المشروع الثالث ... يستنفرك لتكون الحامل

ويسيطر على ساحتنا الإقليمية منذ عقود ، مشروعان مشروع صهيوني وآخر شعوبي شيعي صفوي ؛ وكلاهما مشروع كراهية عنصري ، ومشروع هيمنة ونفوذ اقتصادي وسياسي ، ومشروع استيطان إحلالي يستهدف الوجود والهوية ..وزد ما شئت في أهداف الريبة بعد ..

وكلا المشروعين ممّكن مدعوم من قوى الاستكبار العالمي ، بنفس القدر ، ولنفس الهدف ، وإن اختلفت الطرائق والأساليب .

وكان لأمتنا وشعوبها خلال هذه العقود مشروعها الخاص . مشروع تبلور في عقول وقلوب السواد العام ، من العرب والمسلمين ، وتحملت عبئه نخب وجماعات وشخصيات ، ودفعت في سبيل نصرته أثمانا غالية ، من دماء وأعراض وأموال ..

ولعل أغلى الأثمان كان ما دفعه الشعب الفلسطيني والشعب السوري والشعب العراقي .. ومنه ما دفعه الرئيس الشهيد محمد مرسي أول رئيس عربي يحمل راية المشروع ، وأدعو الله أن لا يكون الأخير ، فبعده قد انفض سامر الكثيرين ، ولحق كل قوم بما يشتهون .

يصعب على الإنسان أن ينعى مشروعا آمن به ، ودافع عنه ، وضحى من أجله ، ولكنه الصدق المر الصعب على العقول والقلوب . وتتابع المشهد العام والخاص اليوم فتجد..

يرابيع النفاق قد خرجت من جحورها ، تسلق المشروع وحملته بألسنتهم الحداد .. فلا تجد من يدفع الذباب عن وجهه وأنفه وعينيه .

ثم تجد بعض من ظننا به وحسبناه أبهظه اليأس فالتحق . فأحدث في موقعه ثغرة ، وزاد عدو عقيدته وأمته قوة .

وفريقا ثالثا خطف برق المحنة والفتنة أبصارهم فأصبحوا حائرين بائرين ، لا يتقدمون ولا يقدمون ؛ بل هم دائما في عجزهم وفي ريبهم يترددون ..

ولم يبق سوى أفراد " لا يقيلون ولا يستقيلون " أدعو الله ، وندعو الله جميعا أن نكون منهم . أو أن يجمعنا بهم وعليهم ، من غير ادعاء ولا افتراء..وأن يعيننا على القيام على أمر ، وعلى سد ثغرة ، وعلى الثبات على الأمر ، وعلى العزيمة على الرشد ..

وهذا ليس بثا ليأس ولا لقنوط ، وإنما ليعلم كل فرد منا مكانه . ودوره وعظيم ما يطلب منه ..وإلى أين نحن ، إن لم نبادر صائرون ..

في يوم أحد انسلخ ابن أبي بثلث الجيش ، فتعاظمت المسئولية على الثلثين .

وكذلك شأننا اليوم ، قوم بدلوا ، وقوم غيروا ، وقوم تراخوا وقوم ناموا ..قوم خذلوك وشدوا أزر عدوك ، وقوم خذلوك وأعانوا عليك سحب اليأس ، وأفردوك أمام جيوش القنوط ، وقوم استأثروا فعّطلوا وضيعوا ..

وأنت اليوم بين كل هؤلاء ...صاحب المشروع . أنت صاحب المشروع إذا عرفت ثغرتك ، وتعرفت بصدق على من يليك من يمين ومن شمال ، ومن قدام ومن وراء . ففي ليلة الأحزاب ليلة الظلمة والريح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتعرف كل واحد على من يليه ..

كم تأخذني الشفقة على العاملين في قنوات الإعلام ، حيث جعل رزقهم ، لي ألسنتهم بما تقتضيه سياسات مموليهم ، حتى تجد بعضهم يتغنى بالعزى وآخر يرقص للقرد .

وفي يوم تبوك كان ضعاف النفوس ينسلون من الجيش عائدين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المنسلين : دعوه فإن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه .

نصيحة تغنينا عن الاستمرار في تتبع ما يفعل وما يقول فلان وفلان وفلان . ( لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) ( لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ) " وإذا كنت بالله مستعصما فماذا يضرك كيد العبيد ؟! " أخي سر لا تلتفت إلى الوراء ، طريقك مزروع بالمكاره والعقبات ، طريقك قد خضبته الدماء .. !!

 ووصل التتار في غزوتهم الثانية إلى بلاد لشام ، بقيادة قازان ، وقد أشهروا إسلاما فاسدا ، وتحالفوا مع الشيعة الروافض من أعداء الله ، وكانوا بذلك فتنة على بعض السذج البسطاء يتساءلون : كيف نحارب من يشهد أن لا إله إلا الله ..

فقال لهم شيخ الإسلام : إذا رأيتموني أقاتل في صف التتار وعلى رأسي المصحف فاقتلوني ...

فقد رأى رحمه الله بنور بصيرته أنه سيكون أناس يرفعون المصحف على رؤوسهم ، ويقاتلون في صفوف أعداء أمتهم ودينهم . أيبتغون عندهم العزة ؟! وينسون أن العزة لله جميعا .

سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يسأل سيدنا رسول الله : فكيف إذا لم يكن لهم " للمسلمين " جماعة ولا إمام ، يقول الرسول الكريم فاعتزل تلك الفرق ولو أن تعض بأصل شجرة ..

وماذا لو تتبعنا الصهيوني والصفوي إلى أصول أشجارنا من التين والزيتون ، ونافسونا حتى على حضن النخلة عمتنا في عقر دارنا ، عذرنا إليك سيدي رسول الله؟!

إمام الحرمين الإمام الجويني يعيد طرح السؤال : فماذا إذا لم يكن للمسلمين خليفة ولا إمام ، وماذا إذا تغلب على أمرهم كافر ظالم مستبد فاجر ؟ ويجيب في كتابه الغياثي : وعليهم أن يبادر منهم ذو نجدة يجمع الناس حوله ، وعلى عموم المسلمين أن يستجيبوا له فيعينوه ..

كثيرا ما كنا نحلم خلال نصف قرن مضى أن نسلم الراية كما استلمناها بل أبقى وأعلى إلى أيد أقوى وأبقى ..

إذا ما راية رفعت لمجد ..تلقفها عرابة باليمين ..

وعلى مثل عرابة يبكي الباكون ... وانفرط العقد والناس في غفلتهم ساهون ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 881