى واقع الحياة السياسية والاجتماعية بكل ما فيها من تعقيدات واختلاطات ؟!

وأنك إذا كنت مسلما فيجب أن تكون الشمس في يمينك .. وأنت القادر المقتدر وعلى كل شيء قدير ...

هذا العقل السياسي المسطح ،ببعده الواحد ،والذي يرفض كل أشكال المقاربات في أي مشروع إسلامي سياسي أو اجتماعي !!

وما يزال بعضهم يلاحقني مشككا بالمشروع التركي : أن الملاهي ما تزال توصوص في ليالي اسطنبول !!

وبغض النظر عن سلوك هذه الشريحة الواسعة والمسيطرة أحيانا في فضاء الحركة الإسلامية ..

وبعيدا عن أي موقف اتهامي للدوافع الكامنة وراء هذه الحالة العقلية السائدة في الفضاء الإسلامي ، والقائمة على قاعدة : كسرت كعوبها أو تستقيما .

والتي دفعت الحركة الإسلامية ثمنها كثيرا خلال عقود ؛ أعود فأتساءل من المسؤول ؟ا

ولقد رابتني بالأمس ردود الفعل التي تلقيتها على دعوتي للمشاركة في مناصرة مشيخة الأزهر في موقفها ضد مشروع السيسي للعبث في أحكام الطلاق .

ومع أنني احتطت في مشروع الدعوة ، وبينت أن الانتصار هو لمعركة هي في الأصل معركتنا ، إلا أن حجم ردود الفعل السلبية كان كبيرا ...

وكان هؤلاء المعترضون يحاصرون أنفسهم في قضية أن الشيخ الطيب وقف مع الانقلاب ، وأنا أقول وليس هينا أن الشيخ الطيب وقف مع الانقلاب ، ولكن المعركة اليوم هي معركتنا ويجب أن تكون لنا القدرة على تجديد عملية الاصطفاف حسب المعطيات ولكن ..

وعلى الصعيد الآخر ، صعيد الدعوة إلى إعلان صريح وواضح أننا ضد التطبيع مع العدو الصهيوني ، ورغم مقدمتي التي احتطت بها وأثارت حفيظة البعض ربما ؛ إلا أن ردود الفعل كانت أشد وأقسى ، ومن شخصيات نخبوية أتوقع منها دائما أنها تساعدني في تجاوز هذه المنحنيات ..

الكل يلقي في وجهي حقائق يعتقدها ولا أختلف معه عليها ، عن إيران والمشروع الصفوي و.. و.. ومع أنني قلت هذه فلسطين وليست أي قوة على الأرض ؛ إلا أن الصوت ضاع هباء .

يمثل ما أوصف معضلة في الفضاء الإسلامي العام ، فأكثر من أوصف يمثل حالة للعقل المسلم قد يكون على يمينها بعض أشد المتطرفين عتوا ..

وإذا كان لنا أن نستفيد من الدرس ، فنسأل : أين الخلل ؟! وفِي علم التربية نتحدث عن مدخلات ومخرجات ، فربما يكون الخلل في بعض مدخلات دعاة الإسلام أنفسهم ... مدخلات تربوية وفكرية وفقهية أيضا ما تزال ..

ربما يكون الخلل في التربية على الأنموذج ، وحتى عندما نذكر الأنموذج لا نذكر من شأنه إلا ماله بريق ...حتى النماذج العليا كان في حياتها الكثير من الجوانب الواقعية.

وربما يكون الخلل في التربية على الترابط بين عالم اليقين بكل ما فيه من سمو وكمال وعالم الواقع بكل ما فيه من خلل وضعف وثغرات . وربما .. وربما ..

ولكن هذا الواقع يحتاج إلى مراجعات عميقة ، في مدخلات التربية الدعوية ، وفِي طروحات الدعاة ..

هذا العقل كيفما وصفناه يشكل عثرات على الطريق ..

هذا العقل هو الذي ثار على عثمان ، وهو الذي أحبط أو أهدر خلافة علي ، هو وليس جيش معاوية ولا دهاء عمرو بن العاص ...وهو الذي لا يزال ..

وكان مما هجا جرير به الأخطل قوله :

هذا ابن عمي في دمشق خليفة

لو شئتُ سـاقكم  إلي قطينا

والإشارة هنا إلى عبد الملك بن مروان

والذي يجب أن نعلمه ، ونعلّمه :

أنه لم يبق لنا اليوم في دمشق خليفة ...

وأن القائم في دمشق هو ابن عمهم وليس ابن عمنا ..

والأهم من ذلك أن عبد الملك بن مروان اعتبر كلام جرير من تقولات الشعراء ، ولم يسق أحدا إليه ..!!

ولكن الواقع اليوم أننا ... وأغص بما سأقول فأقول : نحتاج إلى عقل سياسي واقعي مقارب ينطلق من الواقع ، ويعيشه ، ويبني عليه ، ويعلي فيه ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 875