مصر: سوابق إفلاس وعصا غليظة للتأديب والانتقام!

محمد عبد الحكم دياب

من أقوال «المشير السيسي»، التي رددها كثيرا، «المصريين فقرا قوي»، أي فقراء جدا، وكأنه لو قال بغير ذلك لن يستدر عطف من يساعدونه في الحصول على المال والمعونات والقروض، ويبرر بها الجلد اليومي للمواطن برفع الأسعار، وتحصيل جبايات ورسوم حكومية إضافة لضرائب باهظة يقال إنها للصرف منها على الخدمات المجانية، كالتعليم والصحة وغيرهما، وفقدت الغالبية العظمى قدرتها على التكيف، وتلبية مطالب الحياة الضرورية، وترديد تلك الأقوال يعني عدم معرفة «المشير» لمصر على حقيقتها، ولم يكتشف سبيلا للتعامل معها، وتقدير شعبها بما يليق، كشعب يبدع ويُضحي إذا ما تحرر وأتيحت له فرص التألق والإبداع والإنتاج والارتفاع بمستوى المعيشة، بشرط الابتعاد عن حكاوي المقاولين، وثقافة السماسرة، وشطحات مطوري العقارات، وتطلعات سكان المنتجعات والأبراج العالية، ووقف البذخ، والأبهة الرئاسية والأسرية، بذخ ملكي، على حساب الإنتاج والعجز المالي، وما يتبعه من طلب نجدة صندوق النقد الدولي، وقد تولى تصفية دولة الرعاية والكفاية، وعاشت مصر في كنفها لأزمان وعقود، وكأن «المشير» لا يعلم عنها شيئا.

وقد لا يعلم كذلك بوجود ما يشبه الإجماع بين المؤرخين والمفكرين والعلماء والخبراء والباحثين والعالمين والمعنيين برصد ثروات مصر المنهوبة والمخبوءة، وهم لا يقتنعون بفقر مصر، وفيهم من هو على قناعة باستحالة إفلاس ذلك البلد العظيم، ولو حدث وأفلس فبسبب التبديد والإسراف والبذخ والنهب، وقد نكتشف بعض ذلك في ثنايا هذه السطور.

وفي حقبة العمل «على المكشوف»، وفيها لا يجد المواطن صعوبة في التعرف على الفاسدين وكشف المفسدين، والمفرطين والمتنازلين عن الحقوق، والمهدرين للثروات، والمتخلصين من أصول مصر الثابتة والمنقولة، ونهبها بشكل ممنهج ومنظم، وهم محميون بمناصبهم، وأصحاب كلمة مسموعة، وخبراء في التسلل إلى سلطات التشريع والتنفيذ والرقابة والأمن، وفيهم من غاص في مستنقع الفساد حتى أذنيه، وتحول لبيئة صالحة للعمل الصهيوني الذي له حق التدخل السافر، بأذرعه المتعددة والممتدة إلى كل شؤون الحياة والسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والتشريع والرقابة، كل ذلك في وضح النهار، ويمثلون الاحتكارات الكبرى وتحالف صهيو غربي عربي إسلامي، ومن دعاة الدين الإبراهيمي المبتدع، وتغيير وجه العرب من صهيو وهابي إلى صهيو إبراهيمي!!

وللحق فذلك ما زال فاشلا وضعيفا ينتظر فرصا مواتية للانقضاض، ولم يتمكن بعد من إقامة البنى التنظيمية والإدارية اللازمة، وفشل في إقامة ما يناظر «المسيحية الصهيونية»، على الرغم من الاندفاع المحموم في ذلك الاتجاه، وفي المزج بين الصهيونية والوهابية، وخشونة مفرطة في معالجة أوضاع فلسطين ولبنان وسوريا واليمن وإيران، والسبب هزال وضعف توجهات الأمركة والصهينة، وغياب أي دور عربي جماعي، فلم يخرج أحد بعد من القاعات والغرف المكيفة وقصور وأروقة الأسر المالكة.

وما زال الشارع العربي (الإسلامي والمسيحي) على عهده، يقاوم، وهم يستعيضون عن عجزهم بأموال طائلة، تُصرف على نشر الدين الإبراهيمي، غير القابل للحياة، ونوهنا إلى ذلك في مقال أسبق (22/ 10/ 2021)، في غرابته وزيفه وشذوذه، فلم يبشر به نبى، ولا دعا إليه رسول، ولد سفاحا في أقبية وسراديب مخابرات صهيو أمريكية، وأوكار موزعة في الجزيرة العربية والخليج، وفشلت كنوز النفط في إثناء أحد عن الرفض القاطع لذلك الدين.

وما زال هناك ما يثير عن الإفلاس، الذي قد تتعرض له مصر، والمثير أنها جربته أكثر من مرة، حسب دراسة لأستاذ وخبير التنمية الاقتصادية الأسبق في الأمم المتحدة، شريف دلاور، (بوابة الأهرام بتاريخ 16/ 04 2014)، مرة أولى إبان حكم الخديو إسماعيل في القرن التاسع عشر، مع اتهام الحكومة البريطانية لشركة قناة السويس باستخدام السخرة في شق القناة، والاستعانة بحفارات عملاقة باهظة التكلفة، وتوقف الحفر لمدة سنة كاملة، ثم صدر قرار إفلاس الحكومة المصرية فى الخارج.

ومرة ثانية عام 1989، زمن حسني مبارك، حين عجز عن سداد مستحقات خارجية، وعدم وجود نقد أجنبي، وترتب على ذلك مشاركته في حرب الخليج، وتخفيض 50٪ من الدين مقابل هذه المشاركة، وجدولة ما تبقى وهو 25 مليار دولار على خمس سنوات، ولولا ذلك لحلت بمصر كارثة كبرى!!.

علينا أن ننظر لحالنا الراهن وهو لحظة عابرة في تاريخ ممتد وتعود الأوضاع إلى استقامتها وتصحح نفسها وهذه عبر تاريخ التي لا يجب أن يغفل عنها الثوار والوطنيون من العقلاء

والعالم، الذي فقد بوصلته، إلى حد الوقوف على أطراف أصابعه، تحسبا لاشتعال حرب لا تبقي ولا تذر، كل طرف يُحمِّل أوزارها على الآخر، وأحوال العرب اتخذت منحى آخرَ، استسلموا بالكامل لأعداء الأمس واليوم وغدا، الذين تَنْصَب جهودهم على عودة احتلال أكبر مساحة من «القارة العربية»، وإحياء عصر «المحميات» بنمط صهيو غربي، بديلا للإمارات العربية المتحدة، وتعود إلى ما كانت عليه قبل الاستقلال، وبعد عقود من غرق الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية في مياه السويس عام 1956 وكانت فرنسا تعاني وتتكبد خسائر فادحة من ويلات حرب التحرير الوطنية الجزائرية، 

ويعيش العرب مرحلة تسليم كامل للدولة الصهيونية، مع التغير الطارئ على التقاليد في التعامل مع الأشقاء والجيران، والتحول لرديف مؤازر للاستيطان، والصهيونية، وتمويل معارك مؤجلة، وصفقات جاهزة لبيع لحكم الأشقاء والجيران، والتفريط في أخوة الدين والجيرة، وإن كانت جائحة كوفيد 19 الأخطر، لكن توصل العالم لأمصال ولقاحات زادت مناعة البشر، ومكَّنت أجسامهم من مقاومة الفيروس القاتل، أما جائحة الصهينة التي أصيب بها عرب الخليج ومن معهم لن ينفع معها مصل أو لقاح «مستجد» أو غير مستجد.

وهكذا أصابت آفة النسيان الكثير من الخليجيين، ونسوا من آزرهم وقدم في سبيل نصرتهم شهداء وضحايا سقطوا دفاعا عن حقهم في حياة مستقلة وكريمة، كانت تضحيات واجبة لم يندم عليها أحد، وعلينا أن ننظر لحالنا الراهن، فليس قدرا أبديا، وهو لحظة عابرة في تاريخ ممتد، وتعود الأوضاع إلى استقامتها، وتصحح نفسها، وهذه عبر تاريخ، التي لا يجب أن يغفل عنها الثوار والوطنيون من العقلاء.

وقضيتنا في هذه المساحة هي مصر، لنقر بابتلائها بمن يعلن بأنه «مش سياسي»، بمعنى ليس صاحب حق في سياسة أو رئاسة، ولا يختلف عن أقرانه في الجزيرة العربية والخليج، هواهم واحد، وملتهم واحدة، ومصيرهم واحد. وتابعنا تهافت المشاركين في «المهرجان الانتخابي المصري» أمام مقر مؤتمر المناخ في غلاسكو باسكتلندا، أبدع الحضور وكشفوا عن مواهبهم في الغناء والهتاف والإيقاع والرقص وغنوا «سيسي سيسي انت رئيسي»، كأن هناك من أنكر عليهم هذا، وتذكرت فرقة حسب الله الموسيقية الشعبية، ودور قائدها «حسب الله السادس عشر» والأداء الفكاهي للفنان الراحل عبد السلام النابلسي، الذي عرَّف نفسه «حسب الله جوز (زوج) سنية ترتر» في فيلم «شارع الحب»، تأسست الفرقة عام 1860 بقيادة الشاويش محمد حسب الله، بفرقة موسيقى السواري (الفرسان) الخاصة بخدمة الخديو عباس حلمى، وكان الشاويش محمد عازفًا للكلارنيت وعاشقا للموسيقى الكلاسيكية بحكم عمله في العزف بالسراي الخديوية، وخلط الموسيقى المصرية بالعثمانلية، وانتشرت الفرقة فى شوارع ومقاهي وملاهي شارع محمد علي بالقاهرة، وتقاعد الشاويش الفنان بعد وفاة الخديو وكون فرقة من عازفي شارع محمد علي بدأت بـ11 عازفا وصلوا إلى 25 عازفا، ومزج بين الآلات النحاسية والطبول، وخلط الذوق الشعبي بالسيمفوني، وأضحى من أشهر الفرق، ونال التقدير العالي محليا وعالميا، ومع مرور الزمن تعرضت الفرقة للتهميش، وهناك من يقلدها حتى يومنا هذا.

وفي حضرة حسب الله نعيد قراءة الإعلان برفع حالة الطوارئ المطبقة في مصر من إبريل/نيسان 2017، وهذا قرار يُتّخَذ بوحي دوائر خارجية، فهو قرار لا يتحمل «المشير» تبعاته وهي إنهاء العمل بقانون الطوارئ، وإسقاط القضايا المنظورة بمحاكم الطوارئ، وقضايا شباب ثورة يناير/كانون الثاني التاريخية، وفي غياب قانون الطوارئ فمن المفترض أن يحالوا لمحاكم جنح عادية، يُتاح فيها الطعن والاستئناف والنقض، بنص القانون. فهل هذا يحدث في عصر المسموح الوحيد فيه هو عصا غليظة، «شومة» باللهجة المصرية، وترمز للشدة والخشونة ولإجراءات لا ترحم. إنها «شومة» «المشير» يهش بها على «شعبه»، ويرفعها في وجه من يعصيه وله فيها مآرب أخرى!

وسوم: العدد 955