ما الذي يتعين على الأحزاب المصرحة بمرجعيتها الإسلامية فعله لتستعيد الثقة

ما الذي يتعين على الأحزاب المصرحة بمرجعيتها الإسلامية فعله لتستعيد الثقة بها ولتعود من جديد إلى الساحة السياسية صامدة أمام محاولات استئصالها  ؟

دون إشارة أو تعيين أو تحديد لحزب  بعينه من الأحزاب المصرحة بمرجعيتها الإسلامية في الوطن العربي مشرقا أو مغربا ، والتي خاضت تجربة المشاركة في اللعبة الديمقراطية وقد أفشلت بفعل فاعلين ، وبأسلوب أو آخر مع تفاوت في مكره وخبثه ، نؤكد لها جميعها أولا أن التصريح بالمرجعية الإسلامية ليس مجرد شعار تختصره عبارة يلوكها اللسان ، وتطرب لها الآذان بل هو اعتقاد بالجنان وعمل بالقرآن ، وبسنة سيد ولد عدنان ،ذلك  أن كل حزب يصرح بالمرجعية الإسلامية لا بد أن يمر لا محالة بامتحان تصدقه أو تكذبه شواهده ، علما بأن المشرف على هذا الامتحان أو ممتحنه هي الشعوب التي تعطيه أصواتها  لسبب معلوم هو رهانها على الإسلام كحل للخلاص مما تعاني منه من استبداد وفساد بعدما  أعياها طول انتظاره ، ويئست من الأحزاب المصرحة بغير المرجعية الإسلامية من مختلف المرجعيات والتي جربت كلها ولم تحقق لها ما تصبوإليه .

والشعوب المراهنة على الإسلام حين وضعت ثقتها في أحزاب مصرحة بمرجعيتها الإسلامية قد  خطت لها خطوطا حمراء لا تسمح بتخطيها وإلا كان تصريحها بالمرجعية الإسلامية محض ادعاء، وهو ما يجعلها محل اتهام خطير أمامها  مفاده استغلال مشاعرها الدينية ، وخداعها باسم الإسلام رغبة في السلطة ، وما تجلبه من منافع وامتيازات لا سبيل إلى الوصول إليها إلا بخدعة التصريح بهذه المرجعية الإسلامية . ولا نظن أن هذه الشعوب ستظل دائما  رهينة مقولة : " من خدعنا بالله انخدعنا له " ، وهي تعتقد أنها بحكم إيمانها لا  يمكن أن تلدغ من جحر مرتين، وأنها ليس بالخب ولا الخب يخدعها على حد قول الفاروق رضي الله عنه .

ومع أنه لا يمكن أن ينكر  إلا جاحد أو مكابر كيد خبيث  قد كيد للأحزاب المصرحة بالمرجعية الإسلامية ، فإنها لم تبرّأ من مسؤولية الانصياع والاستسلام  لهذا الكيد من خلال تجاوز الخطوط الحمراء التي يقتضيها  التزامها بالتصريح بمرجعيتها الإسلامية والثبات عليها .

ومعلوم أن الأحزاب المصرحة بالمرجعية الإسلامية خاضت تجربة المشاركة في اللعبة الديمقراطية، وهي تواجه من طرف خصومها  السياسيين  تهمة  سوء نيتها وقصدها في المشاركة في هذه اللعبة من أجل استغلالها  للوصول إلى السلطة والاستبداد بها ، وفرض بعد ذلك  مرجعيتها على باقي المرجعيات ، وهو ما حملها على القيام بكل ما من شأنه أن يبرىء ساحتها من هذه التهمة الملفقة لها  والتي من شأنها أن تقصيها من خوض  هذه اللعبة الديمقراطية ، وكان ذلك بواسطة تخطيها الخطوط الحمراء التي يلزمها بها تصريحها بالمرجعية الإسلامية الشيء الذي جعلها تفقد ثقة من وضعوا ثقتهم فيها ، وأمام هذا الوضع وجد خصومها سبيلا إلى اتهامها بالتخلي عن مرجعيتها المصرحة بها . وهكذا أوقع تصريح تلك الأحزاب بالمرجعية الإسلامية في تهمتين لا مفر لها منهما ، وهما : إما  تهمة الاحتيال  بنية مبيتة من أجل الاستبداد بركوب اللعبة الديمقراطية واستغلالها  ، أو تهمة التخلي عن مرجعيتها المصرحة بها .

وما يلزم اليوم تلك الأحزاب ، وقد أقصيت بشكل أو بآخركما مؤكد ومعلوم ، وأحيانا قبل أن تستكمل مدة بقائها في السلطة كما هو الشأن في مصر وتونس تمثيلا لا حصرا ، وهي تفكر في إعادة الكرة للمشاركة في اللعبة الديمقراطية من جديد ـ إذا ما سمح لها بذلك مستقبلا ـ هو أن تستعيد أولا ثقة الشعوب بها ، وقد فقدتها بسبب تخطيها خطوطا حمراء يقتضيها تصريحها بالمرجعية الإسلامية ويلزمها باحترامها ، ولن يتم ذلك إلا بالاعتراف بأنها قد أخطأت بتخطيها لها مع الاعتذار عن ذلك بصدق ، وبأنها قد تابت من ذلك توبة نصوحا ، وهذا يقتضي منها شجاعة أدبية لا تخشى فيها لومة لائم ، ثم  بعد ذلك تأخذ بعوامل الصمود والثبات أمام كل استئصال  من شانه أن يستهدفها مستقبلا ،وذلك بالتخلي عن سذاجتها في التعامل مع خصومها وحسن الظن بهم ، والانصياع لهم فيما يخرم مرجعيتها الإسلامية بغرض استرضائهم ، وطمأنتهم بأنها صادقة في خوض تجربة اللعبة الديمقراطية ، وأنها لا تضمر التفكير في استغلالها من أجل الاستبداد بالسلطة كما يروج  ذلك عنها.

ومعلوم أن الذي يجعل خصوم الأحزاب المصرحة بمرجعيتها الإسلامية يصرون على استئصالها بإصرار سواء تعلق الأمر بجهات أجنبية أو إقليمية هو التجربة التركية التي يعتبرونها نموذجا سيئا في نظرهم  حيث استطاع حزب مصرح بمرجعيته الإسلامية في بلد علماني الوصول إلى السلطة عبر المشاركة في اللعبة الديمقراطية ، واستطاع أن يوفر لتجربته في الحكم النجاح ، ويقنع بها من وضعوا ثقتهم فيه ممن يراهنون على الإسلام ، بل ويقنع بها حتى من لا يتفقون مع مرجعيته الإسلامية ،والذين أقنعتهم النتائج الفعلية والإجرائية على أرض الواقع .

ومعلوم لو أن الأحزاب المصرحة بمرجعيتها الإسلامية  في الوطن العربي لو لم يعرقلها الكيد الذي كيد لها ، واستطاعت أن تحذو حذو الحزب الإسلامي التركي في انجازاته لفندت من جهة التهمة الموجهة إليها بأنها تروم استغلال الديمقراطية من أجل الاستبداد بالسلطة  ، ومن جهة أخرى لأقنعت من وضعوا ثقتهم فيها بأنها وفية لمرجعيتها ، لا تحيد عنها مهما كانت الظروف ، مستحضرة أن هؤلاء الذين وضعوا ثقتهم فيها إنما يراهنون على الإسلام كحل للخروج من وضع الاستبداد والفساد السياسيين في الوطن العربي .

فهل ستراجع الأحزاب المصرحة بالمرجعية الإسلامية في الوطن العربي  حساباتها لتتبوأ مكانتها من جديد في الساحة العربية أم أن أمرها قد انتهى إلى الأبد كما يحلم بذلك خصومها على اختلاف أنواعهم ؟ ذلك ما سيكشف عنه المستقبل ، وهو أصدق وأوثق كشّاف .

وسوم: العدد 963