الانتخاباتُ الفلسطينيةُ إشرافٌ دوليٌ وغاياتٌ خبيثةٌ "صوتُك أمانةٌ وضميرُك حَكَمٌ"

المشرفون على عملية الانتخابات الفلسطينية أكثر من الحاجة، وأكبر بكثيرٍ من المهمة، بالمقارنة مع غيرها من الانتخابات التشريعية التي تجري في الدول الأخرى، حيث لا يلقي لها المجتمع الدولي بالاً، ولا ينشغل بها قادة العالم بهذا القدر أبداً،  لكن كونها فلسطينية وتجري في الأرض المحتلة، وتتعلق بالمسألة الفلسطينية التي هي لب الصراع، وأساس عدم الاستقرار في المنطقة كلها، ولما كان لنتائجها دورٌ معقودٌ وأملٌ منظورٌ في عملية التسوية مع الكيان الصهيوني، إذ أن الجهات التي ستفوز فيها سيكون لها دور في مستقبل القضية الفلسطينية، وسيكون عليها التفاوض والتوقيع وفرض الأمر الواقع، لهذا فقد لزم الأمر أن يكون المشرفون عليها أكثر من جهة عدداً ونوعاً، لضمان النتائج المرجوة، والاطمئنان إلى تعبيد الطريق أمام المهام القادمة.

المشرفون على الانتخابات الفلسطينية بمراحلها المختلفة قادةٌ ومسؤولون كبارٌ، فهم ملوكٌ ورؤساء، وقادة أجهزة أمنية ومؤسسات دولية، تقف الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمتهم، رغم أنها انتخاباتٌ بسيطة، يصوت فيها أكثر من مليوني فلسطيني بقليلٍ، وهم لا يشكلون بذاتهم وعددهم أهمية لدى قادة دول العالم، لكن الدور المنوط بهم كبير، والغاية المرجوة منهم مهمة، ولا أستبعد أن تكون نتائج الانتخابات الفلسطينية مؤشراً على مستقبل أنظمة عربية قريبة وبعيدة، فمن يحسن الأداء منهم يبقى ويستمر، ومن يفشل ويعجز يرحل ويذهب، إذ لا يوجد في السياسة حسناتٌ وصدقاتٌ وأفعال خير، وإنما هي خدماتٌ ومهامٌ وأدوار، فمن يؤدي مهمته ويلتزم بها يستحق الحماية والبقاء، ومن يقصر ولا يقوى فلا ينتظر جزاءً غير العقاب والحرمان، وكثيرةٌ هي الأنظمة التي توصف بأنها خدمية وظيفية.

يتطلع المشرفون على الانتخابات الفلسطينية، الأسياد والعبيد، والأصلاء والأجراء، وهم كما ذكرت آنفاً، ملوكٌ ورؤساء وقادة أجهزة أمنية، لإتمام المهمة وفق التصورات الموضوعة والدراسات المعدة، وهم لا يتورعون عن التنسيق العلني، وتبادل المعلومات المكشوفة، وإجراء زياراتٍ متبادلة، وممارسة ضغوطٍ وعرض إغراءاتٍ، والتلويح بعصا الحصار وطاحونة الحرب، والترغيب برفاهية الحياة وازدهار الاقتصاد، فهم يريدون تنظيم انتخاباتٍ فلسطينية مبرمجة، تفضي إلى انتخاب قيادة فلسطينية تتوافق معهم، وتنسجم مع سياستهم، وتقبل بشروطهم وتنزل عند آرائهم، ولا تعارض توجهاتهم، وتؤمن بالتسوية والحل السلمي سبيلاً لحل القضية الفلسطينية، وتنبذ العمل المسلح والمقاومة العسكرية، وتلتزم التهدئة وتقبل بشروط التسوية.

سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا تقف بعيدة عن العملية الانتخابية، ولا تنأى بنفسها عنها، بل هي اللاعب الأساس والعقل المدبر والضابط الناظم، وعليها يقع الدور الأكبر في رسم المسارات وتحديد المآلات، ومعرفة هوية الفائزين العقائدية وانتماءاتهم السياسية، وإجراء فرزٍ دقيقٍ تضمن فيه النتائج، من خلال تغييب بعضهم اعتقالاً أو اغتيالاً، وتمكين منافسيهم من الحضور الفاعل والمشاركة اللافتة، وقد يكون لها دورٌ قبل الانتخابات فتغيب الأقوياء الفاعلين، أو تتدارك الموقف بعد ظهور النتائج فتغيب الفائزين، وتفقد تيارهم الأغلبية البرلمانية، وتحرمهم من أدوات الفعل والتغيير، فتعطل مجلسهم وتفشل برامجهم.

علماً أنه لا شرعية في ظل الاحتلال إلا للمقاومة، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وقد أثبتت تجارب الشعوب السابقة والأمم المقاومة، التي عانت من الاحتلال وقاست من سياسات الاستعمار، أنه لا شرعية تتقدم على البندقية، ولا انتخاباتٍ –إن جرت- على غير برامج المقاومة ومواصلة النضال، ولا برامج للتسوية مع الاحتلال، ولا أحزاب تتسابق لنيل رضاه وكسب وده وتجنب غضبه.

إنما هي إرادة شعبٍ يصر على مواصلة المقاومة حتى يحرر وطنه ويستعيد حقوقه، ثم يبني سلطته الوطنية على أرضه المحررة، عندما يكون سيداً حراً، قادراً على ممارسة حقه في اختيار ممثليه ممن يرى أنهم أهلٌ للمسؤولية، وأقدر على القيام بمهمة بناء الوطن، حجراً وبشراً، لكن بعيداً عن هيمنة الدول الكبرى الموجهة، ومراكز القوى المؤثرة، وإلا فإن الانتخابات في ظل الاحتلال تشوبها شوائب كثيرة، وينتابها شكٌ أكبر، وتكون محل طعنٍ ورفضٍ، فكيف سيكون الحال إذا كان مع الاحتلال معاونون كبار ومساعدون دوليون أقوياء، يخططون معها ويساعدونها في تحقيق أهدافها.

رغم أن أهداف رعاة الانتخابات شيءٌ آخر، وغايتهم ما ذكرت أعلاه، وهي بالتأكيد ليست في صالح الشعب الفلسطيني وصالح قضيته، بل هي غاياتٌ خبيثةٌ وأهدافٌ سيئة، إذ يتطلعون إلى إقصاء قوى المقاومة ورموزها الوطنية، لصالح غيرهم ممن لا يتورعون عن تقديم التنازلات والتفريط في الثوابت والمقدسات، إكراماً للعدو واتفاقاً معه، واعترافاً به وخضوعاً له.

رغم ذلك تعالوا بنا أيها الشعب العظيم لنثبت للجميع أننا لن نختار سوى المقاومة، ولن نصوت إلا لمن يضمن لنا حقوقنا، ويواصل نضالنا، ويصر على استعادة أرضنا وتحرير كامل وطننا، ولنقول بصوتٍ عالٍ حرٍ صريحٍ "لا" قوية مدويةً لمن يفرط في ثوابتنا، ويتنازل عن حقوقنا، وينقلب على إرثنا، ويخون دماء شهدائنا، وينسى معاناة أهلنا وتضحيات شعبنا، ولنقول "نعم" لمن يحمل الراية ويواصل المسيرة، ويكون أميناً على الثوابت متمسكاً بالحقوق، صادقاً مع الشعب محباً له، وعاملاً معه ومخلصاً له.

وسوم: العدد 914