حملة عواصم «الثورة المضادة» من القاهرة ضد مقاطعة فرنسا!

وكانوا في حماسهم ضد المقاطعة، كما لو كانوا من أصول فرنسية، وأنهم نتاج زواج خالد الذكر الجنرال مينو وربة الصون والعفاف السيدة «زبيدة» أو «غادة رشيد» وهو اسم الرواية التي حكت قصتها وكتبها علي الجارم، ومن خالد الجندي، إلى عمرو أديب، مرورا بطبيعة الحال بتامر أمين، عدا أحمد موسى!

فقد نفرت الأبواق الإعلامية للجنرال في القاهرة خفافاً وثقالاً، ضد الدعوة لمقاطعة البضائع والمنتجات الفرنسية، واستنكروها، وكانوا في الدرجة نفسها من الحماس وهم يدعون لمقاطعة البضائع التركية قبل أيام قليلة من هذا الاحتشاد، على نحو يؤكد أنهم السلالة النقية للجنرال الفرنسي مينو، الذي كان جنرالاً في الحملة الفرنسية على مصر، وحكم رشيد هناك لفترة، قبل أن يتزوج من «الجميلة زبيدة» والتي أدمت قصتها قلوبنا الغضة، وهي التي أحبت ابن خالتها «محمود» لكنها اضطرت في النهاية للزواج بمينو، وإن بقت على حبها، رغم أنها غادرت إلى فرنسا بعد انتهاء الحملة الفرنسية، وعادت لتدفن في مصر، وفي زواجها، ومغادرتها، وفي عودتها ودفنها، كانت عاطفتنا الجياشة تتدفق حزناً على هذه المأساة!

تبني ماكرون للرسوم

لا أعرف شيئا عن مصير أنجال السيدة زبيدة، لكن جاء في المسلسل أنها أنجبت قبل أن تغادر مصر، وهذا أمر يحتاج إلى جلسة مع المؤرخ الدكتور محمد الجوادي، لكن مع هذا فقد بدا لي أن الأذرع الإعلامية للسيسي امتداد لهذه السلالة، وهم في حالة حماس ضد الدعوة لمقاطعة المنتجات الفرنسية، ومن عمرو أديب، إلى خالد الجندي، مرورا بطبيعة الحال بتامر أمين، عدا أحمد موسى!

فالأذرع الإعلامية للانقلاب العسكري، اندفعت تستنكر هذه الدعوة، التي انطلقت كرد فعل، ليس على رسوم لفنان نشرتها جريدة، فقد فعلتها «شارل إبدو» من قبل ولم تطلق هذه الدعوة، ولكن لأن الرئيس الفرنسي ماكرون تبنى هذه الرسوم المسيئة، واعتبرها مجرد تعبير عن الرأي، وأن قيم العلمانية الفرنسية تسمح بها، ولم يكن في هذا خارجاً عن سياقه، وإنما كان امتداداً لموقفه من الإسلام، الذي قال قبل واقعة الطعن، إنه يواجه أزمة!

وقد شاركت في حملة رفض المقاطعة واستنكارها والتقليل من أهميتها قنوات التلفزيون المصري الرسمي عبر وائل الإبراشي وضيفه الفنان محمد صبحي الذي يعيش في دور المفكر السياسي، إلى قناة «دي إم سي» الشهيرة بقناة المخابرات، وهي تمويل إماراتي خالص، إلى القناة التي يعمل فيها تامر أمين، وحتى قناة «صدى البلد» كانت على الخط، وأعلنت عزة مصطفى منها رفضها للاستغلال السياسي، وليس انتهاء بالقناة السعودية «إم بي سي مصر» حيث عمرو أديب الوكيل الحصري لتركي آل الشيخ. عدا أحمد موسى!

في قناة المخابرات انبرى شيخهم خالد الجندي، ليصف المقاطعة بـ «الهجس» ويقول فتش عن تركيا، ويطلب من الداعين للمقاطعة ألا يكونوا ألعوبة في يد النظام التركي، وقد قلل من أهميتها، لكن يشاء السميع العليم إنه بعد ساعات من هذا الإعلان لمن يقوم بدور الواعظ على خشبة المسرح العسكري، أن فرنسا نفسها وعبر بيان لوزارة الخارجية بدت وقد ارتج عليها من قوة هذه الدعوة.

واستخدم نشأت الديهي كل أدوات الإثارة، وهو يقول إن الزي الذي ترتديه زوجة أردوغان الداعي لمقاطعة المنتجات الفرنسية، فرنسي، وكأنه خبرة في الأزياء، الحريمي على وجه التحديد!

ولا بأس فنشأت يعمل في قناة إماراتية شحماً ولحماً، لم يسري عليها ما سرى على قناة «الحياة» التي تبين إنها إماراتية، وقد أطلقوها في مصر باسم السيد البدوي شحاتة، ووضعت الأجهزة الأمنية يدها عليها ضمن ترسانة القنوات التلفزيونية التي استحوذت عليها.

وثار عمرو أديب على القناة السعودية وهو يعلن إنها «خناقة» بين تركيا وفرنسا، فالاثنان «عندهم مشاكل مع بعض» وطلب من المشاهدين أن «يبصوا للمسألة»!

ورد عليه محمد ناصر على قناة «مكملين» إذا كانت حرباً بين فرنسا وتركيا، فمن أدخل الرسول فيها وقد بدأت بتبني ماكرون لها؟!

وقال تامر أمين بطبيعة الحال أن هناك من يريدون أن «تولع فرنسا والبضائع الفرنسية». وعلى إحدى القنوات قال شريف الشوباشي «أنا لا أرى أن ماكرون هاجم الإسلام» حتى الشيخ «مبروك عطية «كان جزءاً من حملة هذه الأبواق بما فيها تامر أمين بطبيعة الحال، عدا أحمد موسى!

إلا البحرين

ومن هنا يبدو واضحاً أنها حملة شاركت فيها عواصم الثورة المضادة من القاهرة، مع تعدد الكفيل، فمَثل عمرو أديب السعودية بشكل واضح، ومَثل نشأت الديهي الإمارات بشكل واضح، ومَثل الأجهزة الأمنية التي تدير الإعلام المصري وائل الإبراشي بشكل واضح، وجميعهم متعددو الولاءات، وإن كان ولاء عند كل منهم يطغى على ولاء، وجاز في حقهم القول، مرحبا بكم في وطنكم الثاني مصر!

والدولة الوحيدة، التي ليس لها ممثلون في مصر من عواصم الثورة المضادة هي مملكة البحرين، لأن «الحال من بعضه» وقد ذهب أهل الدثور بالامتدادات الإعلامية لهم، فماذا تملك البحرين لتنفقه على قنوات الفشل؟!

وتكمن مشكلة القوم، أن الدعوة لمقاطعة المنتجات الفرنسية كانت بعد أيام قليلة من دعوتهم جميعا بمن فيهم أحمد موسى، وتامر أمين بطبيعة الحال، إلى مقاطعة المنتجات التركية، وكانوا صدى صوت للدعوة التي انطلقت في السعودية لهذا الغرض، والوحيد الذي لم ينتبه لذلك هو خالد الجندي، الذي اعتبر الدعوة للمقاطعة هي «هجايص» ولم ينتبه إلى أن الوصف قد يكون لائقاً فعلاً بالدعوة السعودية لمقاطعة المنتجات التركية!

لقد حاول عمرو أديب أن يبدو موضوعياً، فتحدث عن الأضرار التي ستلحق بالمصريين الذين يعملون في الشركات التي شملتها الدعوة للمقاطعة، مع أنه لم يراع هذا عند الدعوة لحصار قطر، بل كانت الدعاية التي تولاها أحمد موسى تدفع للأضرار بهم، عندما طالبهم عبر قناة «صدى البلد» بحصار قناة الجزيرة مرة، وبحصار القصر الأميري في مرة أخرى، وبالتظاهر لإسقاط الحكم القطري في المرتين، فمن أين جاء أديب بهذه العاطفة الجياشة، وأين كانت هذه العاطفة مع الدعوة لمقاطعة السلع التركية، وقرابة المليون مصري هم من يعملون في مجال التجارة البينية بين البلدين!

الماكرونية

ليس في مصر تيار فرنكفوني، والأمر في هذا الجانب يدور في سياق الخفة، التي عبر عنها محافظ للجيزة يتسم بـ «الفهلوة» عندما زار الرئيس الفرنسي جاك شيراك القاهرة، وكان مقرراً له المرور من شارع مراد، فغير المحافظ اسمه إلى شارع شارل ديغول، بيد أن من يتابع هذه الحملة ضد الدعوة لمقاطعة المنتجات الفرنسية، سيقول إنها ميليشيات ماكرونية نسبة لإيمانويل ماكرون، وقد وجدوا فيه رمزا يناكف أردوغان، وهم في حربهم عليه، اعتبروا أنهم يمثلون المماليك، وأن السيسي هو السلطان طومانباي، الذي قتله السلطان العثماني سليم الأول جد أردوغان، بل وصل الأمر بدار الإفتاء المصرية، إلى أنها تهاجم محمد الفاتح وتندد بفتح القسطنطينية، لولا تذكير المفتي بحديث الرسول «لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش هذا الجيش»!يوشكوا في هذه الحملة أن يقولوا إن النبي صلى الله عليه وسلم شأن تركي، وهي الحملة التي شاركت فيها البنت وأمها، إلا أحمد موسى، لأن رعاته الرسميين، لديهم خبرة سياسية منعته من الانزلاق في هذه الحملة، فدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهتف: إلا محمد.. إلا الرسول.

لكل داء دواء يستطب به    إلا الحماقة؛ أعيت من يداويها !

وسوم: العدد 901