إسرائيل ونظام دمشق من النبذ إلى التطبيع

fgfj902.jpg 

يبدو كأن هناك سباقاً عربياً على التطبيع مع كل من إسرائيل ونظام الأسد الكيماوي، فيما يسمح بإقامة المقارنة بين المنبوذين المذكورين، كما بملاحظة أن الدول المتسابقة على خطي التطبيع هذين هي نفسها تقريباً. فبعدما انطلقت رسمياً عمليات التطبيع بين كل من الإمارات والبحرين من جهة إسرائيل من جهة أخرى، ولحقت بهما السودان مؤخراً، تم تعيين سفير لسلطنة عمان في دمشق.

ومن المتوقع أن تنضم دول عربية جديدة إلى عملية التطبيع مع إسرائيل وفقاً لكل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهناك توقعات قوية بأن المملكة السعودية هي الدولة الأبرز المرشحة للتطبيع مع إسرائيل في الفترة القادمة، وما قد يعنيه ذلك من زخم من شأنه أن يسمح لدول عربية أخرى بتمرير العملية بسهولة أكبر.

نظام دمشق الكيماوي بدوره أخذ يخرج من عزلته العربية ببطء ولكن بثبات. وقبل عامين فتحت دولة الإمارات سفارتها في دمشق ثم تراجعت عن ذلك بضغوط من واشنطن، وقام الرئيس السوداني المخلوع بزيارة إلى دمشق، في سابقة كانت الأولى في نوعها، قبيل الثورة الشعبية التي ستطيح به بعد أسابيع قليلة من تلك الزيارة. وليس خافياً على أحد أن المحور السعودي ـ الإماراتي ـ المصري يتواصل مع النظام ومتحمس لتطبيع العلاقات معه ولإعادته إلى الجامعة العربية من منطلق مواجهة النفوذ التركي في شمال سوريا، و«انتزاع النظام» من الإيرانيين. أحبطت الإدارة الأمريكية هذا الحماس فتم تعليق عمليات التطبيع العربية معه إلى حين.

أما الآن فالإدارة الأمريكية نفسها قد تورطت في شبه تطبيع مع النظام، بزيارة مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى إلى دمشق للتفاوض معه حول إطلاق سراح أسيرين أمريكيين في قبضة أجهزته منذ سنوات. تلك الزيارة التي كان من المفترض أن تبقى سرية، كشف عنها النظام لأنها شكلت اختراقاً كبيراً، من وجهة نظره، على طريق استعادة شرعيته في نظر القوة الدولية الأعظم. لا قيمة لفشل مفاوضات استعادة الأسيرين بالقياس إلى مجرد حدوث تلك المفاوضات فيما يمكن لإعلام النظام أو حزب الله أن يعتبره انتصاراً، فقد قطع الأمريكيون آلاف الأميال «ليحظوا» بلقاء المسؤولين السوريين، في حين أن الرئيس الروسي بوتين يستدعي الأسد كلما تطلب الأمر ذلك، فيشحنه إلى موسكو أو سوتشي أو إحدى القواعد العسكرية الروسية على الأراضي السورية. ليس هذا وحسب، بل إن الأسد قد رفض الطلب الأمريكي ورد المبعوثين على أعقابهما خاليي الوفاض، و«اشترط خروج القوات الأمريكية من سوريا ورفع العقوبات عنها ثمناً لإطلاق سراح الأسيرين»! حسب وسائل إعلام.

يذكرنا هذا الحدث بعقد الثمانينيات حين كان الأمريكيون والأوروبيون يزورون دمشق للتفاوض مع حافظ الأسد على إطلاق رهائن غربيين في يد منظمات مجهولة في لبنان، من المعروف أنها منظمات وهمية للتغطية على عملاء المخابرات السورية. وفي هذا ارتكاسة كبيرة نحو التفاوض مع إرهابيين، ورأس الإرهاب في دمشق، وتقديم تنازلات لهم مقابل إطلاق سراح رهائن. هذا هو الدور الأثير على قلب نظام الأسد، يبدو أن الوريث بشار ربما يستعيده من إرث أبيه إذا تكررت محاولات مماثلة من الولايات المتحدة أو دول أخرى. ولا يستبعد أن يلجأ النظام، أو أذرعه الاستخباراتية في لبنان، في الفترة القادمة، إلى اختطاف أجانب لابتزاز دولهم بالطريقة نفسها، فيتحول من مشكلة إلى حل.

كان لافتاً للانتباه أن نظام الأسد لم يمارس جعجعته المعتادة ضد الدول العربية التي دخلت مسار التطبيع مع إسرائيل. لنتذكر، للمقارنة، كيف تمت محاصرة مصر بعد توقيع الرئيس الأسبق أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل في العام 1979، وكان نظام الأسد هو من قاد الحملة العربية ضد الرئيس المصري، وكيف تمت محاربة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعد توقيع معاهدة أوسلو في العام 1993. وعموماً كان نظام دمشق سباقاً دائماً في مواجهة أي اتصالات عربية مع إسرائيل، على الأقل على مستوى الإدانات اللفظية. أما أن يلزم الصمت أمام الاختراق الكبير الذي حدث في تطبيعي الإمارات والبحرين، ثم السودان، فهذه سابقة. أما صمته عن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، فهو الأكثر لفتاً للانتباه إذا قارناه برفضه الصاخب للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان من طرف واحد في ربيع العام 1998، واعتباره «مؤامرة إسرائيلية» ضد سوريا! وشعاره الشهير «وحدة المسارين السوري واللبناني».

إذا كان من مغزى لهذا الصمت الأسدي أمام مسار التطبيع مع إسرائيل، فهو حاجته هو نفسه للتطبيع وفك العزلة الذي يحتمل أنه يرى مفتاحه في يد واشنطن وتل أبيب والمحور الخليجي، أي عناصر «صفقة القرن» الكوشنرية بالذات، بما في ذلك الحكومة السودانية المدعومة سعودياً.

اهتم محللون غربيون بمقابلة بشار الأسد الأخيرة مع إحدى وسائل الإعلام الروسية التي أجاب خلالها عن سؤال يتعلق بالسلام مع إسرائيل، فقال إن شرطه الوحيد هو استعادة الأراضي السورية المحتلة. هذا الموقف ليس جديداً بل هو نفسه منذ آخر مفاوضات جرت بين النظام وإسرائيل في العام 2000 في مدينة شيبردز تاون برعاية أمريكية. ربما توقيت تصريح الأسد هو المهم في سياق تسارع عمليات التطبيع العربية مع إسرائيل، وبالنظر إلى عزلة النظام ووضعه الداخلي الصعب.

من هذا المنظور سيكون احتمال فوز ترامب بولاية رئاسية ثانية خبراً سيئاً للسوريين، لأنه لا يستبعد عن ترامب أن يشتري «عملية سلام» سورية ـ إسرائيلية برعاية أمريكية مقابل إعادة تأهيل النظام وفك عزلته عربياً ودولياً. أما هل يقبل النظام بدخول هذه العملية المفترضة أم لا، فهذا يتوقف على إيران التي ستكون لها شروطها. وفي جميع الأحوال فإن «عملية السلام» لا تعني السلام كما رأينا في مسار أوسلو على الخط الإسرائيلي ـ الفلسطيني.

وسوم: العدد 902