من العريان إلى نافالني: مقاربات الأنظمة ضد معارضيها!

أعلن أمين عام نقابة أطباء مصر استقالته بعد أن قامت النقابة بنعي أمين صندوقها الأسبق، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين عصام العريان، الذي توفي داخل محبسه الأسبوع الماضي، وفسّر إيهاب الطاهر، عبر صفحة النقابة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، استقالته بأنها جاءت بعد «معاتبات كثيرة ممن ظنوا أنه كان وراء نعي العريان».

نقابة الأطباء المصريين، مثل كل المؤسسات النقابية والرسمية في مصر، تدين قياداتها ومجالسها «المنتخبة» بالولاء للنظام الحاكم، ولعلّ المفارقة جاءت من اعتقاد بعض مسؤولي ومنتسبي النقابة (الذين وصف النقيب ما فعلوه بـ«اندفاع الشباب») أنها بالفعل نقابة، مهمتها الدفاع عن أولئك المنتسبين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، إذا وقع الظلم عليهم أو حوكموا وزجوا في السجون، وليست هيكلا فارغا يحتاجه النظام لتمرير أوامره وزواجره إلى جموع الأطباء (أو المعلمين والمحامين والمهندسين في النقابات الأخرى).

استقالة أمين عام نقابة الأطباء المصريين هي إعلان بليغ أنه لا يرأس نقابة ولا يحزنون، وأن المطلوب منه الالتزام بالأجندة الأمنية والسياسية للنظام، وعليه، بدلا من الدفاع عن نقابته ومنتسبيها، أن يثبت أنها ليست نقابة بل سوطا إضافيا لأصحاب الأمر والنهي، وأن يتجرّد أيضا من الأخلاق التي اعتاد عليها المصريون عبر القرون في احترام الموتى والترحم عليهم، فما بالك بطبيب كان مسؤولا كبيرا سابقا في النقابة نفسها، مات، على الأغلب بسبب «الإهمال الصحي المتعمد» ويفترض بهذه النقابة أن تحاول إطلاقه من سجنه لا التبرؤ من نعيه.

تفتح حادثة المعارض الروسي أليكسي نافالني، الذي قال أمس الخميس إن السلطات قامت بتسميمه، الباب للمقارنة بين طرق «إخراج» الأنظمة الدكتاتورية لمسألة التخلص من المعارضين، ففي حين تركت السلطات المصريّة لبعض الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام لترويج شائعات واختراع «سيناريوهات» لتفسير وفاة العريان، ومنها القول إنه أصيب بأزمة قلبية إثر شجار مع زملائه من الجماعة الحزبية نفسها، فإن الكرملين قام بالتعامل مع الواقعة شخصيا، فنافالني هو بمثابة الخصم السياسي الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين، والتعرّض له سيوجّه الاتهام مباشرة إلى بوتين وأجهزة مخابراته.

أضفى الناطق الرسمي باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، نوعا من الفكاهة السوداء التي صارت تميّز السلطات الروسيّة حين يتعلّق الأمر بتصفية معارضيها في الداخل أو الخارج، حيث ادعى أنه «قرأ هذه المعلومة» وأنه يعلم أن المعارض في حال خطرة «ومثل أي مواطن روسي نتمنى له الشفاء العاجل»!

أبدت السلطات الروسية والمصرية، في حالتي التعامل مع العريان ونافالني، أشكالا من الصفاقة السميكة، والزائدة عن الحد، فتمرير نعي النقابة المصرية لأمين صندوقها الأسبق كان سيعطي بعضا من المسحة الحضارية والمدنية لنظام يصرّ على مقاربة الهمجية، وكان السكوت على عادة تسميم المعارضين الشهيرة سيفيد الكرملين أكثر من ادعاء المتحدث باسم بوتين بأنه قرأ عن الحادثة وأنه يتمنى الخير للمعارض الشهير، فكل العالم يعرف أن المخابرات الروسيّة تجوب العالم لتنفيذ عمليات الاغتيال بالسم أو المواد الكيميائية الخطيرة ضد معارضيها في الخارج، فما بالك بمعارضيها في الداخل.