معادلة السيسي الليبية: إما أن يسيطر حفتر أو نتدخل!

يتذكّر كثيرون تصريحا للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإحدى محطات التلفزيون يقول فيه ما معناه إن أي تهديد للعالم العربي، وتحديدا لدول الخليج، «لن يأخذ من الجيش المصري غير مسافة السكة» لمواجهته والتصدّي له، مؤكدا أن «لا أحد يهدد ونحن موجودون»، والذي تغيّر لاحقا ليصبح أن «الجيش المصري لمصر وليس لأحد آخر»، مما أثار آلاف التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، أحد أكثرها تعبيرا كان قول إحدى الإعلاميات إن أجهزة السيسي «متخصصة في قتل المصريين فقط»، وفي اعتبار ما قاله سابقا «ابتزازا من أجل الرز» (وهو تعبير استخدمه السيسي نفسه تعبيرا عن ضخامة الأموال الخليجية).

مثير للتأمل، في هذا السياق، أن السيسي، في شرح لاحق له لمصطلح «مسافة السكّة»، قال إن مصر «لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى»، لكنها «قادرة على صد أي هجوم أو اعتداء أو تهديد مباشر» مستشهدا بموقف مصر إزاء الأحداث في ليبيا من حيث امتناعها عن التدخل في الشأن الليبي أو «استغلال الأوضاع الصعبة لليبيين للمساس بمقدراتهم»، باستثناء المرة الوحيدة التي قامت فيها مصر بعمل عسكري حين قام تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا بذبح 21 مصريا.

طرأ، على ما يبدو، جديد في شروح السيسي على قضيّة «مسافة السكة» والتأكيد على أن «الجيش المصري لمصر»، حيث قال يوم السبت الماضي خلال تفقده الوحدات المقاتلة على الحدود الليبية بأن مدينة سرت وقاعدة الجفرة العسكرية الليبيتين هما «خطّ أحمر»، وأن أهداف الجيش المصري لم تعد «حماية الحدود» فحسب، بل «سرعة دعم استعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبية»، معتبرا ذلك «جزءا من الأمن القومي المصري»، وأن «أي تدخل مباشر من مصر في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية».

إلى صعوبة نظم أفكار الرئيس المصري في تسلسل منطقيّ فإن الأصعب هو فهم الانتقالة التي جرت في رأي السيسي لمهام الجيش المصري من «حماية الحدود» إلى تبرير التدخل العسكري خارج تلك الحدود، وصولا إلى الاستنتاج العجيب بأن تدخل قواته المباشر في ليبيا «باتت تتوفر له الشرعية الدولية» واعتبار مدينة سرت، التي تبعد عن العاصمة المصرية قرابة 1600 كيلومتر، «خطا أحمر».

لم يكن هناك خطر، على ما يبدو، على «الأمن القومي المصري» حين قام الجنرال خليفة حفتر المقال من الجيش الليبي بجمع ضباط نظام معمر القذافي السابق، وتلقّي أموال من الإمارات للقيام بتمرّد على الحكومة الليبية، ولم يتعرّض «الأمن والاستقرار» في ليبيا، للخطر مع قيام الجنرال المذكور بالاستيلاء على مساحة كبرى من ليبيا، والسيطرة على حقول النفط فيها، ثم محاصرة العاصمة طرابلس وقصف المدنيين من الليبيين واللاجئين واستهداف المشافي والمطارات والبعثات الدبلوماسية، فكل هذه لا تدخل في تهديد الأمن القومي المصري، ولا في تعريض «الأمن والاستقرار» الليبيين للخطر، ولم يكن هناك خطوط حمر على استيلاء الجنرال المتمرد على ليبيا بأكملها.

انتصبت الخطوط الحمر وصار هناك أمن قومي مصري واهتمام للرئيس السيسي بأمن واستقرار ليبيا حالما بدأ الجنرال المدعوم من قوتين عظميين، هما روسيا وفرنسا، وقوى إقليمية «امبراطورية» النزوع كالإمارات والسعودية، وكذلك مصر نفسها، بالتراجع والانكفاء والتعرض لهزائم أدت لخسرانه مجمل الساحل الغربي حتى الحدود التونسية، وقاعدة الوطية الجوّية، ومدينة ترهونة، وصارت عودة سرت، التي كانت حكومة «الوفاق» قد حررتها بعد تضحيات جسيمة، من تنظيم «الدولة الإسلامية»، فيما كان الجنرال وأولياء أمره يراقبون الموقف ويتحيّنون الفرص للانقضاض على الحكومة الليبية وتنصيب حاكم عسكري دكتاتور على ليبيا.

المعادلة لا تتعلق إذن لا بأمن قومي مصري وبالتأكيد لا يهمها أمن واستقرار الليبيين بل يهمّها ألا تكون استعادة مدينة سرت مقدّمة لاستعادة حقول النفط، وحرمان الجنرال المتمرد، وحلفائه، من المواقع الاقتصادية التي يستخدمها كرهينة لابتزاز الحكومة الشرعيّة، وبالتالي فالأمر يتعلّق عمليّا بـ«الرز»، وبالرغبة في تمكين مخالب الثورة المضادة على رقاب المصريين، كما على رقاب الليبيين.

وسوم: العدد 882