هل ستنبه جائحة كورونا المغاربة إلى غلبة سلوك التهور المتفشي في الغالبية العظمى منهم؟

من المعلوم أن التهور عبارة عن سلوك مندفع دون مبالاة، ودون تفكير في العواقب.وقد صار عادة لدى البعض يعتمدونه في كل أحوالهم دون اتعاظ بالرغم من سوء العواقب المترتبة عن هذه العادة السيئة .

ويكمن رصد التهور في العديد من التصرفا الملحوظة في الحياة اليومية لدى الغالبية العظمى من الناس في مجتمعنا ، والتي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر نموذج التهور في السير أو المرور سواء سير الراجلين أو مرور الراكبين ، ونكتفي به  في هذا المقام لأن عليه تقاس نماذج أخرى من التهور.

ففي كل لحظة تمر بنا ترتكب أخطاء فادحة أثناء عملية السير أو المرور والتي لها عواقب وخيمة يعكسها عدد الضحايا  الذين يسقطون يوميا بين قتيل وجريح ينتهي  به المطاف غالبا بعاهة  دائمة . والإحصائيات المتعلقة بضحايا حوادث السير التي يصرح بها سنويا ثقيلة جدا  حتى صار يصدق على اسم حرب الطرق ، وهي حرب ضحاياها كضحايا حرب سلاح  حقيقية .

ويمكن رصد التهور في سير الراجلين من خلال لامبالاتهم التي تتجلى من خلال السيرأو عبورهم  وسط الطرق عوض السير فوق أرصفتها لأن هذه الأخيرة في معظمها داخل المدن تكون محتلة إما بسلع معروضة أمام واجهات المتاجر أو بسلع الباعة المتجولين، وهؤلاء قد يحتلون حتى وسط الطرق أو محتلة  بكراسي المقاهي التي لا توقف زحفها سوى الأرصفة . وبقدر ما يسجل التهور على المارة يسجل تهور مثله بالنسبة للتجار والباعة المتجولين وأرباب المقاهي ، فالجميع يشارك بتهوره في اضطراب عملية سير الراجلين والراكبين على حد سواء ، والنتيجة هي سقوط ضحايا أغلبهم من الراجلين .

 ومن تهور الراجلين أيضا أنهم لا يعيرون أدنى اهتمام لعلامات المرور خصوصا الأضواء التي تنظم عملية السير بينهم وبين الراكبين، ففي حين يتوقف هؤلاء عن السير لتمكين الراجلين من المرور الآمن ، فإن معظم الراجلين لا يكلفون أنفسهم مجرد النظر إلى الأضواء الخاصة بهم، والتي تنبههم إلى ما يتهددهم من أخطار . ولا يقف تهورهم عند هذا الحد بل يتعداه إلى الاحتجاج على الراكبين مع كيل الشتائم لهم دون مراجعة ذواتهم فيما يقدمون عليه من تهور صارخ في عملية سيرهم أو عبورهم  .

ولا يقل تهور الراكبين  وهم أنواع عن تهور الراجلين  في عملية السير فالدراجون  ممن يمتطون الدرجات الهوائية  لا يختلف تهورهم عن تهور الراجلين حيث يعرضون أنفسهم للأخطار المباشرة ،لأنه يخيل إليهم أن قوانين السير لا تعنيهم أو أن الأقلام مرفوعة عنهم، فيشاهدون في الغالب وهم يندفعون أمام الأضواء الحمراء وأمام علامات الوقوف لا يبالون بها ولا يقدرون عواقب تهورهم بتجاهلها .

أما الدراجون الذين يمتطون الدرجات النارية، وهي مختلف الأنواع  ومختلف الآفات الناتجة عن تهور من يركبونها ، فهؤلاء القلة القليلة منهم هي التي تنضبط لعلامات المرور الضوئية منها والصفيحية . وغالبا ما يكون المتهورون من هذه الشريحة من الشباب المندفع الذي يزهو بتهوره ويفاخر به . وإن بعض هؤلاء يبلغ بهم التهور درجة ممارسة مغامرات خطيرة عن طريق سباقات بهلوانية فيما بينهم أو  حركات استعراضية كالسير على عجلة واحدة، وغالبا ما تكون العاقبة وخيمة . ومن تهور هؤلاء أيضا الاستخفاف بلبس الخوذة التي يعلقونها على درجاتهم دون استعمالها ،علما بأن ذلك غالبا ما يترتب عنه إصابات  في الرأس قاتلة أو مسببة لعاهة دائمة . ومن تهور هؤلاء أيضا تعمد تعطيل كاتم الصوت المثبت في  قناة العادم  للتخفيف من ضجيج المحرك والتقليل من التلوث حيث يصير لمحركات دراجاتهم زعيق يصم الآذان ،وهم يرون في ذلك بطولة تستوجب  الاهتمام والإعجاب والتشجيع والتصفيق ، ومع الأسف الشديد يجدون ذلك من أمثالهم في التهور، الشيء الذي يشجعهم على التمادي فيه .

ومع ظهور الدراجات ثلاثية العجلات ظهر صنف جديد من المتهورين الذين يستعملونها دون أدنى مراعاة لقوانين السير حيث يستعملونها لنقل الركاب كأنها وسائل نقل حضري ، فضلا عن تغيير أحجامها لتصير في بعض الأحيان محاكية لشاحنات النقل المتوسطة الحجم .  ومن تهور أصحابها من الباعة المتجولين ركنها في الطرق والشوارع، فيتسبب ذلك في عرقلة المرور ، ويكون سببا في وقوع حوادث . ولا يسلم أحد من ألسنة هؤلاء إذا ما انتقد سلوكهم حيث يشبعون شتما وسبا ، وربما عنفوه واعتدوا عليه .

أما سائقو السيارات، فحدث ولا حرج عن تهورهم بدءا بعدم احترام قوانين السير خصوصا ما يتعلق بعلامات المنع ، وغالبا ما تحدث حوادث عند الأضواء المنظمة لعملية السير بسبب عدم احترامها الذي يكون الدافع وراءه هو تعمد التهور . ومن مظاهر التهور عند هؤلاء التنافس في السرعة بالرغم من وجود صفائح عليها علامات تحدد السرعة داخل المدارات الحضارية وخارجها  حيث يستعملون أبواق السيارات والأضواء طلبا للتجاوز ، ويبدو وكأن سير بعضهم وراء بعض منقصة وعيب وسبة . وغالبا ما يكيل بعضهم لبعض الشتائم فتقذف أعراض الأمهات، ويلعن الآباء ،ويسب الدين والرب .

وعلى رأس المتهورين من ساقي السيارات أصحاب الطاكسيات الصغرى والكبرى لأن هؤلاء يظنون في أنفسهم وهم حاصلون على رخصة سياقة الطاكسيات خبرة فوق خبرة غيرهم من السائقين، لذلك يجيزون لأنفسهم ما لا يجوز من التهور لغيرهم  في سياقتهم ، وغالبا ما يكون تهورهم سببا في حوادث خطيرة . ويشترك معهم في تهورهم سائقو حافلات النقل العمومي لأنهم أيضا يعتبرون أنفسهم خبراء في السياقة مع أن الحوادث التي يتسببون فيها غالبا ما تكون كارثية.

ومن تهور راكبي مختلف وسائل النقل أنهم يلتقون جميعا في الاستخفاف بقانون السير ، وهو ما يجعلهم يتعاونون على تنبيه بعضهم البعض من دوريات شرطة أو درك المرور ، وفي ذلك تشجيع بعضهم لبعض على الدوس  على قانون السير ، ويظهرون في ذلك تعاطفا فيما بينهم ،وهو ما يعكس تهورهم  ويزيدهم تماديا فيه ،علما بأن التستر على مخالفة في السير أوالتنبيه على الدوريات الراصدة لها  يعتبر تشجيعا على الحوادث بل ومشاركة متعمدة فيها .

وبنفس التهور الملحوظ في عملية السير أو المرور تعامل معظم الناس عندنا مع جائحة كورونا فاستخفوا بها أيما استخفاف وهي تزداد انتشارا ، وتحصد المزيد من الأرواح يوميا، والسبب في ذلك هو الدوس على إجراءات الوقاية من تباعد ، ومن تكميم للأنوف والأفواه ، ومن تعقيم للأطراف ، ومن احترام للحجرالصحي.

ولقد فضحت هذه الجائحة ما نحن عليه من تهور يطبع غالبية تصرفاتنا حتى صار ذهنية غالبة ومسيطرة .

 والسؤال المطروح هو :هل ستكون العواقب الوخيمة لهذه الجائحة سببا في ردع الكثير منا  عن التهور أم أننا سنستمر في تهورنا فيما هو أخطر من حوادث السير ومن جائحة كورونا  لا قدر الله  ؟