الثامن والعشرون من أيلول ذكرى فصم عرا الوحدة، مراجعة شخصية مفتوحة...

ورغم كل ما قيل ويقال: كانت الوحدة مكسبا لا ينبغي التفريط به، وكان هذا موقفا ظل يصاحب بعض الناس منذ 1961 ..

يقول بعض الناس إن الوحدة التي أبرمها شكري القوتلي عام 1958، كانت هربا إلى الأمام ، من مخالب " جيش الشرق " الذي أسسه في سورية الفرنسيون، وإذا كان الأمر كذلك، فإن ما حدث في الثامن والعشرين من أيلول سنة 1961، كان عودة إلى وجار الضباع بإرادة المغفلين!!

ومن بعد الثامن والعشرين من أيلول بأقل من عشرين شهرا  "وتأمل " أطلت علينا الوجوه الكالحة ، وشربنا المياه المالحة..وكان ما كان مما نعيشه اليوم بكل أبعاده حنظلا وزقوما..

 بعد الثامن من آذار 1963 جاءنا مدرس "فلحوط " يركب أكتاف بعضنا،  في إعدادية المعري، ويهتف بنا : ثالوثكم المقدس ويفرض علينا أن نرد ، ليس بالأب والابن والروح القدس، وإنما بما نادى كل السوريين به من بعدنا كثير !!

كان الثامن والعشرون من أيلول  مدخلا عمليا للثامن من آذار ، الذي أسس للكارثة التي تعيشون ..

ونتغنى...

أسمع الكثيرين يتغنون تمجيدا بقيادات ما بعد الثامن والعشرين من أيلول، بوطنيتهم بانتمائهم، بجمالهم، بأشياء كثيرة ما تزال أحاديث السكارى على موائد الزبيب ، ليس من اليوم ، وإنما منذ ستين سنة ظل هذا الشاب الذي صار اليوم شيبة ...يتساءل؟؟؟

إن كانوا كما تقولون، ولست أرد على أحد، ولا أريد أن أذكر اسم أحد ...

فلماذا لم يقاوموا رؤوس الانقلاب الأشرار دفاعا عن الشرعية ساعة نهار ؟؟؟

ولماذا، وقد عجزوا عن الدفاع عن الشرعية التي يمثلونها بحق، لم يكونوا خارج سورية يؤسسون مرتكزا لحكومة وطنية ؟؟ لمعارضة وطنية،؟؟لشرعية وطنية؟؟ لماذا لم يتبنوا مشروعا للدفاع عن حقوق الذين وثقوا بهم، وهتفوا باسمهم، وساروا خلفهم، وانتخبوهم؟؟ !!!  لماذا لم ...ولماذا  انفرط عقدهم ، وذاب حزبهم، منذ أن حمي الوطيس ، وذابوا  في الأرض الواسعة، مستشارين " المواساة وجبر الخاطر " لزعماء وبنوك ..

لماذا تولوا ، وتركوا العبء على هذا الشعب المسكين بمره ومره ..؟؟ يعاني ويعاني تقتيلا وتهجير وسجنا وإفقارا وتجويعا ..

خلّف العبء عليّ وولى ..أنا بالعبء له مستقل!!!

وما أقبح الرجل يكون مع قومه على " الأمر الجامع "، فيرشح لحمل عبئه، ويتسلل لواذا ، ليشتغل على خويّصة نفسه ..

وهي تجربة مريرة مؤذية، عشناها في حياتنا مرات ومرات، وقد عشنا في هذه الحياة نكسات ..ونكسات، وقد عاتبت بها يوما فاضلا كبيرا، فرد عليّ مبتسما : إن نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى يقولون يوم الروع : نفسي ..نفسي ..

فقلت بابتسامة أعرض ، ولكن قدوتنا رسول الله يقول: أنا لها ..أنا لها .. فلماذا لم يكونوا في ذاك اليوم الحق : لها بحق..

الدفاع عن الوحدة ، ليس من معانيه الدفاع عن " جمال عبد الناصر" لا عن شخصه، ولا عن سياسته، وكل ما فعله عبد الناصر في سورية لا يبلغ عشر معشار ما فعله صبية البعث " أخضرهم وأحمرهم وأزرقهم وأصفرهم " وليس دفاعا عن "عبد الحكيم عامر " ولا عن " عبد الحميد السراج " ولا عن " المكتب الثاني ، ولا عن الذين أذابوا " فرج الله الحلو " بالأسيد ،وإنما هودفاع عن إنجاز حقيقي تم في غفلة من أعين المتربصين، وهدمه بعض السكارى وهم منتشون..

وكانت " الجمهورية العربية المتحدة " كفيلة بأن تفرض على الخارطة الجيوسياسية واقعا مختلفا تجتني الشعوب ثمراته حتى اليوم ..

وإذا كان الانقلاب الانفصال للتخلص من جمال عبد الناصر ، فلم يلبث جمال عبد الناصر أن مات بعدُ في بضع سنين، وفي نفس الذكرى الثامن والعشرين من أيلول...

 الأمم تبقى والأشخاص يموتون ...هذه حقيقة لم ننسها يوما، ونرجو أن تجد من يذكرها في كل جيل ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 948