لماذا إسرائيل فقط؟

بناء على حسابات رقمية واعتبارات لأحداث تاريخية، قام الشيخ بسام نهاد جرّار -وهو أحد الشيوخ المعروفين بنشاطهم الفكري، والنباهة والتميز في تفسير القرآن الكريم، ومؤسس ومدير مركز نون للدراسات القرآنية في مدينة البيرة برام الله في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة- بطرح "نبوءة" خلاصتها أن إسرائيل ستزول في هذا العام 2022 (1443هـ).

كان ذلك قبل حوالي 30 عاما، وقد سطّر هذه النبوءة في كتاب مطبوع ومتوفر منه نسخة إلكترونية، وشرحها الشيخ وناقشها في كثير من المساجد والجامعات والمراكز وعبر شاشات بعض القنوات الفضائية؛ وأنا هنا أحيل من يريد التعرف أو الاستزادة إلى مصادرها، ومصادر من يعترض عليها أو يتحفظ أو استشكل عليه شيء، أيضا موجودة في مواقع وصفحات كثيرة.

أما الشيخ أحمد ياسين في شهادته على العصر مع الإعلامي في قناة الجزيرة أحمد منصور قبل حوالي ربع قرن، فقد قال إنه في عام 2027 لن يكون هناك إسرائيل، وكانت رؤية الشيخ أحمد ياسين -رحمه الله- تقوم على تغير الأجيال.

وفي ذروة انتفاضة الأقصى وتداعياتها، كتب أبراهام بورغ رئيس الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) في الفترة 1999-2003، مقالا قال فيه "إننا يجب أن نبحث لنا عن مكان آخر نعيش فيه"، وكان هذا في سنة 2002، مما عزز إمكانية زوال وتفكك الكيان العبري في 2022، وقد تناولت قناة الجزيرة مع ضيفها الخبير في الحركة الصهيونية الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري ما قاله بورغ أيضا.


قبل 10 أعوام، وتحديدا في 2012، نقل عن هنري كيسنجر ثعلب السياسة الأميركية أنه لن يكون هناك إسرائيل بعد 10 سنين.

وفي ذات العام، قدمت مؤسسات استخباراتية أميركية تقريرا إلى بارك أوباما، أن إسرائيل بعد عقد من الزمن (أي في 2022) لن تكون موجودة.

وللأمانة في النقل، فإن ما نسب إلى كيسنجر وإلى وكالات استخباراتية أميركية يظل محل شك، نظرا لأنه اعتمد على "نقل عن ناقل غير دقيق"، وهناك شبهات، مع أن الكاتب الأميركي فرانكلين لامب (توفي في 2018) نشر معلومة الـ16 مؤسسة استخباراتية التي قدمت تقريرا من 82 صفحة، في مقال له بمجلة فورين بوليسي في أغسطس/آب 2012، ولكن الكاتب المذكور معروف أنه من المهووسين بنظرية المؤامرة، والمجلة المذكورة نبهت إلى أنها ستتأكد من المعلومة الواردة في مقالته.

على كل، سواء صح الخبر عن كيسنجر أم عن المصادر الاستخباراتية الأميركية، فإن ثمة دراسة روسية أعدها مركز الدراسات الإستراتيجية والتقنية المستقل في موسكو في 2002، تؤكد على ذات الفكرة والمعنى.

يضاف إلى ذلك تصريحات وفلتات لسان أو ربما صراحة من قادة نافذين سابقين أو حاليين في إسرائيل، بأنهم يريدون لها أن تعيش وتستمر حتى 80 سنة أو 100 سنة كإحدى "الأمنيات العظيمة" والآمال الكبيرة.

لماذا هذا الحديث المختلف والمتعدد المصادر، يقال فقط عن إسرائيل؟

لا يوجد أي كيان في العالم يتحدث عنه أحد من حيث مبدأ الزوال أو الاستمرار إلا إسرائيل. فهل سمعتم يوما عن احتمال إزالة العراق أو سوريا أو مصر أو الصومال أو بريطانيا أو موزمبيق؟

قد نتحدث عن تغيير نظام في دولة، أو حتى تقسيمها أو إضعافها أو إخضاعها أو تغيير وظيفتها، ولكن ليس إزالتها من الخريطة السياسية، والاستثناء هو إسرائيل، فالحديث دوما يدور حول خطر يتهدد وجودها، وتقديرات عن عمرها الافتراضي.

احتل الأميركان العراق في 2003، وفعليا كانوا قد فصلوا شماله عن وسطه وجنوبه منذ 1991، وفعلوا في بلاد الرافدين ما فعلوه من تدمير وقتل وإفساد، لكن هل زال الوطن أو الكيان أو الحيز الجغرافي الذي يحمل اسم العراق؟ أليس العراق هو العراق مع كل ما لحق به من دمار وما أصابه من أهوال، وربما هذا ينسحب على سوريا كذلك؛ فمع كل الدمار الذي حلّ بها، وتهجير وتشريد ملايين من شعبها، فإنها لا تزال سوريا.

إسرائيل -كما لا يخفى عليكم- كيان أو دولة قامت على أرض فلسطين بوحشية السلاح ورعاية بريطانيا وأميركا وقوى عظمى وكبرى أخرى، بعد قتل وتهجير مئات الآلاف من شعبها العربي.

ومع أن إسرائيل قامت على جلب مهاجرين يهود أو من يزعمون أنهم يهود من شتى أصقاع الأرض، لكنها لم تتمكن من تحقيق نمو سكاني يتناسب مع سنوات عمرها (74 سنة)، لدرجة أن عدد العرب الفلسطينيين بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط -أي أرض فلسطين الانتدابية- أكثر من عدد اليهود بما يربو على 100 ألف نسمة، وهذا يعتبر فشلا وإخفاقا للمشروع الصهيوني الذي حاز كل الإمكانيات المادية التي ربما لم تتوفر لاحتلال إحلالي آخر في العصر الحديث… وهذا يذكرنا بمصير الممالك الصليبية قبل ألف سنة، فمع أنها حازت أراضي أكبر من الكيان العبري الحالي، لكنها هزمت وتفككت تباعا ثم صارت أثرا بعد عين.

ومن ناحية أخرى، لم تستطع إسرائيل أن تتحول إلى دولة عادية تتفاعل وتندمج مع البيئة والمحيط، وظلت مسكونة بالهواجس الأمنية وعقلية التحصن والتوجس، وما يسميه المسيري "المعبد- القلعة". فإسرائيل قلعة أو حصن بمواصفات عصرية حديثة، حيث عندها قنابل نووية وتحيطها الجدر الإسمنتية والحديدية المزودة بالتقنيات والمجسات الإلكترونية، وعصبها وعمادها هو جيشها فقط، وهي لذلك لا تتحمل هزيمة عسكرية ولو مرة واحدة، بعكس الدول والكيانات الطبيعية التي قد تنتصر تارة وتهزم تارة أخرى.

ومع ذلك، لا تبدو المؤشرات الحالية والظروف الموضوعية مشجعة على تبني نظرية إزالة أو زوال إسرائيل؛ فإسرائيل تحظى بدعم ورعاية شبه مطلقة من الولايات المتحدة وبقية الدول العظمى والكبرى، كذلك تقيم معها تحالفات، وهي دوماً تؤكد على أن أمن إسرائيل هو الثابت غير القابل للتغير في سياساتها وتعاطيها مع ملفات المنطقة، وهو أولوية الأولويات.

وإسرائيل نفسها في وضع أفضل من العرب، فمع أن الفساد يعشش فيها، لكنها أقامت نظاما فيه تداول للسلطة ولها برلمان نشط وفعّال، بينما محيطها العربي يئن تحت وطأة منظومة استبدادية قمعية متخلفة، تسوس الناس بالحديد والنار والقهر. وإسرائيل مع كل ما فيها من فساد، إلا أنها استطاعت توفير نظام تكافؤ فرص لأفرادها (اليهود طبعا) بينما المحيط العربي عماده المحسوبيات وتقديم أهل الولاء على أصحاب الكفاءة، بل دفع الكفاءات نحو الهجرة أو العزلة والإحباط.

وفوق ذلك، تتفوق إسرائيل في مجال الاستخبارات على الأعداء والأصدقاء، وترصد كل شاردة وواردة، وتمتلك جيشا، بل هي عبارة عن جيش له دولة، وهذا الجيش ليس مقاولا للمعكرونة والإسمنت، بل هو متفوق جويّا وتقنيا على كل جيوش العرب، وسلاحه وعتاده متجدد دوما بأحدث وآخر الابتكارات في مجال التصنيع الحربي.

ومن ناحية أخرى، فإن العرب رسميا تركوا فكرة إزالة إسرائيل أو حتى مواجهتها، بل ذهب بعضهم إلى التحالف أو التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي معها.

فهل الهياكل السياسية والاجتماعية العربية وحتى المسلمة في وضعها الحالي قادرة على إلحاق الهزيمة بإسرائيل، أو حتى مجرد التصدي لها؟

وهنا يجب ألا نغفل عن حقيقة تزامن بناء الكيانات والوحدات السياسية والعسكرية العربية مع بداية المشروع الصهيوني ونموّه وتوسعه. فهل الدول العظمى التي رعت الكيان الإسرائيلي غبية أو ساذجة كي تقيم بجواره دولا قوية تملك قرارها أو قادرة على التغلب عليه، فبناء الكيان العبري تزامن مع بناء كيانات عربية إما عاجزة أو متآمرة، أو لا تنظر إليه كخطر داهم أو عدو غادر يجب التصدي له.

وهذا يقودنا إلى مرحلة أو تجربة مريرة سابقة حين احتُلت القدس وأجزاء من بلاد الشام من جيوش وأوباش الفرنجة، كيف كان التحرر منها وتطهير المسجد الأقصى من دنسها ليس على يد الفاطميين ولا العباسيين، بل بأطر ووحدات سياسية وعسكرية تبلورت وقاومت وكبرت، وتقدمت وتراجعت وهادنت وساومت وجاهدت وبذلت، حتى صارت كياناً مستقلاً فاعلاً أنجز التحرير.

في كل الأحوال، سواء كان هذا العام 2022 هو عام نهاية وزوال إسرائيل أو بداية زوالها أو ظهور معالم واضحة على النهاية المؤكدة، أم كان هذا الكلام أو الحكم سابقا لأوانه، فإن مجرد الحديث عن هذا الأمر هو دلالة على أن إسرائيل ستزول دون أن تعمّر في المنطقة.

ومما يزيد قناعتنا أن هذا وعد رباني جاء في القرآن الكريم، وفلسطين لا يعمّر فيها ظالم.

والله غالب على أمره.

وسوم: العدد 965