لا يعقل أن يكيل العالم الغربي بمكيالين في شجب وإدانة مظاهر العنصرية في العالم

لقد أشعل مقتل المواطن الأمريكي الأسود على يد الشرطي  العنصري الأبيض فتيل ثورة شعبية عارمة لم تنفع معها تهديدات الرئيس الأمريكي بإنزال قوات الجيش المدجج بالسلاح على حد قوله إلى جانب عناصر الشرطة والحرس .

 وما حدث ولا زال يحدث إلى حد الساعة إنما هو رد فعل شعبي في المجتمع الأمريكي على سلوك عنصري وراءه دافع التمييز بين المواطنين على أساس اللون والأصل ، ذلك  أن مجرد وصف المواطن الأمريكي الأسود بأنه من أصل إفريقي يشي بالتمييز لونا وعرقا حيث يقابل هذا المواطن من الدرجة الثانية   مواطن آخر أبيض  من الدرجة الأولى دون أن يصرح بأصله الأوروبي من أجل إعطاء انطباع بأنه صاحب الحق في الانتماء إلى الولايات المتحدة أو هو المواطن الأصلي ،علما بأن المواطن الأمريكي الأصلي هو المواطن  الهندي الأحمر الذي  لم يعد لديه الحق في هذا الأصل بعدما غزاه المواطن الأوروبي الأبيض ، وجلب إلى أرضه المواطن الأسود ليستعبده ، ويشغله تحت القهر في استغلال الأرض التي غزاها بالقوة  ، وأباد سكانها الأصليين .

ومعلوم أن العالم بأسره على اختلاف ألوان بشرة سكانه وأصولهم وأعراقهم شجبوا وأدانوا مقتل المواطن الأمريكي الأسود ، وتعاطفوا معه ، ومع غضب الشارع الأمريكي في مختلف مدن الولايات . ولم تقتصر المظاهرات والمسيرات على الولايات المتحدة بل نقلت لنا وسائل الإعلام العالمية مسيرات  واحتجاجات مماثلة في عواصم أوروبية تضامنا مع مسيرات واحتجاجات الشعب الأمريكي ، وهذا موقف يعبر عن إدانة وشجب سلوك عنصري مقيت الذي سلكه الشرطي الأبيض مع المواطن الأسود إلا أن هذه الإدانة من طرف الشعب الأمريكي وبعض شعوب دول أوروبا الغربية تبقى معيبة  بسبب ازدواجية المكيال لأن كيانا عنصريا هو الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين يسلك جيشه وشرطته مع المواطنين الفلسطينيين أصحاب الأرض  نفس السلوك الذي سلكه الشرطي الأبيض مع المواطن الأسود  في الولايات المتحدة بل يمارس ضدهم ما هو أبشع وأشنع من ذلك  دون أن تتحرك المسيرات والاحتجاجات في المدن الأمريكية والأوروبية لأن الضحايا عرب . فكم من مشهد تصوره وسائل الإعلام يوميا  لشرطة وجيش الاحتلال الصهيوني وهم يعذبون حتى الموت مواطنين فلسطينيين بمن فيهم أطفال ونساء وشيوخ فضلا عن شباب . ولا زال ماثلا في الذاكرة مشهد الجندي الصهيوني الذي كان يقطع أطراف المواطن الفلسطيني  بالحجارة وهو يصرخ من شدة الألم المبرح  ، وهو مشهد لا يقل بشاعة  وشناعة عن مشهد المواطن الأمريكي الأسود وهو يصرخ  ويستغيث ورقبته تحت ركبة الشرطي العنصري الأبيض . وما أكثر المشاهد المؤلمة التي  تصور تعذيب الصهاينة  المجرمين للمواطنين الفلسطينيين والتي لا يطيق  المتابع لها عبر وسائل الإعلام مشاهدتها ، وبعض تلك الوسائل تعتذر عن بثّها إشفاقا على المشاهدين من ذوي القلوب الرقيقة التي لا تطيق تحمل مشاهدتها. ومع فظاعة تلك المشاهد لا يتحرك ضمير العالم في الولايات المتحدة ودول أوروبا وغيرها باستثناء بعض الحالات النادرة جدا .

 فإذا كانت المظاهر العنصرية تستوجب  الإدانة والشجب ومؤازرة ضحاياها كما حصل مع المواطن الأمريكي الأسود ، فلا يعقل أن يستثنى من ذلك المواطن الفلسطيني ضحية العنف الصهيوني ، وهو عنف مرده إلى عنصرية متأصلة في الإنسان الصهيوني الذي تنفخ فيها أساطيره التلموذية، وتجعله يرى نفسه عنصرا مختلفا عن باقي العناصر البشرية بل يعتقد أنه من شعب الله المختار الذي يحق له أن يستعبد غيره من الشعوب خصوصا الشعب الفلسطيني الذي احتل أرضه بالقوة وبذريعة تلك الأساطير والخرافات  يبرر احتلاله ، وإقامة كيانه  العنصري فوق أرض احتلها بالقوة وبمساعدة وتأييد الإنسان الغربي .

ومقابل سكوت  شعوب العالم الغربي عن جرائم الكيان الصهيوني العنصري تدين ردود أفعال ضحاياه حين ينتفضون دفاعا عن أنفسهم وتصفهم بالإرهابيين مسايرة للكيان العنصري في وصفهم  ومحاباته في ذلك بل أكثر من ذلك تصف كل من يدين ويشجب أعماله العنصرية بأنه يعادي السامية ، ويعتبر ذلك جريمة يلاحق ويحاكم بسببها من يدان بها  .

أفلا يخجل العالم الغربي من كيله بمكيالين في إدانة وشجب مظاهر العنصرية حين يستثني من ذلك الكيان الصهيوني العنصري ؟ 

وسوم: العدد 880