انتخابات المغرب، هل هزم الإسلاميون حقا؟

أبو يعرب المرزوقي

زعيما الحزب الإسلامي الحاكم في المغرب صديقاي. محاولة المقابلة بينهما بينهما لتفسير "النكسة" الانتخابية من سطيحة التحليل البدائي لما يجري في الاقليم.

لذلك فانصافا للزعيم الحالي وتقديرا للزعيم السابق أرى من واجبي أن أشرح الظاهرة التي أرى فيها كل الخير لمستقبل الإسلاميين في الاقليم كله.

إذا اكتفينا بظاهر الأمور فيمكن أن نقول إن مباشرة أي حزب للحكم يؤدي عادة -وخاصة إذا طال-إلى فقدان الاغلبية حتى في الديموقراطيات الحقيقية.

وكيف لا يكون الأمر كذلك وبصورة مماثلة لما حدث في المغرب أي الانتقال من الأغلبية شبه المطلقة إلى الأقلية شبه المطلقة  والديموقراطية في بلاد المغرب الثلاثة المركزية مجرد خدعة؟

فهي أبعد ما يكون على الحكم الذي بقي بيد المخزن في المغرب كما بقي بيد العسكر  في الجزائر وبيد المافية التي ورثت نظام ابن علي في تونس؟ وقوة الباجي قائد السبسي أنه سعى إلى نفس الخطة المغربية والجزائرية.

الخطة هي: تذويب الإسلاميين بحكم صوري يحملهم مسؤولية فشله دون أن يستفيدوا شيئا من المشاركة فيه وذلك لتبين استحالة الانتصار عليهم شعبيا وبالعنف الذي فشل طيلة أكثر من قرن.

نحن إذن لسنا أمام تطور طبيعي في ديموقراطية حقيقية يكون فيها تراجع الحزب الحاكم بسبب الاهتراء الناتج عن ممارسة الحكم بل أمام استراتيجية بديلة عن الاستراتيجية العنيفة التي فلشت في ضرب الإسلاميين.

لذلك فإني -وهذه قد يعتبرها الكثير من قرائي من عاداتي التي تستفزهم-اعتبر أن ما فشل حقا في انتخابات الأمس هو المخزن وليس الإسلاميون,.

فهو كان يحكم بافضل ما لدى الشعب المغربي من ابنائه وسيحكم بعد الآن بمن لا يستطيع أن يغطي عنه فساده: الفساد سيصبح سافرا.

ولولا رأيي هذا لما نصحت الإسلاميين في تونس بعدم المشاركة في الحكم مع السبسي أو بوضع شروط تتعلق بالمشاركة الفعلية بحسب الأوزان

ونصحتهم خاصة بعدم المشاركة في الحكم بعد الانتخابات الأخيرة مع من يختارهم الدمية إلا بشرط حكومة وحدة وطنية كنت اعلم استحالتها لكني اقترحتها للتغطية على الانسحاب من الحكم واختيار المعارضة.

من انهزم حقا ليس الإسلاميون بل المخزن في المغرب كما سبق أن انهزم الجيش في الجزائر في الانتخابات الأخيرة وكما انهزمت المافيات في توتنس في الانتخابات الأخيرة: بالتونسي نقول تعرات المذابح.

تصور الجيش في الجزائر والمافية في تونس والمخزن في المغرب -وهي المؤسسات الثلاث التي بيدها الحل والربط من حيث هي أدوات للنفوذ الأجنبي عامة والفرنسي خاصة

أنهم صاروا في غنى عن غطاء شعبي نظيف فعوضوهم بغطاء الفتات المافياوي في الأقطار الثلاثة: بعبارة أوضح لم يعد الفساد يحتاج للتخفي وراء الإسلاميين.

ولو كنت محل الإسلاميين في المغرب لاعتبرت ذلك انتصارا ليس مثله انتصار: فقد تحرروا من دور التغطية على أدوات الاستعمار الذين بيدهم السلطة التي يسمونها وزارات السيادة

والتي هي في الحقيقة وزارات التخلي عن السيادة ومنع ممثلي الشعب دونها: ذلك أن فرض الفرنسية في المغرب مؤخرا مثلا كان من علامات هذه العودة القوية لدور التدخل الاجنبي في المغرب.

لذلك فدورهم في المعارضة ولو بعشر ما كان لهم لما ظنهم الشعب قادرين على اخذ هذه السلطة إيجابا فأعطاهم الأغلبية سيكون وإن سلبا ألف مرة أقوى مما كان لأنهم في المعارضة لن يكونوا ساكتين على ذلك.

فلكأن الجيش في الجزائر والمخزن في المغرب والمافية في تونس رجعت إلى الحكم بالوجه  المكشوف ومن ثم فمن العسير ألا يفهم الشعب ضرورة الوصل بين الغائب في مثل هذه الحالة غيابا تاما بعد فقدان الغطاء الإسلامي الذي كان يحاول التصدي باحياء دور الشعب:

التحرر (تحرر المواطن)

والتحرير (تحرير الوطن)

فالجيش والمخزن والمافيات هي التي تحكم  في الظاهر لكنها في الحقيقة هي أدوات تواصل الاستعمار بشكله غير المباشر

مع ما يلازمه من ترضية لهم بترك الحبل على الغارب في مجال الفساد والاستبداد والاستلاب الثقافي والحضاري وفرض اللغة الفرنسية والشركات الفرنسية وتهريب ثروات الوطن إلى البنوك الأجنبية.

ما حصل في الجزائر وما حصل في المغرب وما حصل في تونس في الانتخابات  في الاقطار الثلاثة من نفس الطبيعة

فما سبق إلى ذلك الجزائر في ما سمي بالمصالحة بعد العشرية -فشل تصفية الإسلاميين بالسلاح-

وما تبعه في انتخابات اربعتاش وخطة السبسي -صديق بتوفليقة-استنتاج من فشل ابن علي في تصفية الإسلاميين بالسلاح

وما توسط بينهما في المغرب لتجنب الربيع كان طبيعيا أن يذهب إلى ما وصل إليه الامر في الانتخابات الاخيرة.

لكني اعتقد أنه خطأ جسيم لو كانوا يعلمون: فريح التاريخ تغير توجهها: الإسلام السياسي هو المستقبل الكوني واعتقد أن:

حيلة المستقلين في الجزائر

وحيلة الأحرار في المغرب

وحيلة الفتات الحزبي الممثل للمافيات في تونس

كل ذلك أوراق ميتة سيجرفها ريح الربيع المقبل الذي هو الموجة الثانية الجامعة بين ثورة التحرر واستكمال التحرير: الحركات الإسلامية ستستأنف المقاومة التي تستكمل ما بدأه الآباء والاجداد إلى حرب التحرير من هيمنة الخارج شرطا في حرب التحرر الداخلي.

سنرى قريبا في بلاد الإسلام كله ما رأيناه في افغانستان: كل بقايا الاستعمار إلى زوال, فما حدث في مطار كابول هو مستقبل كل العملاء لأن ما حدث في افغانستان زلزال أوقى حتى من تحرير القدس على يد صلاح الدين.

ذلك أن هزيمة أوروبا الصليبية كانت محدودة ولم يكن مضادا للغرب حينها إلا المسلمون. اليوم المسلمون هم الوحيدون الذين يمكن أن ينقذوا الغرب من الغول الجديد الذي سيأكلهم: من دون المسلمين الشرق الاقصى (الصين) سيقضي على الغرب الاقصى (امريكا) الذي يحمى الغرب كله.

ولما كانت امريكا قد فهمت درس افغانستان وعلمت أنها لن تستطيع ربح الحرب ضد الإسلام فهي ستضطر على الاقل إلى مهادنته. ومن ثم فكل "قوادة" أوروبا إلى زوال بعد أن تخلت أمريكا على محاربة الأسلام:

ويكفي دليلا تصريح وزير الخارجية والدفاع الامريكيين أول امسر في قطر: لم يعد الكلام على الإرهاب الإسلامي بل صارت كلمة ارهبا ملطفة بالتطرف العنيف وغابت النسبة إلى الإسلام. لكن الحمير لا تفهم الرموز ومن ثم فلا فائدة في المزيد من تأويل العلامات العميقة.

وسوم: العدد 946