الاتفاق الإيراني - الأسدي : العسكري - الأمني

ليس ضد الصهاينة ولا الأمريكيين ولا الروس .. ضدنا نحن السوريين

في نهاية الأسبوع الماضي استقبل بشار الأسد رئيس الأركان الإيراني محمد باقري للمباركة والتأييد ..

وكان وزير الدفاع الأسدي " علي عبد الله أيوب " قد وقع اتفاقية مزدوجة : عسكرية - أمنية مع المذكور . ولأثبت لكم أن الاتفاقية مريبة ، ويخجل منها موقعوها ، يكفي أن أذكر أن وكالة سانا مرت بالاتفاقية سريعا بلا تفصيل ولا تطبيل ..

وتأكيدا لهذا المعنى فإن بثينة شعبان المستشارة الرئاسية ، عندما سئلت عن الاتفاقية وسرها ، قالت : إنها موجهة ضد قانون قيصر بما يمثله من عقوبات اقتصادية . خشية أن يزعج توقيع الاتفاقية قوما آخرين ،  وهكذا اختصر أو اختزل المشهد ..

الذين طبلوا وزمروا للاتفاقية ورقصوا على أنغامها هم الإيرانيون الذين احتفوا بها بدأ من مرشدهم ومن رئيس مجلس شوراهم ووزير دفاعهم وكل ساستهم وآياتهم ومعلقيهم  على السواء ..

حجم لتجاهل -الأسدي والحفاوة الإيرانية تدفعنا - نحن السوريين - إلى تساؤل جوهري: هل فرض الإيرانيون توقيع الاتفاقية على بشار الأسد ، فوقعها كاتفاقية إذعان ، كما هي العديد من الاتفاقيات التي ما يزال يوقعها باسم الدولة السورية ..؟! والتي ترك له المجلس الوطني وإئتلاف الثورة والمعارضة مفاتيحها وأختامها وكأن سورية ضيعة ضائعة؟!  هذه النقطة ستظل اللطخة المريبة السوداء في تاريخ العابثين.

وإذا صح هذا الافتراض ، أفليس من واجب السوريين أن يستمروا في البحث والتنقيب والتنكيش عن حقيقة الاتفاقية ، وعما يسمى ملحقاتها السرية ، حتى  لا يفاجؤوا بيوم ما بما يكرهون ..

يريبنا في الاتفاقية أيضا ما نص عليها عنوانها " عسكرية - أمنية " وإذا كان من الممكن الإشارة إلى بعض ملامح الأبعاد العسكرية ، وهذا ما تحدث عنه كثيرا الإيرانيون ، فما هي ملامحها الأمنية والتي طوي الكلام عنها طي المريبين ..؟!

هل هي حقا في التصدي لقانون قيصر ، بمعنى تغطية ودعم الجريمة التي فضحها المصور السوري قيصر ، ليذهب المجرمون إلى غايتهم في تعذيب وتقتيل السوريين ..وهو المعنى الذي لم يجرؤ على التصريح به أحد ...؟!

بعض المحللين ذهب إلى أن  عقد الاتفاق جاء دليلا على عجز الروس عن الوفاء باستحقاقات المشهد السوري بعد خمس سنوات من الاحتلال ..وأن الروس يحاولون الخروج من مستنقع تورطوا فيه ..كلام يحاول أن ينتزع مصداقية لدور أمريكي متنح على مستوى العالم بفعل سياسات أوباما وترامب ..!!

محللون آخرون ذهبوا إلى أن عقد الاتفاق جاء ضد الوجود الروسي في سوري ،  الذي يحد من قدرة الدفاعات الجوية الأسدية عن التصدي للعدوانات الصهيونية .!! ومع أن الإيرانيين والأسديين يقرون أن الاتفاق قد عقد بالموافقة الروسية ..

وأن الروس قد أكدوا بكل الحزم والحسم أنهم لن يقبلوا بأي تنسيق يمس بأمن "إسرائيل" إ؛ لا أن الإيرانيين لم يتوقفوا عن إطلاق المواعيد بالغد الأسود للإسرائيليين ، بل زادوا على ذلك ، أن دفاعاتهم الجوية التي ستنصب في سورية بعد وصولها إليها منذ ستة أشهر منتظرة الغطاء الروسي ، مستعدة لحماية لبنان واللبنانيين . لنكتشف بهذا أن كل شقشقات حسن نصر الله كانت هباء ..ويبقى لنا من الوعيد الإيراني الانتظار ..هل يستطيع الإيرانيون أن يزعموا أنهم تلقوا ضمانة من الروس بحماية تصديهم لإسرائيل . المجانين يتكلمون والعقلاء يستمعون ..!!

يقول وزير الدفاع الإيراني " أمير حاتمي " : إن أهم بند في الاتفاقية - ليس التصدي لقانون قيصر كما قالت مستشارة  بشار - بل هو حسب الوزير الإيراني : إعادة بناء القوات المسلحة والصناعات العسكرية الدفاعية السورية " فهل ستضع إيران يدها على القوات المسلحة السورية ؟! وهل التصريح بإعادة البناء هو اعتراف بالخراب ، ومن خرب الدفاعات الجوية السورية والثوار لم يملكوا في أي لحظة طيران ؟!

والأخطر في تعريف وزير الدفاع الإيراني بالاتفاقية قوله كما صرح به على فضائية الميادين الإيرانية : الاتفاقية تشمل أي شيء تعلن الحكومة السورية أنها بحاجة إليه لحفظ أمنها . انتبه إلى العبارة أمنها وليس حدودها ,,

ومن أجل مثل هذه اللفظة غالى البعض في إسقاط الاتفاقية على الواقع فقال : إنها تحصين للأسد ضد انقلاب روسي !! الانقلاب الروسي هنا مفترض مبعثه حمى أو زيادة العيار في الشراب . ونقول هذه مغالاة لأننا لا نتصور روسية تنقلب ، ولا نتصور إيران تخوض معركة مع روسية من أجل بشار الأسد ..!!

فريق ثالث من المحللين رأى أن الاتفاقية زيادة في الغطاء القانوني للوجود الإيراني في سورية ، وعلى الطريقة الروسية ،تكبيل الدولة السورية بمزيد من الاتفاقات والمعاهدات . لتكريس هذا الوجود وحمايته على المدى الطويل ..

يبقى السؤال القانوني البحت عن مدى مشروعية هذه الاتفاقيات التي يوقعها رئيس شكلي متنازع على شرعيته بين السوريين ، إلى حد أن يدفع رافضوه مليون شهيد للتخلص من عبئه ومن شره ومن فساده ..

فريق من القانونيين من بينهم شيخ الحقوقيين السوريين الأستاذ هيثم المالح  يقرر في أكثر من دراسة له أن مثل هذه الاتفاقيات بحكم الساقطة قانونيا ، وأنها في ساعة الحقيقة لا تساوي الحبر الذي كتبت به . وبقوله نقول ..

وهو قول لا يعفينا من العمل الدؤوب لمصادرة النتائج الكارثية للاتفاقيات المذلة المصادرة للسيادة وللهوية وللحاضر والمستقبل ..

أيها السوريون احذروا ..فحتى خيوط العنكبوت يكون لها أثرها في صناعة الإعاقة والإيحاء باليأس والقنوط ..

وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 885