إلى أين تذهب الأمور بين أنقرة وباريس؟

عداء ماكرون للإسلام والمسلمين

هاجم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ما أسماه "الإنعزالية الإسلامية"، وقال إن فرنسا تعمل على خطة "المجتمع المضاد"، من خلال الإعلان عن عدة إجراءات خاصة في مجال التعليم وكذلك مسألة تنظيم عمل أئمة المساجد.

وأشار الرئيس الفرنسي إلى أن "الإسلام دين يعيش أزمة اليوم في جميع أنحاء العالم"، بحسب تعبيره.

وبعد أن قال إن "الإسلام دين يعيش أزمة اليوم في جميع أنحاء العالم"، تحدث ماكرون بإسهاب عن "الانعزالية الإسلامية" في فرنسا التي أدت إلى "تسرب الأطفال من المدارس"، و"تطوير ممارسات رياضية وثقافية" خاصة بالمسلمين و"التلقين العقائدي وإنكار مبادئنا على غرار المساواة بين الرجال والنساء".

وشدد الرئيس الفرنسي الذي كان يتحدث في ليه موروه، وهي بلدة حساسة يقطنها 30 ألف نسمة في منطقة باريس، "لا أود أن يكون هناك أي التباس أو خلط للأمور"، لكن "لا بد لنا من الإقرار بوجود نزعة إسلامية راديكالية تقود إلى إنكار الجمهورية".

ودعا الرئيس الفرنسي إلى "فهم أفضل للإسلام" وتعليم اللغة العربية. كما تمنى "إسلامًا يكون في سلام مع الجمهورية"، وخالياً من "التأثيرات الخارجية"، متطرقاً إلى موضوع يتكرر طرحه في فرنسا.

ومنذ أن جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه وشغله الشاغل التطاول على الدين الإسلامي الحنيف بشكل مستفز وغير مسبوق، متبنياً سياسة تصنيع الخوف والاستثمار الانتخابي في الإسلاموفوبيا.

هذه الإساءة المستمرة من ماكرون للإسلام جاء تمهيداً لتمرير قوانين وإجراءات ذات طابع عنصري ضد المسلمين في فرنسا، وهم الذين يشكلون 8% من تعداد سكان فرنسا.

وجاء نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وإصرار ماكرون على إعادة نشرها كمن يصب الزيت على النار، وكانت من نتائجها ما سمعه العالم من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو يصف ماكرون بقصور العقل وحاجته إلى الذهاب إلى مصحة عقلية.

الاحتجاجات تعم العالم العربي والإسلامي تنديداً بمواقف ماكرون

وعمت الاحتجاجات أنحاء العالم العربي والإسلامي؛ تنديدا بإساءة فرنسا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وخرج المحتجون، في معظم الدول العربية والإسلامية؛ منددين بإعادة نشر فرنسا الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون غير المسؤولة تجاه الإسلام.

وتزامنت الاحتجاجات مع استمرار الحملة الداعية إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية ردا على الإساءة للنبي.

وتصدرت حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية في عدد من الدول العربية، وذكرت صحيفة "لوفيجارو" أن هناك "عاصفة" ضد المنتجات الفرنسية في الشرق الأوسط خلال الـ48 ساعة، موضحة أنها تتسع بشكل كبير في الدوائر الرسمية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وستخلف خسائر كبيرة تقدر بملايين اليوروهات على فرنسا.

طموحات الرئيس الفرنسي ماكرون

نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا جاء فيه: إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يريد أن يكون القوة العظمى في الشرق الأوسط، مضيفة: لقد "عاد الفرنسيون إلى الشرق الأوسط، أو على الأقل هكذا يبدو الأمر، فالحديث هذه الأيام عن روسيا والصين اللتين تملآن الفراغ الذي تزعم المجلة أن الولايات المتحدة تركته في الشرق الأوسط. وتحاول فرنسا أن تكون جزءا من النقاش".

وقام الرئيس ماكرون في مدى شهر ونصف بزيارة لبنان مرتين وظهر فجأة في بغداد التي التقى فيها مع الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس حكومة إقليم كردستان نيجرفان بارزاني.

وعزز ماكرون من الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة حيث نشر وحدات من البحرية الفرنسية بما فيها حاملة للمروحيات وفرقاطة في شرق المتوسط، ومن الناحية الرسمية فقد تم تبرير التحركات لدعم لبنان بعد الانفجار الهائل في مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس الماضي، وهذا لا يفسر وجود القوات الفرنسية والمقاتلات التي وصلت إلى الجزيرة اليونانية، كريت، ولا المقاتلتين اللتين ظهرتا في قبرص، وكان وجود البحرية بشكل محدد من أجل إظهار التضامن مع البحرية اليونانية والقيام بمناورة مشتركة، وتعلق المجلة قائلة: "إن صناع السياسة في فرنسا طالما تمسكوا بأسطورة القوة الفرنسية في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا وشرق المتوسط، ويبيعون أسلحة متقدمة لعدد من الدول، وانضموا للبريطانيين والأمريكيين في أكثر من عملية عسكرية باستثناء غزو العراق، ويشاركون في عمليات مكافحة -ما يدعونه- الإرهاب في شمال إفريقيا، وبين الفترة والأخرى يعبر الرئيس الفرنسي عن تصميمه لحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.

ويبدو أن الفرنسيين اليوم أكثر جدية فيما يتعلق بدورهم بالمنطقة. ويتقدم ماكرون الآن بزعم أن فرنسا مستعدة لاستخدام القوة تحت يافطة ممجوجة وهي (من أجل تحقيق النظام والاستقرار في المنطقة)، ولكن السبب الحقيقي الذي يدفع ماكرون لكل الذي يقوم به هو بعبارات أخرى هناك الطاقة واللاجئين وتركيا.

التناقضات التي يتخبط بها ماكرون تخفي وراءها الكيفية التي تحاول فيها فرنسا حماية مصالحها في المنطقة بما فيها الجهود المتطورة للاستفادة من مصادر الطاقة في المنطقة. ثم هناك تركيا، فالعلاقة القائمة على سوء النوايا تذهب أبعد من غياب المودة بين ماكرون والرئيس رجب طيب أردوغان، ففرنسا ترفض إلى جانب عدد من الدول الأوروبية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهؤلاء يرون أن الاتحاد الأوروبي هو ناد مسيحي يشترك بالحدود الجغرافية، وهو ما لا يؤهل تركيا أبدا للانضمام إليه، وبالطبع لم يجلب تهديد تركيا بفتح أبواب الهجرة على أوروبا الكثير من الأصدقاء خاصة في فرنسا، وتنقيب تركيا عن الغاز في شرق المتوسط يهدد دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ومصالحها التجارية. ولو أصبحت ليبيا دولة حليفة لأنقرة في شمال أفريقيا، كما يرى ماكرون، فعلى فرنسا أن تتوقع مستقبلاً سيئاً لشركة توتال التي تملكها في ليبيا.

واعتقد الفرنسيون أنهم لن يقفوا متفرجين على تركيا التي رسمت المياه البحرية التي قسمت شرق المتوسط لصالحهم. ومع أن أنقرة كانت ترد على التحدي الجيوسياسي ضدها المكون من اليونان- قبرص- مصر وإسرائيل، إلا أن فرنسا تعاملت مع الأمر كمحاولة من تركيا لتأكيد سيادة لا ينازعها فيها أحد على المنطقة، ومن هنا جاء توثيق العلاقات الفرنسية مع اليونان وقبرص.

تاريخ من الخلافات التاريخية بين فرنسا وتركيا

تاريخ العلاقات بين تركيا وفرنسا حافل بالخلافات حول العديد من القضايا، أبرزها شرق المتوسط والسياسات المتعلقة بالمسألة الليبية.

كما لعبت الحكومة الفرنسية دورًا في استمرار التوترات التركية الأرمنية، عبر الترويج لمزاعم ما يسمى بـ "الإبادة الجماعية للأرمن" في عهد الدولة العثمانية.

كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "كثف مؤخرًا لهجته المعادية لتركيا، ومع ذلك، يمكن القول إن هذا التوتر يندرج في إطار سلسلة من الأزمات شهدتها العلاقات بين البلدين لسنوات عديدة".

وعلى ما يبدو فإن خلفية الأزمة الحالية بين فرنسا وتركيا تكمن في رغبة باريس بأن تكون الدولة الرائدة في العلاقات الدولية وخاصة في الاتحاد الأوروبي، وأن تفرض سيطرتها في حوض البحر المتوسط.

كما دعمت فرنسا اليونان مؤخرا بشكل واضح في خطواتها غير القانونية شرق المتوسط، عبر دعم اتفاقيتها البحرية غير الشرعية مع مصر، فضلا عن دعمها عسكريا عبر إرسال قوات وتنفيذ مناورات عسكرية.

فرنسا على الدوام تدعم الإرهاب ضد تركيا

غضت الحكومة الفرنسية النظر في الثمانينيات عن استهداف دبلوماسيين أتراك من تنظيم ما يسمى الجيش السري الأرمني لتحرير أرمينيا (أصالا)، وكذلك عن الأعمال الإرهابية للتنظيم في فرنسا، والذي خلق توترات بين باريس وأنقرة".

كما لعبت الحكومة الفرنسية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، دورًا في استمرار التوترات التركية الأرمنية، بعد ترويجها لمزاعم ما يسمى بـ(الإبادة الجماعية للأرمن في عهد الدولة العثمانية).

دعم فرنسا ل"بي كا كا" الإرهابي

لقد سمحت فرنسا لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية، بالعمل على أراضيها، وهذا جعل العلاقات الفرنسية التركية تتدهور، وبالتالي بدأت المسألة الكردية تشكل عنصر توتر جديد مع تقديم باريس الدعم لـ(بي كا كا) خلال فترة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران (1981-1995)، والدعم الذي تقدمه فرنسا اليوم لتنظيم (ي ب ك/ بي كا كا) في سورية، فاقم التوترات بين البلدين".

وزاد "التوتر تفاقم مع إصرار فرنسا على مواصلة دعم (بي كا كا) وفتح أراضيها لتكون ملاذًا لعناصر المنظمة الإرهابية، دون أن تكون لها أي سياسة للتعامل مع القضية الكردية في العراق أو إيران".

نظرة فرنسا الاستعلائية والعنصرية تجاه تركيا

لقد كانت تصريحات الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي حول عدم رؤيته تركيا كدولة أوروبية، بل دولة صغيرة في آسيا، وعدم دعمه لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، يكشف بوضوح حجم التوترات بين البلدين عبر التاريخ.

الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، يواصل اتباع نهج من سبقوه من رؤساء فرنسا، تجاه تركيا، وخلق مشاكل جديدة تضاف إلى ملف التوترات بين باريس وأنقرة.

ماكرون يهدف من وراء هذا الاستعراض المسرحي الدولي لجعل فرنسا في موقع صناعة القرار في العلاقات الدولية منذ تولي منصبه عام 2017، والوصول إلى موقع الدولة المهيمنة على القضايا الإقليمية داخل الاتحاد الأوروبي وفي حوض المتوسط.

هل تشهد فرنسا ما تنبأ به الفيلسوف الفرنسي أونفري

الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري يقول في إحدى محاضراته: "حضارتنا تنهار وتنحدر نحو العدمية منذ الحرب العالمية الثانية، لقد وصلت إلى نهاية المطاف، وآن لنا أن نعلن الحداد عليها، بينما الإسلام حضارة بلا حدود بتشريعاته ونُظُمه وروحانياته".

المصدر

 

*القدس العربي-16/9/2020

*وكالة الأناضول-11/9/2020

*الشرق الأوسط-15/7/2020

*ب ب س-23/10/2020

*موقع محتويات-23/10/2020

*عربي 21-28/10/2020

*قناة العالم-28/10/2020

وسوم: العدد 901