الروهينجا: فلسطينيو آسيا أم صورة المستقبل؟

كان عدد الفلسطينيين الذين فرّوا أو نزحوا أثناء نكبة عام 1948 قرابة 711 ألفا من أصل حوالى 900 ألف من العرب الذين يسكنون البلاد حينها، وهو يقارب عدد الروهينجا الذين نزحوا من بلادهم بعد أن بدأ جيش ميانمار وميليشيات من المتطرفين القوميين سلسلة هجمات مروّعة ضدهم بدأت في مثل هذه الأيام قبل 3 سنوات.

لا يمكن اعتبارها مصادفة بحتة أن جيش ميانمار افتتح مذابحه بإحراق قرية «كان كيا» وجرفها بالجرافات، في 11 أيلول/سبتمبر، اليوم الذي يصادف الهجوم الإرهابي الشهير لتنظيم «القاعدة» على برجي التجارة العالمية في نيويورك ومواقع أخرى، وربما اعتبرت سلطات ميانمار توقيت الهجوم مناسبا لإعطاء غطاء عالمي لاستباحة الروهينجا باعتبارهم مسلمين

بهذه الطريقة افترضت طغمة ميانمار الحاكمة، وبضمنها رئيسة الوزراء، المدافعة الشهيرة عن «حقوق الإنسان» وحائزة جائزة نوبل للسلام، أونغ سان سو تشي، أن من قام بالهجوم على أمريكا هم مجمل المسلمين وليس مجموعة أرسلها تنظيم إرهابي مطارد من كافة الدول العربية والإسلامية.

بهذا التأويل الخبيث، والذي شكّل أحد أسس الإسلاموفوبيا العالمية، تماهت حكومة ميانمار الديمقراطية، مع نظير لها فيما يسمى «الشرق الأوسط»: إسرائيل، التي ركبت حينها هذه الموجة الكبرى فساهمت بكل قوتها لتحميل النظام العراقي حينها مسؤولية الهجمات تلك، وساندها مناضلون لنشر الديمقراطية، ومدافعون عن حقوق الإنسان (مثل أونغ سان سو تشي!)، ويساريون ويمينيون من كافة الاتجاهات، مما أدى لمأساة احتلال العراق وما تمخّض عنها من كوارث عربية كبرى لاحقة.

يعيدنا موضوع الروهينجا، ومشاركة رئيسة وزراء ميانمار «المناضلة» في سبيل الديمقراطية والحرية، بمناضلي الديمقراطية، والمدافعين عن حقوق الإنسان، واليساريين العتاة، الذين شاركوا أيضا في الدفاع عن «حق إسرائيل في الوجود» وبالاتحاد السوفييتي الذي كان أول دولة اعترفت بإسرائيل، وتبعتها دول «الطوق الاشتراكي»: تشيكوسلوفاكيا وصربيا، وبولندا، فدولة إسرائيل كانت، في نظر أولئك، بلدا اشتراكيا، وكان حقها في الوجود، لا يتنافى مع المذابح التي مورست ضد الفلسطينيين، وعمليات التهجير المنظمة التي تعرضوا لها، والتي ستكون فاتحة لظهور الاستبدادات العسكرية العربية، ولسلسلة متصلة لاحقة من المجازر المستمرة ضد الفلسطينيين وضد الشعوب المقموعة!

حسب تقرير صدر أمس فإن عشرات المباني الحكومية والعسكرية قد انتصبت في المكان الذي كانت فيه تلك القرية المنكوبة التي اختفت من «خرائط غوغل» وأصبحت غير موجودة بعد أن زال اسمها من الخرائط التي تصدرها السلطات، وحين يقول عمدة قرية كانت قرية من «كان كيا» ويعيش في مخيم للاجئين في بنغلادش، أن هدف حكومة ميانمار «ألا نعود» فإن هذا القول يتصادى بعمق مع ما تفعله حكومات إسرائيل المتعاقبة مع الفلسطينيين، والأغلب أن محو الأسماء بعد استئصال البشر وترويعهم وتهجيرهم يرغب في القول إنهم لم يكونوا موجودين هناك أبدا، وهو صلب علاقة إسرائيل بالفلسطينيين.

تتابع منظمات حقوق الإنسان في العالم قضايا الروهينجا الذين أصبحوا «فائضا» ثقيلا على العالم، غير أن الأسوأ من ذلك أنهم صاروا، كما حصل مع الفلسطينيين من قبلهم، نموذجا يمكن لأنظمة الطغيان المتوحشة نسخه، وهو ما يجري في الهند التي أصدرت قانونا للجنسية يمكن أن يؤدي لتشريع تهجير الملايين من مواطنيها، وما يجري في الصين التي تقوم بالتعامل مع الإسلام باعتباره مرضا عقليا يمكن شفاء ملايين المسلمين الصينيين منه بوضعهم في مراكز احتجاز لإعادة صياغة عقولهم.

أغلب هذه النماذج الوحشية تتعرض لها شعوب مسلمة، لكنّ عتاة المناضلين الديمقراطيين على شاكلة أونغ سان سو تشي، لا يعلمون أن الشرّ حين يبدأ لا يقف عند دين أو عرق أو حدود.

وسوم: العدد 894