أزمة البيت الخليجي وأفق الحل

ضوء من داخل الظلمة يشع

أزمة البيت الخليجي خلفت تداعيات محزنة لأهل البيت سواء من أيد هذه الأزمة أو رفضها، ولعل هناك بوادر خير وأمل تلوح في الأفق لرأب الصدع واندمال الجروح على ضوء زيارة كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته إلى منطقة الخليج قد تكون الأخيرة، والكل يعرف أن الهدف من هذه الزيارة تحقيق ما عجزت عنه إدارة ترامب لأكثر من ثلاث سنوات، أي المصالحة بين السعودية وقطر، لكن الطريق غير معبدة أمامه، فهو يأتي بأهداف لا تنظر إليها الدوحة والرياض بعين الرضا وأهمها التطبيع مع العدو الصهيوني، فهل تشهد هذه المنطقة الحساسة من العالم ضوء يشع من داخل الظلمة؟

محاولات ترامب قبل تسليمه بالهزيمة

كما قلنا؛ من المتوقع أن تكون زيارة جاريد كوشنر للسعودية وقطر آخر محاولات ترامب لرأب الصدع في البيت الخليجي، خاصة مع ما نقلته رويترز من أن كوشنر التقى قبل أيام في البيت الأبيض بوزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح. وتعدّ الكويت الوسيط العربي الأبرز في محاولة الصلح بين قطر والسعودية وحلفائها.

غير أن هناك من يرى أن كوشنر كانت له مساهمة في اتخاذ السعودية والإمارات والبحرين ومصر، قرار مقاطعة قطر، خاصةً مع ما أكده وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون من أن هذا القرار نوقش في عشاء خاص حضره كوشنر وكذلك ستيف بانون (مستشار سابق لترامب) وقادة من السعودية والإمارات، وذلك دون حضور تيلرسون الذي كان معارضاً بقوة للمقاطعة.

هل ستحمل زيارة كوشنر للمنطقة المفتاح السحري للحل؟

هناك من يرى أن زيارة كوشنر لن تغيّر شيئاً، إذ يقول الإعلامي القطري عبد العزيز آل إسحاق لـDW عربية، إن كوشنر يريد إنقاذ مشروعه الشخصي في "شرق أوسط جديد"، ويعتقد أن المصالحة السعودية-القطرية ستقربهما من التطبيع مع إسرائيل، بينما هو في الحقيقة، يضيف المتحدث، "سيغادر البيت الأبيض منهزما ولم تعد له ولإدارة ترامب أيّ قوة ديبلوماسية".

ويعتقد المتحدث أن قطر لن تتعاون معه كما كانت ستفعل لو قاد بالفعل مبادرة حقيقية قبل إعلان نتائج الانتخابات، وبالتالي فالمصالحة الخليجية قد تحدث في عهد الرئيس القادم جو بايدن، خاصة أن إدارة ترامب وفق قوله كانت "شريكة في افتعال الأزمة".

مفتاح الحل يبقى بيد الرياض والدوحة

لفد أكدت قطر منذ بدء الأزمة أنها مستعدة لحلّ الأزمة، وتجلّى ذلك في تصريح كلّ مسؤوليها، لكنها في المقابل تصف الشروط المقدمة لها بـ "التعجيزية".

كذلك نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن محلل سعودي مقرب من الديوان الملكي أن الرياض منفتحة على حلّ المشكلة مع قطر منذ مدة. وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن ولي العهد السعودي يريد كسب تأييد بايدن، كما يريد إنهاء العلاقة مع ترامب بإجراء يرغب به هذا الأخير.

قطر من جهتها تعتقد أن بعض الشروط المقدمة لقطر تبقى صعبة التحقق كإغلاق قناة الجزيرة، وهناك إمكانية تليينها كتغيير خطها التحريري "الموجه ضد السعودية ودول أخرى حليفة بالمنطقة".

قطر حريصة على المصالحة لكن مع ضمان عدم تكرار ما جرى، مشيراً إلى أن المياه بين السعودية وقطر لم تعد راكدة وهناك اتصالات بينهما، إلّا أن الخلاف الآن يكمن في رغبة قطرية أن تكون المفاوضات ثنائية أولا مع السعودية، التي بدورها تدفع بأن تكون رباعية مع بقية "دول الحصار".

غير أن هناك نقطة أخرى خلافية، وهي أن "أطراف الحصار تريد مصالحة مع إغلاق التداعيات التي تسبب بها قرارهم، خاصة على الصعيد الاجتماعي، فهناك عائلات كثيرة تسبب لها الحصار بمشاكل كبيرة"، مشيرا إلى صعوبة تحكم الدولة القطرية بهذه المطالب الشعبية التي لن تتنازل عن مطالب جبر الضرر.

تقارير تربط بين تحركات كوشنر ومحاولاته مع السعودية لتركب قطار التطبيع

كثيرة هي التقارير التي ربطت تحركات كوشنر بضغط على السعودية حتى تنضم لقطار التطبيع، خاصة مع ما أثير عن زيارة سرية لنتنياهو للسعودية قبل أن تنفي هذه الأخيرة ذلك. لكن الرياض التي تملك مكانة مهمة في العالم الإسلامي، تدرك أن أيّ مساهمة محتملة في التطبيع ستؤثر على صورتها وستفتح المجال أمام قوى تطمح لقيادة العالم الإسلامي وتتحين الفرص للاستفادة من الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، وأولها إيران، التي تنادي شعاراتها بالقضاء على دولة الكيان الصهيوني.

كتّاب عرب يحللون مرامي زيارة كوشنر للمنطقة

لقد ناقشت صحف ومواقع عربية زيارة جاريد كوشنر، مستشار البيت الأبيض وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للسعودية وقطر هذا الأسبوع.

فقد قال فريق من الكتّاب إن الدوافع الحقيقية وراء الزيارة هي ضرب أمريكا لإيران "بشكل جراحي محدود أو شامل في الأسابيع المقبلة".

وقال آخرون إن كوشنر يسعى إلى حل الأزمة الخليجية بين قطر من ناحية والسعودية والإمارات والبحرين من ناحية أخرى.

ولكنهم رجحوا أن "القضايا الدولية الكبرى" ستظل كما هي، قبل أن يخرج ترامب من البيت الأبيض في الشهر القادم.

يقول عبد الباري عطوان في جريدة "رأي اليوم" اللندنية: "لا نعتقد أن هذا الصهر يحرص على اتخاذ أي خطوة يمكن أن تخدم بعض العرب في جولته الوداعية الأخيرة، والخليجيين منهم بالذات، لأن هدفه الأسمى كسر عزلة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتكريس زعامتها للأمة العربية وتصفية القضية العربية الفلسطينية، وزيادة حجم الكراهية للشعب الفلسطيني".

ويتابع عطوان: "كل التسريبات التي نشرتها صحف أمريكية مثل 'وول ستريت جورنال'، صحيفة ترامب المفضلة، عن عزم كوشنر وفريقه تحقيق المصالحة بين السعودية وقطر هو كذب وافتراء وتضليل لإخفاء الهدف الرئيسي من هذه الزيارة المذكورة آنفا، أي ضرب إيران، بشكل جراحي محدود أو شامل في الأسابيع المقبلة".

ويتساءل قائلا: "كوشنر وطوال السنوات الأربع الماضية من وجوده، وحماه في البيت الأبيض، لم يقم بأي محاولات جدية للمصالحة، وإذا كان يريدها فلماذا تذكرها قبل 6 أسابيع من مغادرة السلطة؟ الثاني: إذا كان فعلا يريد هذه المصالحة فلماذا لم تشمل زيارته الدول الثلاث الأخرى شريكة السعودية في الخصومة مع دولة قطر، وهي مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين في جولته القادمة هذه؟"

وفي السياق ذاته، يقول بسام العموش في موقع "عمون" الأردني إن "زيارة كوشنر لبعض دول المنطقة إشارة واضحة أن الشأن الإيراني على صفيح ساخن وأن الأيام القادمة حبلى وليس أمام نظام الملالي سوى التراجع إلى الخلف لتمر العاصفة".

ويقول عبد العزيز آل إسحاق في "الشرق" القطرية إن كوشنر "يحاول الآن لعب دور المقاتل الأمريكي ناثان ألغرين الذي لعب الممثل توم كروز دوره في فيلم مقاتل الساموراي الأخير، حيث يحاول حل أكبر مشكلة افتعلها مع إدارة ترامب، وهي مشكلة حصار قطر، ويحاول أن يلعب دور حمامة السلام الأخيرة لحل المشكلة، وترميم صورة الإدارة الأمريكية الحالية لتحقيق حلمه الحالم بجر كل المنطقة لاتفاق التطبيع".

ويتابع الكاتب: "لم يكن ترامب يوما أونودا (آخر رجل استسلم في الحرب العالمية الثانية)، ولن يكون كوشنر يوما ناثان، سيغادر الجميع البيت الأبيض، وستبقى القضايا الدولية الكبرى كما هي، وسيربح كل من حاربه ترامب، وسيبقى الحل الخليجي خليجيا فقط".

وسم "السعودية قطر شعب واحد"

عبّر الشعب السعودي والقطري عن مدى اللحمة وقوة الروابط الأخوية التي تجمع الشعبين، رغم كل ما يجري من توترات سياسية بين البلدين عبر وسم #السعوديه_قطر_شعب_واحد.

وعلى غير المعتاد مما يجري على منصات التواصل الاجتماعي منذ قرابة العشرة أشهر، فقد علا صوت جديد في زحمة الأزمة السياسية وإلقائها بظلالها على جميع مناحي الحياة بين البلدين وصلت حتى قطع العلاقات الأسرية.

وانتشر الوسم عقب تأكيد قطر حضورها القمة العربية المزمع إقامتها في المملكة العربية السعودية يوم 15 أبريل/نيسان الجاري ومساع أميركية لحلها، وانتشار فيديوهات وصور للعلم القطري مرفوعا على بعض الأعمدة في شوارع المملكة استعدادا للقمة.

فاستبشر الشعبان خيرا برفع العلم القطري في السعودية، واعتبروه نقطة بداية لعودة العلاقات الأخوية بين البلدين، التي يقولون إنها كانت ضحية السياسات الخاطئة وغالبا ما تدفع الشعوب ضريبتها وتتحمل تبعاتها.

مواقع التواصل الاجتماعي يتفاعل روادها حول ما يجري في منطقة الخليج

تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، مع الحديث عن توصل السعودية وقطر إلى حل لإنهاء الأزمة الخليجية بمباركة أمريكية.

فقد تصدر وسم "الأزمة_الخليجية" قائمة أكثر الوسوم انتشارا في السعودية وقطر والبحرين والكويت وعُمان.

وانقسم المغردون بين مؤيد لمساعي كوشنر في حل الأزمة الخليجية ورافض لها.

فقد قال الكويتي ناصر الدويلة: "نستبشر خير لكل خبر ينهي الأزمة الخليجية التي تجاوزت كل الحدود وأصبحت مرفوضة لدى كل شعوب المنطقة وآن الأوان لطي هذه المأساة، نفرح لكل خبر مهما صغر لكن ارتباط انفراج الأزمة بجولة كوشنر شيء يخوف".

وقال الكاتب الكويتي سعود العصفور: "لا ينزعج من خبر التقارب الخليجي وقرب انتهاء الأزمة الخليجية إلا مستفيد أو جاهل أو حاقد، العاقل يعلم أن قوة الخليج في تعاونه وفي حماية حقوق شعوبه، وفي تراجع ملفات الخلافات والتوتر فيما بين دوله".

ورأى البعض أن الأزمة لن تنتهي بشكل مفاجئ كما بدأت، وإنما ستكون عبر مراحل.

فقد قال فايز النشوان: "لن تنتهي الأزمة الخليجية كما بدأت بشكل مفاجئ بل ستكون عبارة عن سلسلة من الخطوات كمرحلة بناء للثقة وأعني بالأزمة الخليجية أي تلك الحاصلة بين الرياض والدوحة حيث لا توجد مؤشرات على أن الإمارات ستنهي أزمتها مع قطر لكنها قد تجعلها في إطار أضيق مما هي عليه أما مصر فالمسألة أظنها منتهية".

واعتبر كثيرون أن انتهاء الأزمة الخليجية مصلحة عليا لكل دول المنطقة ويجب تحقيقها.

فهذا أدهم أبو سليمة يقول: "انتهاء الأزمة الخليجية مصلحة عليا لكل دول المنطقة، ونأمل أن تعالج الآثار التي ترتبت عليه، وأن تستعيد السعودية دور الريادة العربية المأمول منها، وأن لا تنزلق لمخططات تسعى لإضعافها ودفعها نحو التطبيع مع العدو الصهيوني، اللهم وفق بينهم لما فيه خير شعوبهم".

وتساءل آخرون عن الشرخ الذي أحدثته الأزمة الخليجية بين الشعوب، وكيف يمكن معالجتها.

فقال تركي الشلهوب: "إن حصل وانفرجت الأزمة الخليجية فمن سيصلح الشرخ الذي حصل بين شعوب الخليج؟ الأغبياء الذين افتعلوا الأزمة وجعلوها أزمةً بين الشعوب، لم يخطر ببالهم أنه سيأتي يوم وتتصالح السياسة؟".

المصدر

D w*-2/12/2020

*ب ب س عربي-2/12/2020 و3/12/2020

*عربي سبوتينيك-5/12/2020

*الشرق الأوسط-9 /11/2020

*الجزيرة-12/4/2018

وسوم: العدد 906