الوسواس القهري وكيفية علاجه

إن أكثر السلوكيات القهرية شيوعاً بين المرضى هي المبالغة في التنظيف، ثم يليها الحرص والتدقيق لتجنب المصائب، ثم يليها تكرار الأعمال، أعمال تشعر بأنك مرغم على فعلها مراراً وتكراراً.

المصابون بالوسواس القهري يعيشون في حلقة مفرغة ما بين الأفكار التي تسيطر على أذهانهم كأفكار مخيفة من قبيل ((أنا ملوث)) أو ((لعلي قد آذيت أحداً ما)) وما بين الأفعال التي تكون نتيجة لتلك الأفكار والتي يشعرون بأنهم مرغمون على القيام بها كالتنظيف أو التدقيق أو القيام بطقس ما بغية التقليل من مثل تلك الأفكار والمشاعر، وبما أن هذه الطقوس لا تشبع رغباتهم، فإننا نراهم يدخلون في دوامة السلوكيات القهرية والوساوس المتزايدة باستمرار وقد تدوم ساعات وساعات.

وغالباً ما يزداد الوسواس القهري سوءاً مع الوقت مغيراً بنية الدماغ. قد يحاول المريض المصاب بهذا المرض أن يحصل على الراحة بالتركيز على ما يقلقه من خلال التأكد المستمر بأنه قد غطى كل القواعد، ولم يترك شيء للصدفة، والذي يحدث أنه كلما فكر فيما يقلقه أكثر، قلق بشأنه أكثر، فالقلق يولد القلق.

إن الناس المصابين بالوسواس القهري يحبسون أنفسهم داخل أذهانهم وأفكارهم والسيناريوهات المرعبة التي يتم تركيبها داخل عقولهم.

إنهم في حالة قلق وشك مستمر فيما إذا كانوا قد نظفوا أيديهم وأجسامهم وأعضاءهم ومنازلهم وملابسهم بشكل جيد، وهل أطفؤوا المواقد وأغلقوا الأبواب بشكل جيد، وهل أدوا صلاتهم وأذكارهم بالشكل الصحيح، وهل الله سيستجيب لهم أم لا. إنها دوامة طويلة من الحالات التي لا تنتهي من الخوف والقلق التي ليس لها مفهوم واضح حتى للشخص نفسه. في الغالب تلك الأفكار وتلك الأفعال تسبب المعاناة والعذاب والألم للشخص نفسه ولمن حوله.

عندما تبدأ المخاوف الوسواسية، فإن أصحاب الوسواس القهري يقومون بفعل شيء ما لتقليل حالة القلق والخوف عبر فعل قسري، فإذا شعروا أنهم قد تلوثوا بالجراثيم يقومون بالاغتسال، وعندما لا يؤدي ذلك الى زوال قلقهم، يقومون بغسل كل ملابسهم، وأرضيات المنزل، والجدران.

غالباً ما يطور المتشككون الموسوسون أفعالاً قسرية تحقيقية، فإذا شكوا بأنهم قد أطفؤوا الموقد أو أقفلوا الأبواب، يعودون ويتحققون مائة مرة أو أكثر ونظراً لأن الشك لا يزول أبداً، فقد يستغرق الأمر منهم ساعات ليغادروا المنزل، أما الأشخاص الذين كان قلقهم الوسواسي ناشئاً عن خوفهم من الإصابة بمرض مفزع، فسيعمدون الى إجراء مسح طبي لأجسادهم مرة بعد أخرى للتأكد من عدم وجود أية أعراض سيزورون الطبيب عشرات المرات، وبعد فترة تصبح الأفعال القسرية التحقيقية عادة متكررة وبصورة مستمرة.

المصابون بالوسواس القهري يملئهم الكثير من الشكوك، وقد يفزعون من ارتكاب خطأ ويبدؤون قسرياً بالتصحيح لأنفسهم وللأخرين. انهم يعيشون في عالم العذاب المضنى.

أسباب اضطراب الوسواس القهري:

تتنوع أسباب اضطراب الوسواس القهري، فقد يكون وراثياً مكتسباً في حالات عديدة، كما أنه يمكن أن ينتج عن إنتانات المكورات العنقودية المسببة لالتهاب الحلق وغيرها، حيث تسبب تورماً في النواة المذنبة (تقع عميقاً في مركز الدماغ والتي تتيح لأفكارنا أن تتدفق بسلاسة وبشكل تلقائي). كما أن التعلم والتربية الاستبدادية تلعب دوراً كبيراً في نشوء هذا الاضطراب، وفي العموم كل المثيرات التي تحفز القلق تلعب دوراً في نشوء اضطراب الوسواس القهري.

العلامات المتميزة لاضطراب الوسواس القهري:

  1. الوساوس: وهي عبارة عن أفكار تثير الخوف أو الاشمئزاز أو القرف أو الإثارة أو الفزع والهلع، وتحدث بشكل متكرر ولا حكمة من ورائها، وكلما حاول الشخص التحكم بها كلما زادت قوتها.

أمثلة: التفكير الدائم في العنف أو القتل أو التلوث ووجود الجراثيم والتفكير بالجنس أو التفكير بالتسبب في أذية الآخرين.

  1. السلوكيات القهرية: وهي عبارة عن أفعال وتصرفات لا يدري المرء هدفاً من ورائها لكنه يشعر بأنه مجبر على فعلها وأكثر السلوكيات القهرية شيوعاً غسل اليدين والاستحمام وتنظيف البيت المستمر والعد والمراجعة والتدقيق.

وغالباً ما تُؤدى هذه التصرفات طبقاً لقواعد معينة وبأسلوب صارم وقاس جداً فمثلاً الشخص الذي يعاني من سلوك العد القهري فإنه بحاجة لعد كل شق في الرصيف المؤدي الى العمل أو المدرسة، فالمشوار الذي يستغرق في العادة عشر دقائق يصبح لدى المريض بالوسواس القهري ساعتين.

بشكل عام هناك جزء من شخصية الإنسان يُدرك جدوى السلوك الذي يفعله كما أنه لا يشعر بالمتعة من جراء ذلك، انما فقط يشعر بأن توتراً قد زال عنه بشكل مؤقت وآني ليعود إليه من جديد بعد وقت قصير وهكذا.

ألية نشوء مرض اضطراب الوسواس القهري:

  • في الأبحاث الجديدة حول بنية الدماغ وألية أداؤه تم تطور علم جديد يُعرف باسم اللدونة العصبية أو المرونة العصبية، حيث أتاح هذا العلم الجديد فهماً متطوراً عن ألية حدوث هذا الاضطراب وكما أتاح أيضاً شكلاً جديداً للعلاج المتطور الذي حقق نسب شفاء لا تقل عن 90% في معظم الحالات.

إن المرض يحدث نتيجة خلل في عمل دارة عصبية تتكون من ثلاثة أجزاء كان قد تم تحديد هذه الأجزاء الثلاثة نتيجة مسح الدماغ لمرض الوسواس القهري باستخدام تقنية التصوير المقطعي لانبعاث البوزترون، حيث تبين للأطباء العاملين في هذا المجال وعلى رأسهم الدكتور "جيفري شوارتز" اشتراك هذه الأجزاء الثلاثة بالتسبب في مرض اضطراب الوسواس القهري وهم أي الأجزاء على التوالي:

  1. القشرة الجبهية المدارية: وهي جزء من الفص الجبهي تقع خلف العينين مباشرة، وهي مسؤولة عن اكتشاف الأخطاء، حيث أظهر المسح الدماغي للشخص المريض أن قشرته الجبهية ناشطة أكثر من الطبيعي.
  2. التلفيف الحزامي أو الطوقي: وهو عبارة عن جزء طولي بين الفصوص الصدغية وهو واقع في الجزء الأعمق من القشرة، هذا التلفيف هو الذي يستحث القلق المفزع بأن شيئاً سوف يحدث ما لم نقم بتصحيح الخطأ الحادث الذي اكتشفته القشرة الجبهية، ويقوم التلفيف الحزامي بإرسال إشارات الى الأحشاء والقلب مسببة الإحساسات الجسدية التي تترافق مع الفزع.
  3. النواة المذنبة: وهي أكبر العقد القاعدية في الدماغ حيث تقع عميقاً في مركز الدماغ بالقرب من المهاد وعلى مقربة من الدماغ الأوسط، وهذه النواة تعمل كمبدل تلقائي لتدفق الأفكار والمشاعر والأفعال بسلاسة وتسلسل، وان وظيفتها شبيهة بمبدل السرعة الأتوماتيكي / التلقائي في السيارات، حيث تقوم النواة المذنبة وبالاشتراك مع التلفيف الحزامي على نقلنا من فكرة الى فكرة بشكل تلقائي / أوتوماتيكي ومن انتباه معين الى شيء أخر، كما أنها تعمل بشكل آلي على تزويدنا بالقدرة على رؤية الخيارات المتاحة، وتمدنا بالقدرة على التعاون وعلى مسايرة التيار، كما أنها تحمينا من الركود وانعدام الكفاءة والاكتئاب والسلوك العدواني.

لقد لوحظ في مرض الوسواس القهري أن النواة المذنبة تكون ليست بقادرة على النقل التلقائي للأفكار والمشاعر والسلوك فيبقون عالقين في عمل مستمر وتشغيل لجزئي الدماغ (القشرة الجبهية، التلفيف الحزامي) مثل السيارة التي تتواجد في بركة طين لزج حيث تدور الدواليب وبقوة في مكانها دون قدرتها على الانتقال الى الأمام مع وجود طاقة كبيرة للدواليب التي تدور بنفس المكان.

فهكذا تكون مشكلة مرض الوسواس القهري طاقة كبيرة في عمل جزئي الدماغ (القشرة الجبهية، التلفيف الحزامي) وتكرار الأفكار والبقاء في نفس المكان.

نشاط زائد في جزئي الدماغ وتعطل في الناقل التلقائي للسلوك والأفعال والمشاعر (النواة المذنبة) والنتيجة مرض الوسواس القهري.

يقول "جيفري شوارتز" في كتابة (قفل الدماغ) إن القشرة الجبهية والتلفيف الحزامي يستمران في إطلاق الإشارات الكهربائية ليزيد بذلك الإحساس بالشعور بالخطأ والقلق.

فعندما نرتكب خطأ ما (في الوضع الطبيعي) تحدث ثلاثة أشياء:

أولاً: ينتابنا شعور بالخطأ وهو إحساس ناتج عن عمل القشرة الجبهية بوجود الخطأ.

ثانياً: نصاب بالقلق والفزع الذي يدفعنا الى إصلاح الخطأ. وهو عمل التلفيف الحزامي.

ثالثاً: بعد قيامنا بإصلاح الخطأ تقوم النواة المذنبة بنقلنا بشكل تلقائي / أتوماتيكي  الى الفكرة والشعور والنشاط التالي حيث يتلاشى احساسنا بالخطأ.

إن دماغ المصاب بالوسواس القهري يتوقف بالمرحلة الثانية ولا يتابع / أي لا ينتقل بشكل تلقائي الى الفكرة التالية أو النشاط التالي (لا يقلب الصفحة الى شيء جديد) فعلى الرغم من أنه قد صحح اليد الملوثة بالجراثيم بالغسيل، إلا أن الوسوسة لا تفارقه لأن النواة المذنبة (الناقل التلقائي للأفكار والأنشطة لا يعمل) مما يؤدي الى زيادة الوسوسة والقلق وتكرار الأفعال القهرية.

آلية العلاج من الوسواس القهري:

لقد قام "جيفري شوارتز" في كتابه (قفل الدماغ) بتطوير علاج يستند الى أحدث البحوث في بنية الدماغ وأدائه من خلال علم اللدونة العصبية أو المرونة العصبية، وهو علاج يعمل على تغيير دائرة الاضطراب الوسواسي القهري بفتح الوصلة بين القشرة الجبهية المدارية والتلفيف الحزامي وتسوية وظيفة النواة المذنبة من خلال تطبيق فكرة جعل النواة المذنبة تعمل كما يعمل ناقل السرعة اليدوي في السيارات (أي استخدام الإرادة والتدريب والتعلم والتركيز وتغيير الانتباه الى شيء اخر وعمل نشاط ممتع).

هذه المقاربة تصنع دائرة دماغية جديدة تزود الدماغ بالمتعة وتستحث على إطلاق الدوبامين (ناقل عصبي يعزز الشعور بالراحة والسعادة والمتعة ويساهم في تعزيز إنشاء اتصالات عصبونية جديدة) يمكن لهذه الدائرة الجديدة أن تتنافس مع الدائرة القديمة لتضعفها. في هذه الطريقة نحن نبني سلوك جديد جيد بديلاً عن السلوك القديم السيء.

تتألف عملية العلاج من أربعة مراحل (علاج ذاتي):

المرحلة الأولى تسمى إعادة التصنيف.

المرحلة الثانية تسمى إعادة التوزيع.

المرحلة الثالثة تسمى إعادة التركيز.

المرحلة الرابعة تسمى إعادة التقييم.

الهدف من هذه الخطوات هو تنفيذها بشكل يومي كعلاج ذاتي لتعلم التحكم بردود الفعل تجاه الوسواس القهري وقلب الصفحة الى النشاط التالي.

قصة قصيرة:

مادلين امرأة مثقفة وغزيرة المطالعة ولديها القدرة على قراءة 500 كلمة في الدقيقة وهي في العقد الخامس من عمرها وهي متزوجة من وسام الأديب والكاتب المعروف. مادلين كانت تسأل باستمرار كل من تعرفهم إن كان لديهم جواب حول تصرفها المستمر في تفقد مواقد الغاز والتحقق من إطفاء مفاتيح الكهرباء والتأكد من إقفالها الباب بشكل صحيح وذلك في كل مرة تغادر فيها المنزل حيث تعود أدراجها من منتصف الطريق لتتأكد فيما أذا كانت مواقد الغاز والتدفئة والأدوات الكهربائية وحنفيات الماء مطفأة ومغلقة وكانت تعيد ذلك مرات عديدة وفي كثير من الأحيان ينتابها الشك بأنها قد تكون نسيت موقد الغاز مشتعلاً ولم تطفأه وهذه الحالة قد بدأت تزداد سوءاً.

عندما اطلعت مادلين على هذه المقالة وكان لديها الرغبة الأكيدة بالتخلص مما هي فيه، فقامت بتطبيق ما ورد من حل عبر الخطوات الأربع التالية فكانت نتائجها، رائعة جداً، لقد تعلمت ونجحت في تعلمها في أن تتحقق من إطفائها للموقد ومفاتيح الكهرباء وصنابير المياه مرة واحدة فقط وبشكل منطقي وبتروي شديد. قالت مادلين فيما بعد أنها في كل مرة مارست هذه الطريقة الجديدة كانت تشعر بأن عاداتها القديمة كانت تختفي بسرعة أكبر مما دفعها الى الحديث مع زوجها وهي تبتسم قائلة له: كل ما في الأمر يا وسام أنني لست مجنونة أو معتوهة، إن الذي كان يحدث معي سابقاً هو أن دماغي لم يكن يقلب الصفحة الى النشاط التالي والفكرة التالية.

الخطوة الأولى إعادة التصنيف:

المريض في هذه الخطوة يقوم بإعادة تصنيف لما يحدث له، بحيث يُدرك أن ما يختبره ليس هجوم جراثيم أو مرض خطير، أو حالة نسيان وشك وخوف حقيقي، أنما هو فصل من فصول الاضطراب الوسواس القهري.

يُفضل أن يقول المريض لنفسه: نعم لدي الأن مشكلة بالفعل، لكنها ليست الجراثيم أو....... (حسب حالة كل مريض) بل هو اضطراب وسواس قهري الذي أعاني منه، وأن وجود هذه الحالة التي تطرأ في ذهني بشكل مُلح ولا تغادرني فوراً، أنما بسبب الدارة الكهربائية الخاطئة التي تبقى فيها الفكرة عالقة ما بين القشرة الجبهية والتلفيف الحزامي دون أن تقوم النواة المذنبة بالتبديل الآلي الى الفكرة التالية أو النشاط التالي.  يجب أن يميز المريض بالوسواس القهري ما بين الشكل العام للوسواس القهري (كأفكار مقلقة وإلحاحات تقحم نفسها في الوعي) وبين محتوى الوسوسة (مثلاً الجراثيم الخطرة). يجب أن يتعلم المريض ألا يركز على محتوى الوسوسة، لأن التركيز على محتوى الوسوسة يزيد الوضع سوءاً. يجب أن يتم التركيز حول مفهوم الوسواس القهري بأنه عبارة عن أفكار مقلقة ومُلحة تقتحم ساحة الذهن.

الخطوة الثانية إعادة التوزيع:

إن هذه الخطوة تتمثل في فهم آلية حدوث الاضطراب (المشروحة سابقاً).

ان هذه المعرفة بألية الحدوث للاضطراب تسمح للمريض بفهم أن ما يحدث سببه عدم توازن كيميائي وعدم قدرة النواة المذنبة على العمل بشكل صحيح كناقل آلي للسلوك التالي أو الفكر التالي أو المشاعر التالية.

ان الانتقال التلقائي من سلوك الى أخر ومن فكرة الى أخرى ومن شعور الى أخر هو عمل النواة المذنبة، وفي حالة اضطراب الوسواس القهري تكون هذه النواة عاطلة عن العمل التلقائي الأتوماتيكي مما يتطلب منا التدخل بشكل يدوي وهو تعبير مجازي للدلالة على تدخلنا بحثها على العمل من خلال إرادتنا ووعينا بها وهذا التدخل الواعي في طبيعة عملها يجعلنا نتحكم في الانتقال الى السلوك التالي والفكر التالي والشعور التالي بطريقة ليست ألية أو تلقائية كما هو مصمم لها أن تعمل النواة المذنبة بشكل طبيعي.

مفتاح العمل في الخطوة الثانية يقوم على فهم ألية حدوث الاضطراب وألية عمل النواة المذنبة وكيفية إجراء تدبير أ

إرادي واعي توجيهي لعمل النواة المذنبة للتعويض عن عملها الآلي (التلقائي)، بحيث يمكنني هذا الأجراء بإتمام الدارة الكهربائية الدماغية بطريقة صحيحة.

وأيضاً هنا في هذه الخطوة من المهم فهم بأن الموضوع يحتاج ال مثابرة مستمرة وجهد يتم بذله من أجل التعويض عن التبديل الآلي بتبديل إرادي واعي مع تذكر بأن ما يحدث هو يحدث بسبب الأفكار المقلقة وليس بسبب الجراثيم أو الحالات المفترضة، وأنها حالة طبية بحتة مثلها مثل أي حالة عضوية أخرى مثلاً كالإصابة بمرض السكري.

الخطوة الثالثة إعادة التركيز:

هذه الخطوة هي الخطوة الأهم في الخطوات وإعادة التركيز هو المكان الذي يتم فيه العمل الحقيقي بعد أن يكون قد فهم مريض الوسواس القهري بأن سبب المرض هو قلقه وخوفه وأن هذا المرض ناتج عن عطل في النواة المذنبة يمكن إصلاحه بالتدريب والتعلم والوعي والفهم.

إن إعادة التركيز تعني اختيار لنشاط إيجابي مفيد وممتع يمكن التركيز عليه في اللحظة التي يهاجمنا فيها الفكر المقلق والخوف، وعندما تنتابنا نوبة اضطراب وسواس قهري، ومن الأنشطة المقترحة: العمل في الحديقة، مساعدة أحدهم، الاشتغال على هواية ما، الاستماع الى الموسيقا، ممارسة تمارين رياضية. المهم أن نركز على شيء ما نقوم به كرد فعل طبيعي على النوبة. وبهذا الفعل نكون قد ساعدنا على التبديل الواعي الإرادي للنواة المذنبة التي كان من المفترض أن نقوم بعملها بشكل آلي (تلقائي) إلا أنها لسبب ما لم نقم بهذا العمل.

في كل مرة نقوم بهذا الفعل (أي التركيز على شيء ما) نكون قد قمنا بتشغيل الدارة يدوياً وهو تشبيه مجازي يساعد المريض على ألا يتعلق بمحتوى الوسوسة بل أن يعمل متجاهلاً أياه، ومرة وراء مرة تؤدي كثرة الفعل الى زيادة الرغبة في الفعل، وعلى المريض أن يدرك أن الأهمية القصوى للفعل وليس للشعور، إن التركيز على فعل جديد سيؤدي الى تلاشي الشعور القديم، وإن التركيز على الفعل سيجعلك غير مستسلم للشعور.

ان الاستمرار بالتركيز على الفعل لمدة خمسة عشر دقيقة الى ثلاثين دقيقة والمثابرة عليه في كل مرة تتعرض فيها لنوبة وسواس قهري سيؤدي الى بناء دارة عصبية جديدة لتحل محل الدارة القديمة التي كانت تتسبب بهذا الاضطراب.

أن التركيز على الفعل والنشاط الجديد المُختار مهما كان ذو مدة زمنية قصيرة حتى لو كان دقيقة واحدة سيكون مفيداً جداً لتكوين الدارة الكهربائية الجديدة.

الخطوة الرابعة إعادة التقييم:

لقد كان الهدف من الخطوات الثلاث الأولى هو فهم آلية حدوث الاضطراب، وإن السبب فيه الأفكار المقلقة وحالات الخوف والفزع و تعطل عمل النواة المذنبة وأن كيفية إصلاحه تتم بالتركيز على الفعل (السلوك) الجديد، وأن هذا التركيز سيؤدي الى بناء دارة عصبية جديدة تُلغي الدارة العصبية القديمة التي كانت تتسبب في حدوث الاضطراب الوسواسي القهري.

إن إعادة التقييم تتمثل في بناء شخصية محايدة تستطيع أن ترى شخصيتك وهي في حالة الاضطراب الوسواسي القهري وشخصيتك في حالة التصدي للأفكار، والتركيز على السلوكيات الجديدة النافعة، وعدم الاستسلام للفعل القديم في تنفيذ ما يطلبه الفكر المقلق الذي يدور في الذهن.

إن عملية التدوين لما يحدث في حالة الاضطراب من أفكار وسلوكيات وفهمها، وكذلك تدوين ما يحدث في حالة العلاج وعملية التركيز على الفعل الجديد والوعي بالفرق بينهما من خلال شخصيتك المحايدة سيمنحك مزيداً من الوعي والقوة والدافع للتخلص من حالة الاضطراب.

ان عملية التدريب للعقل بهذه الطريقة لن تسمح لمشاعرنا المقلقة أن تجبرنا على التصرف غير المنطقي (حالة الاضطراب) وإن استمرارنا بالتدريب سيبني دارة عصبية جديدة لمشاعر جديدة وأفكار جديدة.

ملخص سريع للخطوات الأربعة:

الخطوة 1: إعادة التصنيف وتتمثل بالاعتراف بأن تصرفنا ناتج عن حالة فكرية قلقة تسبب لنا الاضطراب الوسواسي القهري.

الخطوة 2: إعادة التصنيف أن شدة الاضطراب سببه فكر قلق مع تعطل في آلية النقل الآلي أو التلقائي عبر النواة المذنبة الى النشاط التالي أو الفكرة التالية أو الشعور التالي وهي حالة طبية مثلها مثل أي مرض عضوي.

الخطوة 3: إعادة التركيز وتتمثل في تركيز الانتباه على فعل ونشاط ممتع ومفيد على الأقل لدقائق معدودة وعدم الانصياع الى تنفيذ ما يتطلبه الفكر المقلق.

الخطوة 4: إعادة التقييم تتمثل في النظر الى الموضوع بمنطق وعقلانية.

العلاجات السلوكية الداعمة: تعتمد على تقنيات البرمجة اللغوية العصبية NLP  في تغيير العادات السلبية، ومكافحة القلق والخوف والرهاب وإزالتهم من خط الزمن النفسي، وتوليد السلوك الجديد، وتعزيز مواقع الإدراك المكانية والزمانية والمنطقية وإعادة التأطير للسلوك.

العلاج الدوائي: عادة يُستخدم الدواء كمساعد للتخفيف من حالات القلق جنباً الى جنب مع الخطوات الأربعة حيث تكون الأولوية للخطوات الأربع. وعادة ما يكون العلاج باستخدام الأدوية المضادة للاكتئاب. (الطبيب المختص هو المؤهل بوصف الدواء المناسب للتخفيف من حالات القلق والتوتر والخوف). (راجع طبيب مختص)

العلاج الغذائي: تناول البيض والفول والبطاطا واللبن والخبز والمعكرونة والموز واللوز واللحم البقري والدجاج والأسماك. (راجع طبيب مختص)

كما يوجد مكمل غذائي أثبت فعاليته في التخفيف من نوبات الوسواس القهري هو:

(ل. تريبتوفان) وأيضاً (الأنوسيتول) وهو من عائلة فيتامين ب. (يرجى استشارة الأخصائي المختص بالتغذية والمكملات الغذائية).

دور الأسرة والأصدقاء:

أن الأسرة والأصدقاء يلعبون دور مهم في مساعدة المريض للتغلب على مرضه، وتتجلى هذه المساعدة بعدم الاستسلام لطقوس المريض، أي عدم مساعدة المريض على طقوسه والعمل على شرح آلية حدوث المرض له كما كانت في هذه المقالة بصبر وهدوء ومساعدته في السلوك الجديد الممتع والمفيد والاتفاق مع أهل المريض على أنهم لن يساعدوه على طقوسه، كما ينبغي على الأهل والأصدقاء عدم إجراء المقارنات بين المريض وبين المصابين بنفس المرض لمن يعرفونهم.

راقبوا التحسن وأثنوا عليه وتجنبوا الانتقاد أو الذم أو النفور أو التأفف والتضايق، تعاملوا مع المريض بود ومحبة وفهم ووعي واستخدموا أسلوب الدعابة والمزاح والضحك وحافظوا على المرونة في كل الأوقات.

في الختام أغلبنا مُصاب بالوسواس القهري وبدرجات متفاوتة فمنها الشديد والمتوسط والخفيف، نحن جميعاً بحاجة دائمة الى تدبير سلوكنا وأفكارنا ومشاعرنا للحفاظ على وجودنا السليم والمُعافى. لا تتردد بطلب العلاج والاستشارة من المختصين.

دمتم بصحة وعافية. 

وسوم: العدد 946