بعد أن تخلت الأم الحنون عن دورها في لبنان .. ماذا عن ماكرون !؟

الجمهورية الفرنسية الخامسة ..

في أواخر الخمسينات ، ربما 1958 تأسست ما عرف في التاريخ الفرنسي الجمهورية الخامسة . وهو عنوان يحمل وراءه حجما كبيرا في شكل الحكم ، حصل على يد الرئيس الفرنسي شارل ديغول ، الذي كان الرئيس الفرنسي - الفرنسي ، الأخير . أو الرجل - الرجل . اتفقنا أو اختلفنا معه .

وحين رفض الشعب الفرنسي في أواخر الستينات بعض مقترحاته للإصلاح قدم استقالته للشعب الذي انتخبه وذهب إلى بيته ، كان ذلك على ما أذكر 1969 ..

الذهاب إلى البيت بعد سنين من الخدمة العامة ، وقبل الذهاب إلى القبر ، ليس سيئا إلى هذا الحد . من أجمل ما قال المهلهل لأخيه كليب :

نبئت أن النار بعدك أوقدت  ... واستب بعدك يا كليب المجلس

وتنازعوا أمر كل عظيمـة ، لو كنتَ حاضر أمرها لم ينبسـوا

معالم رجولة ديغول لم تكن فقط في موقفه من الاحتلال النازي لبلاده . بل وفي مواطن كثيرة منها استقالته الأخيرة ، ومنها إمضاء عملية الانسحاب من الجزائر ، ومنها موقفه من العدوان الصهيوني سنة 1967 .

بعد ديغول جاء إلى الرئاسة الفرنسية الرئيس بومبيدو حتى 1974 . كل ما أحفظه عنه بين تضاريس السنين أنه كان يحاول أن يكون وفيا لإرث ديغول ولكنه لم يستطع . وفي مثل ديغول تقول العرب : أتعب من جاء بعده ..

وبعد بومبيدو جاء فاليري جيسكار ديستان وحتى 1981 وفي عهده وعهد خليفتيه ميتران حتى 1995 وشيراك حتى 2007 توقفت فرنسة عن لعب دور الأم الحنون لموارنة لبنان .. وتحولت إلى تحالف مباشر مع الأسدين تكرس فيما يبدو حتى اليوم . تذكروا قول ماكرون : بشار الأسد عدو السوريين وليس عدونا ..كلمة موجزة مختصرة ثرية دالة معبرة لقوم يفقهون ..

وتم تفويض " حافظ الأسد " بالمفهوم الطائفي ، وعن طريقه من ثم حزب الله بلعب دور بيضة القبان في التحكم بلبنان ..

وحلت ميليشيا حزب الله التي صنعت على عين الصهيوني والأمريكي محل ميليشيا مجموعة انطون لحد " العميل " الوصف الذي أصبح لازما لكثرة ما سمعناه . لم نسأل أنفسنا يوما لمصلحة من تم بيع هذه الميليشيا ؟ ومن باع ومن اشترى ؟! .

ومن قبل هذا بأكثر من عقد شعر المسيحيون عموما والموارنة خصوصا ، أنهم تم بيعهم لحافظ الأسد ولطائفته ومواليها من اللبنانيين وبثمن بخس . حتى الآن آلاف المفقودين من الموارنة في سجون حافظ وبشار ..لا أحد يريد أن يسأل . بل ورث السؤالَ عنهم بعد أمهاتهم بناتهم ولا من مجيب .

عندما قال بشار الأسد الذي تم استقباله في قصر الإليزية الشيراكي، قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية ، لرفيق الحريري : نحن نكسر في لبنان أكبر رأس ، كان يعي ما يقول . لم تكن الرؤوس التي أطاح بها حافظ وبشار الأسد في لبنان رؤوسا إسلامية سنية فقط ، فمن كمال جنبلاط إلى رينية معوض وبشير الجميل وبقية الرؤوس فعلا كان المنجل الأسدي الطائفي ذو الحدين يحصد .. وكان الهدف من عملية تكسير الرؤوس أن لا يبقى في لبنان رأس ..

لقد أربكت السياسة الفرنسية بتخليها عن حلفائها التقليدين المحللين السياسيين لعقد من الزمان . ودفع الكثير من الأطراف ثمن التغيير المفاجئ في الاستراتيجية الفرنسية.

ففي فرنسة " العلمانية " تقدم العداء للإسلام على الولاء للمسيحية . فحسب تعبير جاك شيراك : قمع الأصولية الإسلامية في المنطقة يستحق التضحية ببعض المصالح هنا وهناك . ومن هنا فإن حافظ الأسد يستحق المراهنة عليه ، وهكذا كان .. ويعتقدون بعد ما حصل في سورية وفي لبنان أنهم كسبوا الرهان .

وحتى بعد اغتيال الحريري سارع الرئيس الفرنسي الهش ساركوزي إلى إلقاء حبل الخلاص لبشار الأسد ، تولى ملفه من بوش الابن ، وأعاد استقباله بالإليزية على الطريقة نفسها التي استقبله بها شيراك ..

واليوم ومع الموعد المحدد للنطق بالحكم الدولي في تحديد المسئولية في مقتل الحريري ..

ومع اعتقاد واضعي الاستراتيجيات العالمية أن الدور الوظيفي لإيران وحزب الله يجب أن يوضع تحت السيطرة ..

وأن مهمة الثأر من مسلمي المنطقة قد بلغت مداها في هذا الدور التاريخي ..

ومع التفجير في مطار بيروت ، الذي يعلم الجميع ، مدخله ومخرجه ، حتى نتساءل : عمّ يتساءلون ؟!

وأخيرا ومع زيارة ماكرون للبنان ...

هل انتهت مهمة القمع ودور القامعين ..

هل ستستعيد فرنسة العلمانية دور لويس التاسع الكاثوليكي كما استعاد بوتين دوره الأرثوذكسي ..؟!

هل لبنان الماروني سيكون أرحم بشعب لبنان وشعوب المنطقة من لبنان المتويلي ..

أسئلة تظل مفتوحة لمن يريد أن يعتبر ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 888