أخِلافٌ سياسيٌّ ..؟ أمْ مَاذَا ..؟

د. حامد بن أحمد الرفاعي

يَقولُ البَعْضُ : أنَّ الخِلَافَ بَيْنَ السُنَةِ وَالشِيعَةِ هو (خِلَافٌ سِيَاسِيٌّ) . وَكُنْتُ قَبَلَ الثَوْرَةِ الخُمَيْنِيَّةِ أقولُ بِهَذا القُولِ .. ولَكنْ بَعَدَ الثَوْرَةِ ظَهَرَ علَى السَطْحِ مَا كان مَسْكوتاً عَنْه مِنْ أقوالِ الخُمَيّنيِّ ومِنْ أخطْرِ ما قال :" أنّ لأئمَّتنا مَقَامًا لا يَبْلُغه مَلِكٌ مُقرَّبٌ، ولا نبيٌّ مُرسلٌ" وَكَذلِكِ مَا ظَهَرَ مِنْ أقوالِ غَيْرِه مِمَّن هُم على شَاكِلَتِه مِنْ فُقَهاءِ الشِيعَةِ .. مِمَّا يُؤكدُ أنَّ الخِلَافَ أعمَقُ بِكثيرٍ مِنْ كَوْنُه خِلَافاً سِيَاسيّاً ..وفي حِوْارٍ مُطوّلٍ مَعَ الإمام محمد مهدي شمس الدين حول قولي له : إنَّنيِّ أُفضِلُ عِبَارَةَ (تَنْقِيحُ المَذَاهبِ) بَدلاً مِنْ عِبَارةِ (تَقْريبُ المَذَاهبِ) قال : ولِمَ ..؟ قلتُ: إنَ مَرجِعيَّةِ بَعَضِ المَذَاهِبِ فيها مِنَ العِبَاراتِ مِمَّا يَسْتَفِزُ الآخَرين ويَتَناقضُ مَعَ مُعْتَقداتِهم ..قال: ومَاذا مِنْها في مَذْهبِنَا مِمَّا يَنْبَغي تَنْقِيحَهُ مِنْها..؟ قلتُ :هُنَاك أمورٌ كثيرة قالَ: أعطِني مِثالاً ..قلتُ: في الدَسْتورِ الإيرَانيِّ (طبعة 1418هـ - 1997م, الصفحة 31 , الناشر: رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية - مديرية الترجمة والنشر) المَادَةُ الثَانيَة عشرة تَقولُ:" الدْينُ الرَسْميُّ لإيرَان هُو الإسْلَامُ وَ المَذْهَبُ الجَعْفَريُّ الاثني عشري, وَهَذه المَادَةُ إلى الأبَدِ غَيْرُ قَابِلَةٍ للتغيير" قال: وهل (الواو) موجودة..؟ قلتُ: شُكراً لك لاسْتِغْرَابِكُم لِوجُودِها ..حَقاً إنَّها تُنْشئُ إشْكَالاً ً عَقَديّاً, حيثُ تَضَعُ المَذهَبَ الجَعْفريّ علَى مِسْتَوى واحدٍ مِنَ الاعتِقَادِ مَعَ  الإسْلَامِ ذَاتِه، وفي تلك اللحَظَةِ التَحَقَ بِنَا مَعالي الدكتور ناصر الدين الأسد ، وكنَّا نَسْكنُ في فُنْدِقٍ واحِدٍ لِحُضورِ مُؤتَمرٍ دَوْليٍّ في القاهرة ، ولمَّا عُرضَ الأمرُ عليه قال: لقد أرسلَ إليّ الإمامُ الخُمينيّ مُسَوّدةَ الدَسْتورِ يَسْتَشيرُني .. فَوضَعتُ تحتَ (الواو) ثَلَاثةَ خُطوطٍ حَمْراءَ وَاقْتَرحتُ حَذْفَها وَمَا بَعْدَها .. ولكنَّه لَم يَفعل..؟! فقالَ لِي الشيخُ مهدي : هَلْ هُنَاكَ أمثِلَةٌ أُخْرَى ..؟ قُلْتُ : إنَّ الدَسْتُورَ يَحْتَوي عَدَداً مِنَ المُوادِ والبُنودِ مِنْ هَذَا النُوعِ.. وَذَكرتُ له نَمَاذِجَ مِنْها .. مِمَّا يَتَنَاقضُ نَصُها معَ صَريحِ مَبادئ الإسْلَامِ في القُرآنِ وَالسُنَةِ .. وقلتُ : يَوْمَ أنْ يُنقّح الدَسْتُورُ وَغِيرُه مِنْ المَراجعِ الشيعيِّةِ مِنْ مِثْلِ هَذِه المُوادِ والبُنودِ التي تُكْسِبُ مَذْهَبَكم مَراتِبَ الاعتِقَادِ وَالقَدَاسَةِ والعِصْمَةِ والأبديَّةِ .. يَوْمَئذ يُصبحُ المَذهبُ الشيعيُّ مِثْلَ غَيْرِه مِنْ مَذَاهبِ المُسْلِمين ..مَذاهباً اجْتِهاديّاً يُؤخذُ مِنْه وَيُرَدُ .. أجل بِمثْلِ هَذَا التَنْقيحِ تَلْتَقي المَذَاهبُ الإسلاميَّةُ وتُصْبحَ مَصَادرَ إثْرَاءٍ لِمَيادينِ الاجْتِهادِ في مُواجَهةِ التَحَديَاتِ وَالمُسْتَجداتِ.. والله سُبْحَانَه المُسْتَعانُ.

وسوم: العدد 881